شهدت الأزمة الأوكرانية، أمس (الثلاثاء)، استمراراً للسباق بين اتصالات التهدئة الدبلوماسية وبين المخاوف من غزو روسي قد يحصل في وقت ما من هذا الشهر، حسب ما تعتقد أجهزة الاستخبارات الغربية، وهو ما تنفيه موسكو.
وأعلنت روسيا، أمس، أنها ستلتزم الشفافية فيما يتعلق بمناوراتها العسكرية المقررة مع بيلاروسيا منتصف الشهر الحالي. وقال وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو إن موسكو أبلغت الملحقين العسكريين من دول أخرى بشأن التدريبات المشتركة مع بيلاروسيا، مشيراً إلى أن بلاده ليست ملزمة بتقديم هذه المعلومات، لكنها فعلت ذلك طوعاً. ومن المقرر أن تستمر المناورات المقرر أن تنطلق في 10 فبراير (شباط) الحالي، لمدة 10 أيام، وستتم في 5 مواقع، حسب وكالة الأنباء الألمانية. وقال وزير الدفاع الروسي إن عدد الجنود المشاركين في المناورات سيكون أقل من الحد الأقصى المتفق عليه في وثيقة فيينا لعام 2011. وهذا يعني أن التدريبات ستشمل أقل من 13 ألف جندي و300 دبابة و500 عربة مدرعة و3500 جندي مظلات.
وأثارت التدريبات العسكرية المقررة بين موسكو ومينسك مخاوف في الغرب نظراً للأزمة الحالية في أوكرانيا التي فجّرها حشد موسكو عشرات الآلاف من جنودها على طول حدود أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، طالبت روسيا حلف شمال الأطلسي (الناتو) بوقف توسعه شرقاً وتقديم ضمانات بعدم قبول أوكرانيا عضواً في الحلف العسكري الغربي.
إلى ذلك، نفى نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو المعلومات التي تحدثت عن تسليم روسيا رداً خطياً إلى الولايات المتحدة على المقترحات الخاصة بالضمانات الأمنية، التي أرسلتها واشنطن في وقت سابق. وقال غروشكو، لوكالة «سبوتنيك» الروسية: «هذه التصريحات ليست صحيحة». وكانت وزارة الخارجية الأميركية أعلنت الليلة قبل الماضية أن واشنطن قد تلقت رداً مكتوباً من روسيا على مقترحات واشنطن بشأن تخفيف حدة التوتر مع أوكرانيا. وقالت متحدثة باسم الوزارة: «سيكون من غير المفيد التفاوض علناً، لذلك سنترك الأمر لروسيا إذا أرادت مناقشة ردها»، مضيفة أن الولايات المتحدة ستواصل التشاور بشكل وثيق مع حلفائها وشركائها، بما في ذلك أوكرانيا.
زيلينسكي وجونسون
وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء، أن الدعم العسكري والدبلوماسي الغربي لبلاده بلغ أعلى مستوى له منذ ضمّت موسكو شبه جزيرة القرم في 2014. وقال زيلينسكي أمام البرلمان الأوكراني إن «الدعم الذي تحظى به أوكرانيا هو الأكبر منذ 2014. إنه غير مشروط ومتواصل». وكشف أن بلاده ستزيد حجم قواتها المسلحة 100 ألف جندي خلال السنوات الثلاث المقبلة. وأضاف أن اقتصاد أوكرانيا يستقر، كما حثّ المشرعين على البقاء متحدين وعدم إثارة الذعر بشأن تهديد روسيا بشن هجوم عسكري. وعبّر عن أمله في الاتفاق قريباً على موعد جولة أخرى من محادثات السلام مع روسيا وفرنسا وألمانيا.
وجاء كلام زيلينسكي قبل لقاء جمعه برئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي يزور أوكرانيا في إطار جهود دبلوماسية لردع الغزو الروسي المحتمل. وقال جونسون خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس الأوكراني «هناك خطر واضح وماثل، نحن نرى عدداً كبيراً من الجنود يحتشدون، نحن نرى استعدادات لعمليات متجانسة من شتّى الأنواع مع تهديد عسكري وشيك». وكان جونسون قال في تصريحات قبيل وصوله إلى كييف: «نحث روسيا على التراجع والدخول في حوار لإيجاد حل دبلوماسي وتجنب مزيد من إراقة الدماء. من حق كل أوكراني تحديد كيف سيُحكم. باعتبارها صديقة وشريكة ديمقراطية، ستواصل المملكة المتحدة دعم سيادة أوكرانيا في وجه أولئك الذين يسعون إلى تدميرها».
وتعكس زيارة جونسون رغبته في جعل بريطانيا لاعباً في الشأن العالمي، حتى في الوقت الذي يواجه فيه فضيحة سياسية في بلاده بسبب تجمعات في مكاتبه ومقر إقامته في وقت إجراءات الإغلاق المرتبطة بـ«كوفيد 19»، ما قد يطيح به من منصبه.
وقالت بريطانيا، الاثنين، إن أي توغل سيؤدي إلى عقوبات غير مسبوقة ضد من تربطهم صلات وثيقة بالكرملين من الشركات والأفراد في روسيا. وأفاد بيان صادر عن مكتب جونسون بأنه سيناقش مع زيلينسكي ما يمكن أن تقدمه بريطانيا من دعم استراتيجي لأوكرانيا. وكان من المقرر أن تشارك وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس في الرحلة، لكن الاختبارات أثبتت إصابتها بفيروس «كورونا» وهي رهن العزل في المنزل.
وفي روما، دعا رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، الثلاثاء، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في اتصال هاتفي، إلى «خفض التصعيد» في الأزمة الأوكرانية. وأفاد بيان صدر عن الحكومة الإيطالية بأن دراغي شدد «على أهمية الالتزام بخفض تصعيد التوترات نظراً إلى التداعيات الخطيرة التي قد يتسبب بها تفاقم الأزمة».
بوتين وأوربان
وعقد الرئيس بوتين محادثات أمس مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي تبنت دولته العضو في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي نهجاً أقل تشدداً حيال أزمة أوكرانيا.
وقال فلاديمير بوتين بعد الاجتماع إن الولايات المتحدة تريد احتواء بلاده وتستخدم أوكرانيا في سبيل تحقيق ذلك. وأضاف بوتين في مؤتمر صحافي أن الولايات المتحدة قد تجر روسيا إلى حرب بهدف فرض عقوبات على موسكو، وعبر عن أمله في أن يستمر الحوار بشأن أوكرانيا من أجل تجنب «السيناريوهات السلبية» ومنها الحرب، التي قال إنها قد تندلع مع حلف شمال الأطلسي إذا انضمت أوكرانيا إليه ثم حاولت استعادة شبه جزيرة القرم من روسيا بالقوة، وقال: «دعونا نتخيل أن أوكرانيا عضو في حلف شمال الأطلسي وتبدأ هذه العمليات العسكرية. هل من المفترض أن نخوض حرباً مع الحلف؟ هل فكر أحد في ذلك؟ يبدو أنه لا يوجد».
ورأى بوتين أيضاً أن «من الواضح» أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي اختارا «تجاهل» مخاوف روسيا الأمنية بدليل رفضهما الشروط الروسية في إطار المواجهة بشأن أوكرانيا.
وقال: «نحلل الردود الخطية التي تلقيناها من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (…) لكن من الواضح من الآن تجاهل مخاوف روسيا المبدئية».
وفند الرئيس الروسي المطالب الرئيسية لبلاده ومنها وقف سياسة توسع حلف شمال الأطلسي والتعهد بعدم نشر أسلحة هجومية قرب الحدود الروسية وسحب الانتشار العسكري لحلف شمال الأطلسي إلى حدود 1997 أي قبل انضمام دول سابقة من الكتلة السوفياتية إلى الحلف.
وأضاف بوتين: «متجاهلين مخاوفنا، تشير الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي إلى حق كل دولة بأن تختار بحرية طريقة ضمان أمنها»، مشدداً على أن ثمة مبدأً آخر ينص على أنه لا يمكن «لأي شخص أن يعزز أمنه على حساب أمن الآخرين».
ولم يبد بوتين موقفاً في جوهر الجهود الدبلوماسية حول الأزمة بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا، منذ أسابيع عدة، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وكانت وكالة «سبوتنيك» الروسية نقلت قبل ذلك عن أوربان قوله عقب المحادثات مع بوتين في موسكو إن القادة الأوروبيين لا يتطلعون ولا يرغبون بالحرب، وإن جميعهم يؤيدون الحلول السياسية. وتابع: «بالنسبة للأمن، كانت هذه هي القضية الأكثر إثارة، لأن زيارتي اليوم هي أيضاً مهمة سلام. أود أن أؤكد، لا يوجد زعيم واحد في الاتحاد الأوروبي يرغب في الحرب؛ نحن مع الحل السياسي».
وكان وزير الدفاع المجري، تيبور بينكو، أكد في 29 الشهر الماضي أن بودابست لا ترى من المناسب نشر قوات إضافية تابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) على أراضيها، في ظل التوتر الراهن حول أوكرانيا.
وأصدرت أحزاب المعارضة المجرية بياناً مشتركاً نهاية الأسبوع دعت فيه أوربان إلى إلغاء الزيارة، التي اعتبرت أنها «تتعارض مع مصالحنا الوطنية»، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. ولفتت المعارضة المجرية إلى أن أوربان يشجّع، من خلال اللقاء، الرئيس الروسي على «تصعيد الوضع الحالي المتوتر بشكل إضافي».
وذكرت الوكالة الفرنسية أنه من المرجّح أن تقابل زيارة أوربان بعدم ارتياح من قبل حلفاء المجر الأقرب في الاتحاد الأوروبي، ولا سيما بولندا. وبينما وقفت وارسو صفاً واحداً مع بودابست ضد بروكسل في قضايا مثل «سيادة القانون»، فإنها تشعر بالامتعاض من علاقات أوربان بالكرملين.
وتزامناً مع زيارة أوربان إلى موسكو، سيزور حليفه المقرّب رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافسكي كييف للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، المدعوم من الغرب.
وخلال اجتماع للتيارات الأوروبية المحافظة نظّمه اليمين المتشدد الإسباني في مدريد نهاية الأسبوع وحضره مورافسكي أيضاً، أكد أوربان أن أوكرانيا «مسألة مهمة للغاية» بالنسبة لوسط أوروبا. وشدد على أنه يفضّل «السلام وخفض التصعيد»، وفق ما نقل عنه مكتبه. في الأثناء، نأى بنفسه عن ترديد المخاوف السائدة في الاتحاد الأوروبي حيال حشد روسيا قواتها على حدود أوكرانيا.
واتّبعت المجر، التي انضمت إلى الحلف الأطلسي عام 1999 والاتحاد الأوروبي في 2004، نهجاً أكثر مهاودة حيال أوكرانيا، التي تشاطرها حدوداً برية قصيرة.
ولفت وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو إلى أن بودابست تتفاوض على طلب أميركي لنشر قوات حلف شمال الأطلسي في المجر، لكنه وصف التقارير التي أشارت إلى أن عددها قد يصل إلى آلاف الجنود بـ«الأنباء الزائفة». وسبق أن أشار إلى أن المجر عضو مخلص لحلف شمال الأطلسي، ولا ترغب في «حرب باردة جديدة».
وأعلن الرئيس جو بايدن عن خطط لإرسال جنود أميركيين إلى أعضاء الحلف الأطلسي في شرق أوروبا، لكن ليس إلى أوكرانيا نفسها، غير المنضوية في الحلف.
ويحظى أوربان بشعبية واسعة في الداخل رغم أن معارضين يتّهمونه بالفساد وبتحويل المجر إلى دولة استبدادية بشكل متزايد. وتأتي زيارة موسكو قبل شهرين من تنظيم انتخابات غاية في الأهمية في المجر؛ حيث تشير الاستطلاعات إلى أن الفارق ضئيل بين أوربان وتحالف معارض، حسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وباتت بودابست في عهد أوربان، الذي بدأ مسيرته السياسية في حركة في المجر مدافعة عن الديمقراطية ومناهضة للسوفيات، من بين أقرب شركاء روسيا في الاتحاد الأوروبي.
وفي مؤشر على هذا التقارب، كانت المجر أول دولة في الاتحاد الأوروبي توافق على استخدام لقاح «سبوتنيك – في» الروسي ضد فيروس كورونا، علماً بأنه لم يحصل قط على الضوء الأخضر من وكالة الأدوية الأوروبية.
الشرق الاوسط