الأرض تتحرك ثانية في الشرق الأوسط: أردوغان المُرهق يتقرب من إسرائيل

الأرض تتحرك ثانية في الشرق الأوسط: أردوغان المُرهق يتقرب من إسرائيل

يُسابق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الزمن من أجل إصلاح علاقات بلاده مع إسرائيل مدفوعا بالأزمة الخانقة التي يعرفها الاقتصاد في بلاده، لكن محاولاته التقرب من تل أبيب تصطدم بتريث وحذر من الأخيرة التي تشعر بأنها باتت أقل عزلة بعد توقيع اتفاقات أبراهام في وقت سابق مع دول البعض من الدول العربية.

أنقرة – تبعث تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المهادنة لقوى إقليمية في الشرق الأوسط على غرار الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل برسائل مفادها أن خارطة المنطقة الدبلوماسية بدأت في التغير.

فأردوغان بدأ يسرع خطواته لترميم علاقات تركيا مع إسرائيل الشريكين المقربين السابقين اللذين تراجعت علاقاتهما في عهد الرئيس التركي الذي يواجه متاعب متفاقمة في وقت حساس.

والأسبوع الماضي أعلن أردوغان أن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ سيزور أنقرة في منتصف مارس، مما يجعل هرتسوغ أول رئيس إسرائيلي يزور تركيا منذ زيارة شمعون بيريز في 2007. ولم تؤكد الحكومة الإسرائيلية الرحلة بعد، لكنها أقرت بـ “زيارة محتملة”. وتعززت توقعات التقارب التركي – الإسرائيلي أكثر من خلال مكالمة هاتفية الشهر الماضي جمعت وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو. وكانت تلك أول محادثة معترفا بها علنا بين وزيري خارجية البلدين منذ 13 عاما.

ويرى أيكان إردمير كبير مديري برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والعضو السابق في البرلمان التركي، أن “بحث أردوغان عن شركاء جدد واستعداده الظاهري لإصلاح العلاقات مع إسرائيل مفهوم. فهو يواجه اقتصادا منهارا، ومعارضة داخلية متزايدة لحكمه، وصراعا مع جيران عرب وحلفاء غربيين تقليديين، واضطرابا جديدا في المنطقة مع استعداد روسيا لغزو أوكرانيا”.

وكانت تركيا أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بالدولة العبرية الجديدة في 1949، ويربط بين الدولتين تعاون دبلوماسي وأمني واستخباراتي قوي على مدى سنوات عديدة. ومع ذلك، ومنذ صعود حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية بزعامة أردوغان إلى السلطة في 2002، تدهورت العلاقات الثنائية. لكن عزلة الرئيس التركي المتزايدة في شرق البحر المتوسط ​​والمشاكل الاقتصادية في الداخل تجبره على التواصل مع عدوه اللدود.

حذر إسرائيلي
أيكان إردمير: مخاوف إسرائيل مرتبطة بدعم أردوغان لحركة حماس

تسير إسرائيل بحذر، بالنظر إلى نقد أردوغان المتكرر المعادي للسامية المناهض لإسرائيل. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت مؤخرا لصحيفة هآرتس “نحن على دراية بجميع الديناميكيات”.

وهناك مخاوف إسرائيلية من تقرب تركيا منها وفق ما يقول إردمير في تقرير لمجلة فورين بوليسي الأميركية على رأس قائمتها دعم أردوغان لحركة حماس.

ومن بين أنواع الدعم، منحت أنقرة الجنسية التركية وجوازات السفر لكبار نشطاء حماس، بمن فيهم شخص “أشرف على مؤامرة لاغتيال رئيس بلدية القدس في ذلك الوقت، بالإضافة إلى شخصيات عامة إسرائيلية أخرى”، وفقا لتقرير تلغراف لسنة 2020.

وتباهى أردوغان باستضافة اثنين من كبار قادة حماس، صالح العاروري وإسماعيل هنية، وكلاهما على قائمة واشنطن للإرهابيين العالميين. لذلك ليس من المستغرب أن وكالة المخابرات الإسرائيلية “الشاباك” “شددت في المناقشات الداخلية حول تركيا على أن أي عملية تطبيع يجب أن تشمل الحد من نشاط حماس في تركيا”، كما أفاد موقع أكسيوس مؤخرا.

ويشدد إردمير على أن “ما يضيف إلى الشكوك الإسرائيلية ويمنح مبادرات أردوغان لإسرائيل منعطفا مثيرا للسخرية هو جهوده الدؤوبة في 2020 لتقويض اتفاقات إبراهام، وهي الاتفاقية التي توسطت فيها الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من خصومها العرب السابقين”.

وكانت تركيا قد انضمت وقتها إلى إيران وحماس في إدانة الاتفاق وذهبت إلى حد التهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات العربية المتحدة كعقاب على انضمام البحرين والمغرب والسودان في صنع السلام مع إسرائيل.

ومنذ ذلك الحين، تراجع أردوغان عن هذا التهديد ضد الإمارات، على ما يبدو كجزء من جهد أوسع لإصلاح العلاقات مع الإمارات ومصر والسعودية والدول العربية الأخرى التي اشتبكت معها تركيا في السنوات الأخيرة. وتضمنت الموجة الدبلوماسية زيارة أدّاها ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد في نوفمبر 2021 إلى أنقرة، ووصفته وسائل الإعلام الحكومية التركية بأنه “أمير الظلام” مؤخرا في 2020.

ومن الواضح أن أردوغان يأمل في الاستفادة من الإمارات للمساعدة في وقف الانهيار الاقتصادي لتركيا. ومنذ التقارب بينهما، وقعت أبوظبي وأنقرة اتفاقية مقايضة عملات بقيمة 4.9 مليار دولار، في حين تعهد صندوق الثروة السيادية في أبوظبي باستثمار 10 مليارات دولار في تركيا. ولا تتوقع الإمارات عائدا جيدا على استثماراتها فقط، بل ترى أيضا في تركيا وسيلة تحوط محتملة ضد إيران حيث تتواصل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مع طهران للتوصل إلى اتفاق نووي جديد.

أنقرة تعلم أن إسرائيل الآن، بفضل اتفاقات أبراهام، أصبحت أقل عزلة في شرق البحر المتوسط من تركيا، ولن تخسر كثيرا إذا فشلت محاولات التطبيع. وبالتالي، يقع العبء على حكومة أردوغان لتكون سباقة في تحسين العلاقات

ولئن كانت إسرائيل لا تمتلك دولارات النفط فإنها تتمتع بقوة مالية واقتصادية وتكنولوجية في المنطقة. ويمكن لتحسين العلاقات مع إسرائيل أن تساعد أيضا في تلميع صورة تركيا عالميا بعد أن فقدت بريقها باعتبارها وجهة استثمارية خاصة.

ويهدّد نزوح غير مسبوق لرؤوس الأموال الغربية من تركيا على امتداد السنوات القليلة الماضية بخطر إعادة تصنيف المؤسسات المالية لتركيا وتخفض ترتيبها من سوق صاعدة إلى فئة ما يسمى بالأسواق الحدودية، مما يهدد بجعل السندات والأسهم التركية غير قابلة للاستثمار في معظم المؤسسات المالية العالمية. ومن شأن ذلك أن يسرع من انهيار تركيا الاقتصادي ويزيد من تفاقم مخاوف أردوغان السياسية.

كما أن هناك أيضا إمكانية مستقبلية مغرية لبناء خط أنابيب شرق البحر المتوسط ​​لجلب الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى تركيا ومن هناك إلى أوروبا. ولا يزال حتى الحديث عن مثل هذا الخط يساعد في رفع الروح المعنوية للشركات والأسر التركية في حالة تمرد بسبب انقطاع التيار الكهربائي المعطل والارتفاع الهائل في فواتير الخدمات. وخلال الصدع التركي الإسرائيلي الذي عقب أزمة أسطول غزة في 2010، رفضت تركيا بانتظام صفقات الطاقة المحتملة مع إسرائيل، أعاد أردوغان طرح مشروع خط الأنابيب في وقت سابق من هذا الشهر ويبدو أنه متحمس للعودة إلى العمل. وفي أعقاب سحب إدارة بايدن دعمها لخط الأنابيب المتصور بين إسرائيل وقبرص واليونان الشهر الماضي، والذي صنفته أنقرة على أنه انتصار تركي، فإن لدى أردوغان سببا آخر للاستفادة من البديل الإسرائيلي – التركي.

وقت لتطبيع العلاقات
بنفس الأهمية على الأقل، يأمل أردوغان أن يساعد إصلاح العلاقات مع إسرائيل ومصر في عكس عزلة تركيا المتزايدة في شرق البحر المتوسط.

وشهدت المنطقة شراكة دبلوماسية وعسكرية مذهلة وغير مسبوقة بين إسرائيل ومصر والإمارات واليونان وقبرص، والتي كانت جميعها منزعجة من تحركات تركيا في المنطقة. كما أن المجموعة مغرمة بآفاق التعاون في مجال الطاقة تحت مظلة منتدى غاز شرق المتوسط​​، وهي منظمة تأمل أنقرة في الانضمام إليها يوما ما. ولطالما نظرت تركيا إلى اليونان وقبرص باعتبارهما خصمين رئيسيين، وقد يكون الهدف الآخر من فورة أردوغان الدبلوماسية هو محاولة إزاحتهما عن شبكة الشراكات سريعة التطور في المنطقة. وحتى الآن، لا يبدو أن هذا هو الثمن الذي ترغب إسرائيل في دفعه. وذكرت صحيفة جيروزاليم بوست أنه، وفقا لمصدر حكومي إسرائيلي، “لن يكون تحسن العلاقات بين القدس وأنقرة على حساب تحالف إسرائيل مع اليونان وقبرص”.

وبينما أثار تحول أردوغان المفاجئ مع إسرائيل شكوك المحللين الإسرائيليين، يوجد تفاؤل حذر بين المسؤولين الإسرائيليين بشأن التحسن التدريجي للعلاقات مع تركيا.

وقد لا يسمح ذلك بتبادل السفراء فحسب، بل وأيضا التعاون التكتيكي ضد إيران ووكلائها في الشرق الأوسط. وصرح دبلوماسي إسرائيلي لم يذكر اسمه لصحيفة هآرتس مؤخرا أن صناع السياسة في أنقرة “ليسوا أصدقاء حميمين لإيران، بمعنى ما، ولكن لا يمكننا أن نتظاهر بالورع إلى حد الامتناع عن عقد تحالفات”.

وقال إردمير إنه “لن يحدث أي تطبيع للعلاقات الإسرائيلية – التركية بالسرعة التي حدثت بها بين إسرائيل والإمارات التي كانت تتعاون معها بشكل وثيق منذ سنوات عديدة. وبالنظر إلى تسميم أردوغان للعلاقات مع إسرائيل على مدى العقدين الماضيين، ستستغرق إعادة بناء الثقة وقتا وجهدا. ولدى أنقرة تحفظات أيضا”.

وقال جاويش أوغلو إن “أي خطوة نتخذها مع إسرائيل بخصوص علاقاتنا، وأي تطبيع، لن تكون على حساب القضية الفلسطينية”. لكن أنقرة تعلم أن إسرائيل الآن، بفضل اتفاقات إبراهام، أصبحت أقل عزلة في شرق البحر المتوسط ​​من تركيا، ولن تخسر كثيرا إذا فشلت محاولات التطبيع. وبالتالي، يقع العبء على حكومة أردوغان لتكون سباقة في تحسين العلاقات.

وشدد إردمير على أنه “في نهاية المطاف، قد يتعين على التقارب الحقيقي المبني على الثقة انتظار حكومة تركية جديدة. يبدو أن كتلة معارضة كبيرة تستعد لهزيمة أردوغان فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 2023. لكن في الوقت الذي يسعى فيه أردوغان المحاصر لإصلاح بعض الأضرار الاقتصادية والسياسية التي أحدثها، فإن بدء العودة إلى علاقات أفضل مع إسرائيل سيكون منطلقا جيدا”.

العرب