الإعفاءات الأمريكية والتوجهات الايرانية

الإعفاءات الأمريكية والتوجهات الايرانية

جاء إعلان الخارجية الأمريكية عن إعادة الرئيس جو بايدن العمل باعفاءات العقوبات المفروضة على ايران والتي الغاها الرئيس ترامب ليشكل منعطفا جديدا في سير المفاوضات الجارية في العاصمة النمساوية فيينا ويلقي بظلاله على الآفاق المستقبلية للجولة القادمة للمباحثات التي ستجري خلال هذه الأيام وتباين المواقف السياسية الصادرة عن النظام الإيراني الذي لم يرى فيها تقدما واضحا واراد أن تثبت الإدارة الأمريكية حقيقة موقفها بالرفع الكامل للعقوبات الاقتصادية وهذا ما أكده حديث وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان بتاريخ ٥ شباط ٢٠٢٢ عندما أشار إلى( أن على واشنطن تقديم ضمانات لإحياء اتفاق ٢٠١٥ النووي وابلغنا واشنطن عبر وسطاء أن عليها أن تثبت حسن نيتها بشكل علني ) ، وتصاعدت حدة المواقف الإيرانية التي يفترض أن تتسم بالمرونة والتقبل الميداني لقرارات الإدارة الأمريكي والتعامل بشكل موقعي مع قرارات تخفيض العقوبات ولكن طبيعة بعض ساسة النظام الإيراني تجعل من تصريحاتهم امتدادا لسياسة التعنت وإظهار القوة كما جاء بتصريح علي شمخاني رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بقوله ( ان لطهران الحق في مواصلة الأبحاث النووية والتطويرية وان هذا الأمر لا يمكن أن يقيده أي اتفاق ، وأن إيران وواشنطن لا تزالان بعيدتين عن تحقيق التوازن الضروري في نزاعهما ) وهذا ما يشكل حرجا دبلوماسيا وعبئا سياسيا وقلقا اقتصاديا لدى حلفاء إيران من الاوربين والمشاركين في جولات الحوار غير المباشر بين الطرفين الأمريكي والإيراني وصولا إلى قرار سياسي يحدد ميديات الاتفاق القادم الذي يرضي الجميع خاصة وأن طبيعة الإعفاء الأمريكي الجديد يعني عودة الشركات الصينية والروسية والأوربية لتنفيذ نشاطات وعمليات لا تتعلق بالانتشار النووي في المواقع النووية الإيرانية وتساهم حسب الرؤية الأمريكية إلى السماح بإجراء مباحثات فنية تفضي للعودة إلى اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة وهي دعوة لإيقاف النشاطات النووية والتخلص من المخزونات والأنشطة وان ذلك لا يشكل تنازلا امريكيا للنظام الإيراني.
أعطى القرار الأمريكي صورة واضحة ودقيقة لطبيعة التباين السياسي داخل إيران وكشف حالة من الاختلاف والصراع بين الكتل والتيارات الحاكمة فمنها من رأى فيها مصلحة لإيران وعلى القيادة الإيرانية التعامل معها بجدية خاصة وأن هذا الرأي جاء من تيار المحافظين المعروف بتشدده ولكن أصبح صوته الآن أكثر حرصا من باقي التيارات لإنجاح المفاوضات عندما بين أن هذا التطور الأمريكي يشكل مصلحة وطنية قومية ومصيرية داخلية من المفترض أن تسمح إيران لتوظيفها بإرسال رسائل اطمئنان لدول المنطقة عبر تسويات قادمة وتعاون في كافة المجالات وخاصة الشؤون الأمنية وهي إشارة لرؤية النظام وتنفيذها لتوجهات الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي بالانفتاح على الدول الخليجية خاصة المملكة العربية السعودية مع الإعلان عن بدأ الجولة الخامسة للحوار بين الرياض وطهران في العاصمة العراقية بغداد، وهذا يعطي انطباعا ميدانيا لرؤية المحافظين حول التعامل القادم مع إدارة الرئيس بايدن بعد أن منح المرشد الأعلى علي خامنئي غطاءا شرعيا لتوجيه سياسي للوفد الإيراني المفاوض بالتقدم نحو تحقيق المصلحة الوطنية القومية ومناقشة الأراء الأمريكية للوصول إلى اتفاق برفع العقوبات الاقتصادية بعد أن شعرت القيادة الإيرانية بالأزمة السياسية والاجتماعية التي تعانيها نتيجة الغليان الشعبي الذي يحتاج الشارع الإيراني والتدني الكبير في ظروف الحالة المعاشية لأبناء الشعوب الإيرانية وتصاعد حدة الاحتجاجات الجماهيرية والمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية.
تبقى الرؤية الإيرانية قائمة حول مطالبتها بعدم تجزئة رفع العقوبات وتقديم واشنطن تعهدا بعدم الانسحاب من أي اتفاق قادم وهذا ما لم توافق عليه الخارجية الأمريكية وتعتبر ان هذا الشرط يتعارض مع بعض الآراء القائمة في الأوساط السياسية الأمريكية التي تشعر أن إدارة الرئيس بايدن قد قدمت العديد من التنازلات للنظام الإيراني وأنها لا زالت تستخدم أسلوب المرونة والسياسة الناعمة في مواجهة استفزازات الوفد الإيراني المفاوض وهذا ما دعى رئيس المفاوضين علي باقري بتاريخ الأول من شباط ٢٠٢٢ لحضور جلسة لجنة الأمن والسياسية الخارجية في البرلمان الإيراني الخاصة بوضع اللمسات الأخيرة للمفاوضات في العاصمة النمساوية فيينا وتحدث قائلا( أن أكبر مشكلة هي ضمان أن لا تنسحب أمريكا من الاتفاق مرة أخرى ولكنها وافقت على رفع جزئي للعقوبات ) .
شكل التوجه الأمريكي إجراءات سياسيا ميدانيا للعديد من الأطراف المتحاورة للوصول إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني والاستعداد لرفع العقوبات فقد وجهت السلطات الايرانية بفتح قنصلية صينية في بندر عباس وهو من أهم الموانئ الاقتصادية في إيران وتعبر أول قنصلية واول تنفيذ للاتفاق الاستراتيجي بين طهران وبكين الموقع في شهر آذار ٢٠٢١ مع التوجه شرقا لتنشيط عملية التخادم مع الصين في مبادرة الحزم والطريق وتسهيل الاستثمار الصيني في مجالات النفط والغاز ، وفتح آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري مع روسيا ودول آسيا الوسطى وإعادة الدور الإقليمي الإيراني وهذا ما أدى إلى إعطاء توجه للوفد الإيراني بالابتعاد عن المماطلة والتسويف وإضاعة الوقت التي كانت إحدى سمات جولات الحوار التي اعتمدها الايرانيون تمهيدا لرفع العقوبات المالية والتغطية واستمرار أنشطتهم النووية ، وهو موقف رسمي ايراني يأتي تجاوبا مع المتطلبات الداخلية وينهي حالة الاختلاف في أروقة النظام الإيراني بعد أن منح المرشد خامنئي الضوء الأخضر للوفد المتواجد في فيينا .
ان القرار الأمريكي يتماشى وسياسة إدارة بايدن في الابتعاد عن مناطق التأثير الأقل حيوية والاتجاه نحو منطقتي المحبط الهادئ والهندي وآسيا الوسطى بعد الانسحاب الأخير من أفغانستان ولمواجهة الأهداف والتوجهات الإستراتيجية للصين وروسيا في هذه المناطق الحيوية من العالم والبحث عن منجز سياسي يدعم توجهات الرئيس بايدن الذي تعهد بها للشعب الأمريكي في برنامجه الانتخابي ومنها إيقاف نشاطات إيران النووية وتوقيع اتفاق مشترك جديد خاصة وأن شعبية بايدن تدنت إلى ٣٠% قبل أسبوعين ويسعى إلى تحقيق إنجاز في توقيع الاتفاق النووي مع إيران وتعزيز موقع حزبه الديمقراطي في الانتخابات القادمة لمجلس النواب والكونغرس ، وهي أيضا فرصة للنظام الإيراني لتحقيق مكسب وانجاز اقتصادي كبير يتمثل في رفع العقوبات الاقتصادية واثبات الرؤية السياسية الإيرانية التي اتبعتها في جولات المفاوضات وسيشكل الاتفاق القادم محصلة نهائية لطبيعة السياسة القائمة بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران التي اتسمت بالتخادم وحماية المصالح في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
وحدة الدراسات الايرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية