دمشق – تبنى الدروز في سوريا على مدى السنوات الأولى من عمر الأزمة، موقفا يميل نسبيا إلى نظام الرئيس بشار الأسد، لكن دون أن تكون لهم مساهمة أو انخراط عملي في الصراع، كما هو الشأن بالنسبة إلى معظم الأقليات في هذا البلد، وهذا يعود إلى طبيعة هذه المجموعات المنغلقة على ذاتها، في ظل هواجس البقاء التي تسكنها.
ومع طول أمد الأزمة وتداعياتها المكلفة اقتصاديا، بدأ يبرز تململ داخل هذه الطائفة التي وجدت نفسها تعاني كما باقي السوريين من أزمة معيشية لا أفق لحلها، مع تشديد النظام لقبضته الأمنية في مواجهة أيّ حراك.
وقد سجلت في السنتين الماضيتين تحركات احتجاجية للدروز لاسيما في محافظة السويداء، في محاولة لإيصال أصواتهم إلى النظام بأن الوضع لم يعد قابلا للاستمرار، وأن عليه اتخاذ إجراءات عملية لوقف حالة الاستنزاف الاقتصادي التي باتت تهدد رغيف عيشهم، لكن النتيجة كانت ملاحقة تلك الأصوات والتنكيل بها.
وإزاء القمع الأمني اضطر الدروز إلى الخضوع، لكن القرار الذي اتخذه النظام مؤخرا ويتمثل في رفع الدعم، شكل بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس لتتأجج الاحتجاجات مجددا في محافظة السويداء، وسط ترجيحات بإمكانية تمددها لتشمل باقي مناطق سيطرة النظام.
ويذهب نشطاء من الدروز إلى اعتبار أن هناك مخططا يقوم على تجويعهم بغرض تهجيرهم، خاصة وأن دروز السويداء وإن كانوا تجنبوا أيّ احتكاك بالنظام، وبدا موقف الغالبية منهم مساندا له إلا أنهم عمليا لم يتحركوا لنصرته.
الاحتجاجات المتصاعدة في السويداء تشكل تحديا للنظام السوري في ظل إمكانية تمددها لتشمل باقي مناطق سيطرته
وخرجت مسيرات متفرقة هذا الأسبوع في القرى المحيطة بالمحافظة الواقعة في جنوب غرب البلاد، حيث أغلق محتجون الطرق واحتشد العشرات في الساحة الرئيسية بالمدينة للمطالبة بإلغاء تخفيضات الدعم التي أعقبت زيادة في أسعار البنزين في الأشهر الأخيرة.
واتخذت الاحتجاجات بعدا سياسيا حيث رفع عدد من المتظاهرين لافتات تطالب برحيل الأسد. وقال حامد معروف أحد المتظاهرين الذين انضموا إلى الاحتجاجات منذ انطلاقها الخميس الماضي “انطلقنا من وجع أهلنا وراح يبقى الحراك السلمي لنحقق مطالبنا”.
وتبرّر الحكومة التخفيضات في برنامج الدعم الذي كان سخيا في السابق بالسعي لتخفيف العبء عن الموارد المالية للدولة المتضررة من العقوبات، وأنها لن تمس سوى الأغنياء.
لكن العديد من المتظاهرين يقولون إن هذه الخطوة أدت إلى تفاقم محنة المواطنين السوريين الذين نجوا من ويلات حرب مدمرة مستمرة منذ أكثر من عشر سنوات ويعانون الآن من أجل توفير الغذاء والإمدادات الأساسية في مواجهة استشراء التضخم وتآكل الأجور.
ويلقي السكان باللوم، في السخط المتزايد بين أولئك الذين وقفوا إلى جانب الرئيس بشار الأسد خلال الصراع، على تفشي الفساد وتفاقم أوجه عدم المساواة.
وظلت السويداء تحت سيطرة الحكومة خلال الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف وشرد الملايين. وقال شهود إن المئات من أفراد الأمن شوهدوا وهم يصلون في حافلات من دمشق فيما حث النشطاء الناس على النزول إلى الشوارع والاعتصام.
وهتف المتظاهرون “بدنا نعيش بكرامة” وحمل بعضهم لافتات كتب عليها “ما ظل شيء للفقير” ولوّحوا بعلم الطائفة الدرزية.
ولم تأت وسائل الإعلام الحكومية على ذكر أيّ احتجاجات، في حين كتبت المستشارة الرئاسية البارزة بثينة شعبان في صحيفة رئيسية مملوكة للدولة الاثنين الماضي أن الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية التي اندلعت عام 2011، وسحقتها قوات الأمن وتطورت إلى الصراع المستمر منذ أكثر من عشر سنوات، كانت بإيحاء من الخارج لتدمير البلاد.
وفي موقف لافت أعلن شيوخ الطائفة الدرزية أن الاحتجاجات السلمية ضد الإجراءات الحكومية المجحفة لها ما يبررها.
تحركات احتجاجية للدروز هي محاولة لإيصال أصواتهم إلى النظام بأن الوضع لم يعد قابلا للاستمرار
ويرى المراقبون أن الاحتجاجات المتصاعدة في السويداء تشكل تحديا حقيقيا بالنسبة إلى نظام الرئيس بشار الأسد، ليس فقط لجهة إمكانية تمددها لتشمل باقي الأنحاء الواقعة تحت قبضته، بل ولأنها قد تقود إلى مطالبة هذه الطائفة بحكم ذاتي، كما حصل مع الأكراد، وإن كانت الظروف وحتى الناحية الجغرافية لا تخدمها.
ويبلغ تعداد الدروز في سوريا نحو 700 ألف نسمة، كانوا يشكلون نحو ثلاثة في المئة فقط من إجمالي عدد السكان البالغ 23 مليونا قبل اندلاع النزاع الذي أدى إلى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
وتشكل محافظة السويداء المعقل الرئيسي لدروز سوريا الموجودين كذلك في محافظة القنيطرة المجاورة، وفي جبل حرمون الممتد بين لبنان وسوريا، فضلا عن مناطق في الضاحية الجنوبية لدمشق أبرزها جرمانا وصحنايا. كما يتواجدون في عدد من القرى في محافظة إدلب (شمال غرب). ونزح جزء كبير منهم من المحافظة مع سيطرة الفصائل الإسلامية والجهاديين عليها.
العرب