القاهرة- بمعدلات وُصفت بالتاريخية، أعلنت الحكومة المصرية عن تحقيق ارتفاع كبير في إجمالي صادرات البلاد لعام 2021، حيث بلغت نحو 45.2 مليار دولار، في حين أنها لم تتجاوز 32.6 مليار دولار عام 2020.
وصرح رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحفي، أن الصادرات السلعية استحوذت على 71.5% من إجمالي الصادرات، في حين اشتمل بند الصادرات النفطية على 28.5%.
وأوضح مدبولي أن خطة زيادة الصادرات جرت في إطار تحقيق توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن تتجاوز قيمة الصادرات 100 مليار دولار، خلال مدى زمني قصير.
وظل العام المالي 2010-2011 هو الأعلى على صعيد الصادرات، حيث بلغت قيمتها حوالي 36.7 مليار دولار، وبعد نحو 10 أعوام حُطم الرقم القياسي بما يزيد على 8 مليارات دولار.
تنوع الصادرات
أهم ما اتسمت به الصادرات المصرية خلال العام المنصرم هو التنوع؛ فتعددت القطاعات المتجهة ناحية التصدير إلى جانب التوسع فيما يخص الأسواق المستهدفة.
وبلغت الصادرات المصرية السلعية غير النفطية نحو 32 مليارا و128 مليون دولار مقابل 25 مليارا و427 مليون دولار خلال عام 2020 بنسبة زيادة بلغت 26%، وهو المستوى الأعلى في تاريخ مصر، حسب تصريح وزيرة التجارة والصناعة، نيفين جامع.
وبيّن تقرير الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، نشرته صحيفة الأهرام، أكبر الأسواق المستقبلة للصادرات المصرية خلال عام 2021، وتضمن الولايات المتحدة بقيمة مليارين و446 مليون دولار، والمملكة العربية السعودية بقيمة مليار و995 مليون دولار، وتركيا بقيمة مليار و975 مليون دولار، وإيطاليا بقيمة مليار و852 مليون دولار.
وحقق 13 قطاعا تصديريا زيادة ملموسة خلال عام 2021، مثل الجلود والسلع الهندسية والإلكترونية والأسمدة والملابس الجاهزة والصناعات الغذائية والأثاث والحاصلات الزراعية ومواد البناء والمنسوجات.
كما ارتفعت الصادرات النفطية بنسبة 84.28% لتصل إلى 12.9 مليار دولار، مقابل 7 مليارات دولار خلال عام 2020.
وقال وزير البترول والثروة المعدنية المصري، طارق الملا، في تصريحات لوكالة رويترز، إن صادرات مصر من الغاز الطبيعي والمسال قفزت خلال العام الماضي بنسبة 550% لتصل إلى 3.9 مليارات دولار، مقابل 600 مليون دولار خلال عام 2020.
كما ارتفعت صادرات المنتجات النفطية والبتروكيماوية خلال 2021 بنسبة 42.5%، لتصل إلى 5.7 مليارات دولار مقابل 4 مليارات خلال 2020.
سبب القفزة التصديرية
من جانبها، شرحت وزيرة التجارة والصناعة، نيفين جامع، أسباب القفزة التصديرية وعلى رأسها حزمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة على مدار السنوات الأخيرة.
وتضمنت الإجراءات الحكومية إعادة تشكيل المجلس الأعلى للتصدير برئاسة رئيس الجمهورية، وإقرار البرنامج الجديد لمساندة الصادرات ورد الأعباء، وسداد المستحقات التصديرية المتأخرة لدى صندوق تنمية الصادرات.
وأكدت جامع -خلال تصريحات متلفزة- صرف مبالغ المساندة التصديرية بالكامل للمصدرين، والتي كانت عبارة عن مستحقات متأخرة منذ عدة سنوات، من خلال برنامج زمني محدد.
وأضافت أن حصول المصدرين على تلك المبالغ وفر لهم السيولة اللازمة لعمليات التصدير وفتح أسواق جديدة، مشيرة إلى دعم الحكومة لأي شركة تفتح أسواقا جديدة حيث تتحمل جزءا من تكاليف الشحن.
واستطردت “في السابق كانت الحكومة تتحمل 50% من تكلفة الشحن لدول أفريقيا ولكن الآن أصبحت تتحمل 80% من التكلفة”، لافتة إلى منح ميزات تفضيلية للشركات التي تستهدف أسواق جديدة عن نظيرتها الاعتيادية.
ووصلت الصادرات الهندسية إلى معدل تاريخي، وفي ذلك طرح رئيس المجلس التصديري للصناعات الهندسية، شريف الصياد، أسبابا تختلف عن تلك التي دفعت بها وزيرة التجارة والصناعة حيث عزى الزيادة في التصدير إلى تغيرات خارجية.
وارتفعت صادرات مصر الهندسية بنسبة 45% خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2021 لتسجل قيمة بلغت 3.002 مليار وهو أعلى معدل في تاريخ القطاع، مقابل 2.073 مليار دولار بنفس الفترة عام 2020.
وقال الصياد، في تصريح صحفي، إن الطلب الخارجي قد ازداد على المنتج المصري نتيجة الزيادة الكبيرة في تكاليف الشحن من الصين إضافة إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق المنافسة.
وتوقع الصياد أن يؤدي خفض تكاليف الإنتاج في مصر إلى مواصلة الصادرات قفزتها لمستويات غير مسبوقة.
سياسة اقتصادية
من جانبها، ترى مديرة المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، هدى الملاح، أن الحكومة المصرية اتبعت سياسة اقتصادية ناجحة، خلال السنوات السبع الأخيرة، تضمنت الاهتمام بإقامة مشروعات قومية ضخمة، بالتوازي مع دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مما ساعد في تحقيق معدلات نمو مرتفعة، رغم ظروف انتشار جائحة “كورونا”.
رفع صندوق النقد الدولي تقديراته لنمو الاقتصاد المصري إلى 5.6% خلال العام المالي 2021-2022، بدلا من 5.2%، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وأكدت الملاح، في تصريح صحفي، أن قطاع الصادرات يستطيع وحده تحقيق أضعاف الإيرادات التى تحققها قناة السويس وقطاع السياحة.
وخلال العام الماضي، تجاوزت إيرادات قطاع السياحة 13 مليار دولار، في حين حققت قناة السويس نحو 6 مليارات دولار.
وقالت الخبيرة الاقتصادية إن مؤسسات الدولة تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق هدف بلوغ الصادرات لنحو 100 مليار دولار، عبر تشجيع القطاعات الصناعية والإنتاجية، ومساعدة المنتج المحلي بفرض جمارك على البضائع المستوردة.
وأشارت إلى الاهتمام مؤخرا بالمحاصيل الإستراتيجية التي تدخل في عمليات التصنيع، مثل القطن والنباتات العطرية، وهو ما يكون له أثر إيجابي على معدلات التصدير.
وتصدر مصر نحو 255 سلعة من الحاصلات الزراعية لنحو 150 دولة، وتعد الأولى عالميا في تصدير الموالح والفراولة المجمدة.
حال الواردات
مع حالة الاحتفاء بزيادة الصادرات من جانب المسؤولين الحكوميين والإعلاميين المقربين للسلطة، ثمة تجاهل لحال الواردات التي تدخل البلاد والتي تتعدى معدلاتها ما يتم تصديره إلى الخارج.
وكشف تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن قيمة الواردات المصرية خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني حتى سبتمبر/أيلول 2021، حيث بلغ إجمالي الواردات نحو 61 مليار دولار مقابل 52.4 مليار دولار خلال الفترة نفسها لعام 2020، بنسبة ارتفاع قدرها 16%.
وذكر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أهم السلع التي استوردتها مصر خلال يناير/ كانون الثاني حتى سبتمبر/أيلول 2021 مقابل الفترة نفسها عام 2020، وجاء في الصدارة الوقود والزيوت المعدنية ومنتجات تقطيرها بقيمة بلغت 7.8 مليارات دولار، تلتها الآلات والأجهزة الكهربائية وأجزاؤها بنحو 4.6 مليارات دولار.
واقع مغاير
ومن جانبه، لم يجد أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية، الدكتور مصطفى شاهين، أي تفسير علمي لأرقام الصادرات التي تعلنها الحكومة المصرية.
وأضاف، في تصريح للجزيرة نت، أن زيادة صادرات مصر خلال العام الماضي لأكثر من 45 مليار دولار مقابل نحو 32 مليار دولار عن العام الذي يسبقه تشير إلى طفرة تصديرية تصل لنحو 12 مليار دولار، وهو ما يعني أن الوضع الاقتصادي في حالة ممتازة وثمة فائض في العملة الصعبة.
واستطرد “لكن الواقع يقول إن الاقتصاد المصري لا يعيش حالة ممتازة بل إن هناك تقارير تتحدث عن وجود نقص في السيولة البنكية”، لافتا إلى الفجوة بين التصريحات الحكومية حول تحسن مؤشرات التصدير ومن ثم الوضع الاقتصادي، وما يعانيه المواطن المصري على أرض الواقع.
ووصلت معدلات الفقر بين المصريين خلال عامي 2019-2020 لنحو 29.7%، وفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
وأوضح أستاذ الاقتصاد استحالة حدوث قفزة مفاجأة في نسب التصدير بتلك الأرقام التي تعلن عنها الحكومة، مشيرا إلى أن اتباع أي سياسات من شأنها زيادة التصدير كالتي يعلنها المسؤولون تؤدي إلى تدرج في الارتفاع وليس طفرة بهذا الشكل.
المصدر : الجزيرة