إسرائيل توسع طبيعة المواجهة مع إيران: الخراب من الداخل

إسرائيل توسع طبيعة المواجهة مع إيران: الخراب من الداخل

بعد أن جرى التركيز لفترة طويلة على إمكانية توجيه إسرائيل لضربة عسكرية ضد المنشآت النووية في إيران يبدو أن تل أبيب قد وسعت استراتيجيتها في مواجهة طهران، حيث يعول رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت على حدوث انفجار اجتماعي في الداخل الإيراني على الأوضاع المتدهورة بدل المجازفة بضربة عسكرية قد تكون عواقبها وخيمة على تل أبيب.

وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت استراتيجية موسعة لمواجهة طهران يبدو أنها تتجاوز الضربة العسكرية المحتملة ضد المنشآت النووية في إيران. وبدا بينيت مسترشدا بالقلق بشأن تداعيات العمل الإسرائيلي الأحادي، والمخاوف المتزايدة في طهران من أن الصعوبات الاقتصادية يمكن أن تؤدي إلى انفجار اجتماعي.

وقال جوناثان ليس الصحافي في هآرتس إن “نهج بينيت الجديد يكمن في اتخاذ إجراءات تدريجية في محاولة لاستنفاد قوة إيران، وإرهاقها وإضعاف الطاقة العنيفة التي ترسلها إلى فروعها في الشرق الأوسط”.

ومن المحتمل أن تكون الاستراتيجية الموسعة متجذرة جزئيا على الأقل في الفكرة القائلة بأن العقوبات الأميركية القاسية عمّقت من مشاكل إيران الاقتصادية، لكنها كانت أيضا نتيجة لسوء الإدارة الاقتصادية الجسيمة والفساد المستشري وتكلفة دعم التدخل الإيراني في سوريا والميليشيات في لبنان والعراق واليمن. وتأمل إيران في أن يؤدي رفع العقوبات الأميركية كجزء من اتفاق في فيينا إلى تخفيف مشاكلها الاقتصادية.

وبدا أن استراتيجية تل أبيب حتى الآن تركز على توجيه ضربة عسكرية محتملة ضد المنشآت النووية الإيرانية التي تستعد لها القوات المسلحة الإسرائيلية.

وشكك محللون عسكريون في مدى فعالية الضربة الإسرائيلية في تدمير القدرة النووية الإيرانية. كما قد تواجه إسرائيل انتقادات دولية شديدة، بما في ذلك من جانب الولايات المتحدة إذا ضربت من جانب واحد بمجرد نجاح محادثات فيينا في إحياء الاتفاق النووي.

وكرر بينيت الشهر الماضي أن إسرائيل لن تكون ملزمة بأي اتفاق نووي مع إيران وستواصل اعتبار نفسها حرة في التصرف “دون قيود” إذا لزم الأمر.

وفي نفس الوقت حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي المشاركين في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي لسنة 2022 من أن “الاستثمار في إيران ليس استثمارا سليما سواء كانت هناك صفقة أم لا (…) إن اقتصادهم يتدهور. كما أن العملة تستمر في الانخفاض. إنهم غير أكفاء إلى درجة أنهم غير قادرين على إيصال المياه إلى الصنابير في مساحات شاسعة من البلاد، على سبيل المثال في منطقة أصفهان”.

وربما تكون فكرة أن ترهق حرب الاستنزاف إيران قد اكتسبت شهرة مع تسريب ملخص من سبع صفحات لاجتماع عقد في نوفمبر. وفي الاجتماع حذر كبار قادة الحرس الثوري من أن المجتمع الإيراني في “حالة انفجار”، على حد تعبير محمدي الذي وُصف بأنه مسؤول في جناح المخابرات بالحرس الثوري.

بينيت وضع استراتيجية لمواجهة إيران تتجاوز ضرب منشآتها النووية، وبدا مسترشدا بالقلق بشأن تداعيات العمل الأحادي

وسُلّط الضوء على خطورة التحذير من خلال حقيقة أن الحرس الثوري “الفريق العامل المعني بمنع حدوث أزمة أمنية متعلقة بسبل العيش” هو الذي عقد الاجتماع.

وجادل محمدي بأن التضخم وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والسيارات وانخفاض أسعار الأسهم قد أدت إلى “زعزعة ثقة الجمهور” في حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي بعد أشهر فقط من توليه السلطة.

ونظم أصحاب الأسهم احتجاجا أمام بورصة إسطنبول الشهر الماضي ضد رئيسي ووصفوه بـ”الكاذب” وهتفوا “الموت لهذه الحكومة المخادعة”.

وقال مستشار قانوني واقتصادي إيراني إن الملايين من صغار المستثمرين تكبدوا في الآونة الأخيرة خسائر فادحة في البورصة الإيرانية.

وأضاف “لقد رأوا أن جزءا كبيرا من مدخراتهم قد تلاشى (…) عندما تجد صاحب المتجر في الزاوية يتحدث عن سوق الأسهم فأنت تعلم أنك في مرحلة متقدمة من الفقاعة. لذا فإن الناس ينقلون الأصول ويشترون العقارات في الخارج”. وأصبح الإيرانيون بذلك من بين أكبر مشتري العقارات السكنية في تركيا المجاورة.

وقال المستشار إن الميزانية التي وضعتها الحكومة الإيرانية للعام المقبل تغذي الاضطرابات. وتزيد الميزانية بشكل كبير من الإنفاق على الحرس والجيش على حساب الإنفاق الاجتماعي. كما أن زيادة رواتب موظفي الحكومة بنسبة 10 في المئة ستنخفض إلى أقل بكثير من معدل التضخم المتفشي في إيران والذي يقدر بنحو 40 في المئة.

ووفقا للوثيقة المسربة، أخبر العقيد كافياني اجتماع الحرس الثوري أن التضخم الحقيقي يتراوح بين 86 و268 في المئة.

واقترح بعض المسؤولين الإيرانيين أن سلسلة الهجمات الإلكترونية الأخيرة التي استهدفت شركات الطيران والسكك الحديدية ومحطات الوقود والجامعات ومحطات البث الحكومية الإيرانية هي جزء من مساع إسرائيلية لاستغلال الاستياء واسع النطاق وتغذيته.

وقال آخرون إن إسرائيل قد لا تكون هي المسؤولة عن الهجوم على الإذاعة والتلفزيون الإيراني الذي تديره الدولة، بل محاولة من المتشددين الإيرانيين لتقويض موقف المدير العام للإذاعة بيمان جبلي الذي يتهمونه بأنه غير محافظ بما فيه الكفاية. وفي كلتا الحالتين فإن الهجوم والحوادث الإلكترونية الأخرى المحتملة ستخدم غرض إسرائيل حتى لو لم تكن هي المسؤولة عنها بشكل مباشر.

وقال المحللون إن الهجمات تشكل توسعا في استهداف إسرائيل للمواقع العسكرية والنووية الإيرانية نحو حرب إلكترونية أكثر شمولا على البنية التحتية المدنية بالإضافة إلى تصعيد حرب المعلومات.

وفي ما يبدو ردّا، عملت مجموعة إلكترونية يديرها حزب الله، الميليشيا التي تدعمها إيران في لبنان، على اختراق شركات في إسرائيل وفلسطين والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن ومصر والولايات المتحدة وبريطانيا، وفقا لشركة الأمن السيبراني كلير سكاي. كما يُعتقد أن إيران استهدفت شبكة المياه الإسرائيلية ومستشفى وموقع مواعدة لمثليي الجنس والمتحولين جنسيا.

وقال ميسم بهرافيش مستشار السياسة الخارجية السابق في وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية “نظرا إلى انتشار منشآت إيران النووية في جميع أنحاء البلاد أصبحت مهاجمة البرنامج أكثر تعقيدا، فقد تبنت إسرائيل نهجا جديدا يتمثل في شن هجمات إلكترونية ضخمة (…) لإثارة أعمال شغب على مستوى البلاد بهدف الإطاحة بالنظام أو إبقاء الحكام مشغولين بأعمال شغب يومية لا نهاية لها”.

وجادل بهرافيش بأن الهجمات الإلكترونية ليست بديلاعن هجوم إسرائيلي ولكنها لكسب الوقت قبل الضربة.

وقال “هذا التغيير في خطة الإسرائيليين لضرب أهداف مدنية هو مرحلة ما قبل الضربة، مما يعني أنهم يمنحون هذه الفرصة الأخيرة قبل اللجوء إلى عملية عسكرية واسعة النطاق ضد المنشآت النووية الإيرانية”.

وفي تصعيد واضح لحرب المعلومات، كشفت “بي.بي.سي” الأسبوع الماضي عن شبكة إيرانية مشتبه بها على فيسبوك تستهدف اليهود القوميين والمتدينين في محاولة لإذكاء الانقسام وتأجيج التوترات مع الفلسطينيين.

وحاولت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بشكل منفصل في الماضي، ودون جدوى، إثارة اضطرابات واسعة النطاق في إيران من خلال دعم الجماعات العرقية المنشقة.

وفي العام الماضي أيدت محكمة دنماركية حكما بالسجن سبع سنوات على مواطن نرويجي من أصل إيراني بتهمة التجسس والتعاون في مؤامرة فاشلة لقتل أحد العرب الإيرانيين الذي حُكم عليه الأسبوع الماضي.

لكن الفكرة القائلة بأن الحرب السيبرانية المتصاعدة يمكن أن تمتد إلى ما وراء إسرائيل وإيران كما فعلت على ما يبدو مع هجمات حزب الله على الشركات في جميع أنحاء المنطقة وخارجها كانت مجرد سبب واحد للسلطات في العديد من البلدان لتكثيف التدريبات المشتركة التي تركز على الهجمات الإلكترونية من مجموعة متنوعة من الدول والكيانات الراعية والإجرامية، وإيران واحدة منها وليست بالضرورة أهمها.

ونظمت شعبة الدفاع الإلكتروني المشتركة الإسرائيلية والقيادة الإلكترونية الأميريكة تدريباتهما المشتركة السادسة خلال سنة واحدة في ديسمبر. وقادت إسرائيل محاكاة من 10 دول لهجوم إلكتروني كبير على النظام المالي العالمي في نفس الوقت تقريبا.

وكان من بين المشاركين مسؤولو خزينة من إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات العربية المتحدة والنمسا وسويسرا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتايلاند، بالإضافة إلى ممثلين عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التسويات الدولية.

وقال إيغال أونا رئيس المديرية الوطنية للإنترنت في إسرائيل “في النهاية نعرف كل من يقف وراء أي هجوم، ونتذكر، ويمكننا أن نردّ حتى (…) لا نشعر لثانية واحدة أننا لا نملك اليد العليا”.

العرب