تونس- يمضي الرئيس التونسي قيس سعيد في جهود إصلاح القضاء متجاهلا الضغوط التي تمارسها حركة النهضة وبعض الأحزاب والمنظمات التي تدور في فلكها، حيث أصدر مرسوما يتعلق بإنشاء مجلس أعلى مؤقت للقضاء بعد حل المجلس السابق الذي يتهم بأنه واقع تحت سيطرة حركة النهضة.
وجاء المرسوم الرئاسي وسط احتجاجات ضاغطة نظمتها بعض الأطراف السياسية والحقوقية الأحد، لكن اللافت للانتباه ما تضمنه من منع للقضاة من الإضراب عن العمل وهي خطوة لاقت استحسانا لدى الأوساط القضائية والشعبية.
واستشهدت تلك الأوساط بالدول الغربية التي يمنع في أغلبها على القضاة الإضراب وتعطيل العمل في المحاكم وهو ما يقوم به بعض القضاة منذ الأسبوع الماضي مستندين إلى دعوات إلى الإضراب وجهتها جمعية القضاة.
ونص الفصل التاسع من المرسوم الرئاسي على أنه “يحجّر على القضاة من مختلف الأصناف الإضراب وكلّ عمل جماعي منظم من شأنه إدخال اضطراب أو تعطيل في سير العمل العادي بالمحاكم”. وليست هذه المرة الأولى التي ينفذ فيها القضاة إضرابا عن العمل حيث تواترت إضراباتهم خلال السنوات الماضية واستمر إضرابهم في 2020 حوالي شهرين في احتجاج يتعلق بمطالب اجتماعية.
وبحسب المنشور يحق لرئيس الجمهورية إعفاء أي قاض يخالف مهامه، فضلا عن إمكانية اعتراضه على ترقية أو تعيين القضاة.
وكان قيس سعيد جدد مساء السبت، خلال لقائه رئيسة الوزراء نجلاء بودن، تأكيده على “احترام استقلالية القضاء”، مشدّدا على “ضرورة تطهير البلاد من الفساد، عبر إرساء قضاء عادل يتساوى فيه الجميع أمام القانون”.
ويقول الرئيس سعيد إنه سيحمي الحقوق والحريات التي تحققت في ثورة 2011 وإنه سيطرح دستورا جديدا في استفتاء خلال الصيف على أن تجرى انتخابات برلمانية جديدة في ديسمبر.
واعتبر أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ أنّ نصّ المرسوم الذي أصدره قيس سعيّد بخصوص المجلس الأعلى للقضاء المؤقت يمثّل خطوة مهمّة في إصلاح المنظومة القضائية في تونس.
وقال محفوظ في تصريحات إعلامية محلية إنّ هذا المرسوم أفضل بكثير من قانون 2016، مؤكّدا أنّ الأمور عادت إلى نصابها بهذا النصّ الجديد المنظّم للسلطة القضائية، واعتبر أنّه لا يضرب استقلالية القضاء.
أمين محفوظ: مشكلة المرفق القضائي لا تكمن في الأشخاص بل في المنظومة
وعبّر محفوظ عن مساندته لحل المجلس الأعلى للقضاء الذي يعتبر خطره على البلاد أكبر من الخطر الذي كان يمثّله مجلس النواب المجمّد.
وقال إنّ “المجلس الأعلى للقضاء انقلب وأصبح غير ضامن للعدالة التي تمثّل أوّل واجباته”، مشيرا إلى أنّه لو كان يمثّل سلطة لما قبل بإضراب القضاة لمدة سبعة أسابيع في 2020.
وبحسب محفوظ فإنّ مشكلة المرفق القضائي في تونس لا تكمن في الأشخاص بل في المنظومة، ولذلك يجب القطع معها وإعادة هيكلتها.
واعتبر أن اختيار الرئيس سعيّد تاريخَ السادس من فبراير لإعلان حلّ المجلس، تزامنا مع ذكرى اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، له دلالة رمزية لأنّ قضية بلعيد تترجم فشل المنظومة القضائية التي يضيع فيها العدل بسبب الإجراءات.
وتأسس المجلس الأعلى للقضاء في تونس عام 2016 وكانت له الكلمة الفصل في التعيينات القضائية.
ورفض المجلس بشدة المراسيم التي يرى أنها تشكل تعديا على الهيكلية الدستورية للقضاء، معتبرا أن “لا أسس قانونية” لأي بديل له، في تهديد غير مباشر للتمرد على القانون.
واحتجّ حوالي ألفي شخص الأحد أغلبهم من أنصار حركة النهضة بعد ساعات على توقيع الرئيس التونسي لمرسوم إنشاء مجلس جديد للقضاء.
وردد متظاهرون شعار “الشعب يريد ما لا تريد”، في استعادة لهتافات أطلقت قبل أكثر من عقد إبان الثورة ضد نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، كما هتف البعض “الشعب يريد إسقاط النظام”، وهو ما يندرج في سياق حملة أطلقتها حركة النهضة منذ نحو شهرين تركز على استعادة أجواء معارضة بن علي للإيحاء بأن تونس تواجه دكتاتورية جديدة.
ورفع متظاهرون لافتات كُتب عليها شعار “أنقذوا ديمقراطيتنا” وأخرى تطالب بعدم المس بالقضاء.
العرب