على الرغم من إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 3 فبراير الجاري، عن مقتل زعيم تنظيم “داعش” أبي إبراهيم الهاشمي القرشي، إلا أنه لم يصدر بشكل رسمي عن التنظيم أى تأكيد أو نفى لعملية تصفية القرشي، سواء على مستوى المتحدث الرسمي باسم التنظيم أبي حمزة الهاشمي القرشي، أو عبر صحيفة “النبأ” “الداعشية” التي تصدر أسبوعياً. فقد خرج العدد الأخير من الصحيفة (324) مساء يوم مقتل القرشي الخميس 3 فبراير الجاري، بدون الإشارة بشكل مباشر إلى الخبر، بل استمرت المنصات الإعلامية للتنظيم في بث المواد الخاصة بالعمليات الإرهابية التي يقوم بها التنظيم في بعض الدول بنفس معدلات النشر اليومية سواء عبر القنوات المغلقة الخاصة بالتنظيم على “التلجرام” أو من خلال مواقع التنظيم على “الدارك ويب”، وهو ما يطرح تساؤلات حول رد فعل التنظيم على مقتل زعيمه مقارنة برد الفعل السابق على مقتل أبي بكر البغدادي.
غموض أم تجاهل؟
استغرق إعلان تنظيم “داعش” رسمياً عن مقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي- الذي قتل في عملية عسكرية شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في 27 أكتوبر 2019- أربعة أيام، حيث تم الإعلان عبر المتحدث الرسمي الجديد أبي حمزة القرشي في 31 من الشهر نفسه، عن مقتل البغدادي والمتحدث الرسمي السابق أبي الحسن المهاجر، وقد تم تفسير ذلك في ضوء عاملين: أولهما، مقتل المتحدث الرسمي للتنظيم أبي الحسن المهاجر بالتزامن مع تصفية البغدادي. وثانيهما، اختيار متحدث رسمي جديد يعلن عن خبر قتل البغدادي واسم زعيم التنظيم الجديد.
وقد شهدت الفترة ما بين مقتل البغدادي وإعلان اسم زعيم التنظيم الجديد أبي إبراهيم القرشي حالة من الارتباك في بنية التنظيم ظهرت على كافة المستويات الإعلامية ونشاط أفرع التنظيم المختلفة، وبدت جلية في توقف العمليات الإرهابية للتنظيم في كل من سوريا والعراق، مع محاولات بعض العناصر “الداعشية” نفى خبر مقتل البغدادي حتى تم الإعلان الرسمي من قبل التنظيم عن ذلك في 31 أكتوبر 2019.
ولكن من الملاحظ حدوث تغيير في رد فعل التنظيم إزاء مقتل القرشي مقارنة برد الفعل تجاه البغدادي، على نحو يمكن ملاحظته من خلال متابعة نشاط أفرع التنظيم المختلفة في بعض دول العالم خلال الأيام الثلاثة الماضية التي أعقبت مقتل القرشي والتي تطرح دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- استمرار العمليات الإرهابية لأفرع التنظيم المختلفة: منذ أن تم الإعلان عن مقتل القرشي، وعلى مدار الأيام الثلاثة الماضية، تمكن تنظيم “داعش” من تنفيذ 12 عملية إرهابية شملت بعض أفرع التنظيم داخل عدد من دول الإقليم، حيث أعلن التنظيم عن تنفيذ 5 عمليات إرهابية عبر فرعه في غرب أفريقيا شملت دولتى نيجيريا والنيجر، بالإضافة إلى ثلاث عمليات إرهابية نفذها التنظيم عبر فرعه في وسط أفريقيا شملت دولتى الكونغو وموزمبيق، وعمليتين إرهابيتين نفذهما التنظيم في أفغانستان- عبر فرعه “تنظيم خراسان”- إلى جانب عملية إرهابية في العراق، وأخرى في سوريا ضد ميليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي كان لافتاً أنها أعلنت أنها قدمت معلومات استخباراتية ساهمت في تنفيذ عملية تصفية القرشي على نحو دفع الرئيس جو بايدن إلى الثناء على التعاون بين الطرفين، حيث أسفرت مجمل تلك العمليات الإرهابية التي وقعت بالدول السبع عن مقتل وإصابة ما يقرب من 57 شخصاً.
2- الإصرار على تبني استراتيجية اقتحام السجون: نفَّذ تنظيم “داعش” عملية إرهابية يوم الجمعة 4 فبراير الجاري ضد أحد السجون ببلدة “نوبيلي” بدولة الكونغو بالقرب من الحدود الأوغندية، وتم تهريب 20 عنصر تابع له، وهو ما يمثل استمراراً للاستراتيجية التي اعتمدها التنظيم خلال المرحلة الماضية وكان آخر تجلياتها الهجوم الإرهابي على سجن الصناعة بمدينة غويران بالحسكة شمال شرق سوريا، في نهاية شهر يناير الفائت.
3- استمرار نشاط الآلة الإعلامية لـ”داعش”: خلال الأيام الماضية، استمرت المنصات الإعلامية للتنظيم في نشر المواد الخاص بأفرعه المختلفة، مع نشر العدد الأسبوعي من صحيفة “النبأ”، مساء يوم الخميس، وهى الإصدار الأسبوعي الناطق بالعربية لـ”داعش”، بجانب النشاط الذي تقوم به بعض المنصات غير الرسمية للتنظيم على موقع “الدارك ويب” عبر إعادة بث مقتطفات لكلمات منسوبة لأبي مصعب الزرقاوي وأبي بكر البغدادي والمتحدث الرسمي الحالي للتنظيم أبي حمزة القرشي، إلى جانب إعادة بث مقتطفات من السير ذاتية لقيادات “داعشية” قتلت خلال السنوات الماضية.
وعلى الرغم من انتهاء العملية الإرهابية لتنظيم “داعش” بالهجوم علي سجن الصناعة بمدينة غويران بالحسكة منذ ما يقرب من أسبوع، إلا أن التنظيم قام بإعادة بث صور حول العملية عبر منصاته الإعلامية المختلفة بشكل مكثف في أعقاب الإعلان الأمريكي عن مقتل القرشي، وهو ما يبدو أنه إشارة من جانب التنظيم تفيد استمرار عملياته رغم الضربات القوية التي تعرض لها في الفترة الماضية.
4- تداول خبر القتل على المنصات غير الرسمية للتنظيم:كان لافتاً أن العديد من العناصر “الداعشية” والمتابعة لنشاط التنظيم تعاملت مع مقتل القرشي عبر إعادة نشر بعض أجزاء من كلمات المتحدث الرسمي الأسبق للتنظيم أبي محمد العدناني، حول استمرارية نشاطه، على عكس ما جرى عقب مقتل البغدادي، حيث تم التركيز على نفى الخبر حتى تم الإعلان الرسمي عنه.
5- توجيه رسائل غير مباشرة حول مقتل القرشي: أشار تنظيم “داعش” إلى مقتل القرشي، بشكل غير مباشر، عبر العدد الأسبوعي لصحيفة “النبأ” الذي نشر مساء يوم الخميس 3 فبراير الجاري، حيث تضمن الإصدار “انفوجرافيك” بعنوان “ماضي جهاد المؤمنين”، تحدث فيه التنظيم عن استمرار العمليات الإرهابية التي يقوم بتنفيذها، مؤكداً على أن “موت العنصر الداعشي يعتبر أعلى درجات الإيمان”، بجانب إضافة قسم بالصحيفة بعنوان “من أقوال علماء الملة” نشرت فيه فتوى لابن تيمية حول “الموت أثناء القتال”، وهو ما يمكن اعتباره محاولة من جانب التنظيم للتمهيد للإعلان رسمياً عن مقتل القرشي.
في المجمل، تعامل تنظيم “داعش” مع مقتل زعيمه أبي إبراهيم الهاشمي القرشي وفق نهج أقرب إلى التجاهل، على عكس ما حدث مع مقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي الذي فرض تداعيات عديدة على التنظيم، سواء على مستوى بنيته الداخلية وموقع بعض الأفرع داخلها، أو على مستوى الاستراتيجية التي يتبعها التنظيم وتكتيكاته القتالية ونشاطه الإعلامي.
أحمد كامل البحيري
مركز الأهرام