في الليلة بين 15 و16 شباط، قبل 30 سنة بالضبط، جرى إيقاظ رئيس الوزراء في حينه إسحق شامير من نومه وبُشر بنشوء “فرصة عملياتية”، وهو تعبير يدل على فرصة لتصفية الأمين العام لـ”حزب الله”، عباس موسوي، من الجو وهو في سيارته جنوب لبنان. لم يتردد رئيس الوزراء كثيراً قبل إعطاء المصادقة.
غير أن من أيقظ شامير اجتزأ من التقرير تحذيرين حيويين، على أي حال، بغياب تفكير مسبق: الأول أن هذه التصفية قد تخلق رد فعل ثأري شديد من جانب “حزب الله”. وهذا بالفعل جاء في شكل عمليات قاسية في سفارة إسرائيل في بوينس آيرس، وبعد ذلك في مبنى الجالية اليهودية في المدينة، هجمتان جبتا حياة عشرات الأشخاص وخلفتا مئات الجرحى. التحذير الآخر، الذي لم يقل في حينه، وعلى ما يبدو أيضاً لم ينظر فيه كما ينبغي، هو أن الإحباط المركز لعباس موسوي، والذي كان بالإجمال أقل من سنة في المنصب، من شأنه أن ينبت بدلاً منه خليفة خطيراً وذكياً وكاريزماتياً، أكثر بأضعاف.
حسن نصر الله، ابن صاحب دكان بقال صغير من الطائفة الشيعية في جنوب بيروت، اهتم منذ صباه بالمواعظ الدينية، ولكنه أكثر أيضاً من لعب كرة القدم المكونة من الشرائط. وكان فتن بشخصية زعيم الشيعة في لبنان موسى الصدر، وتعلم الدين في العراق وإيران، ولكنه لم يعترف به قط كمرجعية روحانية. وفي المقابلات الشخصية، يروي بأن شخصاً غريباً دخل بقالة أبيه نظر نظرة ثاقبة إلى الولد الصغير ووعد الأب قائلاً: “ابنك معد للعظائم”.
كان إجمالاً ابن 32 عندما عين أميناً عاماً للمنظمة بدلاً من موسوي، وقاد على مدى السنين سلسلة طويلة من العمليات الفتاكة ضد قوات الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، والتي فرضت في نهاية المطاف الانسحاب في العام 2000.
وقد أسكرته القوة والقدرة العسكرية الهائلة التي جمعها بفضل إرساليات السلاح من إيران، والهالة التي ارتبطت باسمه، فتأزر بالشجاعة لاختطاف الجنديين من الجيش الإسرائيلي: إيهود غولدفاسر والداد ريغف، في صيف 2006، وهو الاختطاف الذي أدى إلى حرب لبنان الثانية.
هناك تعلم نصر الله بأن إسرائيل، بخلاف خطاباته المهددة، ليست “خيوط بيت العنكبوت”، بل واعترف علناً بأنه لو توقع الرد الإسرائيلي مسبقاً، لما خرج لهذه المغامرة. منذئذ وحتى الآن، اختبأ في خندق خوفاً من التصفية مثل سلفه، وحرص على أن يأمر بـ “ردود فعل متوازنة” فقط على الضربات التي تلقاها من إسرائيل كي لا ينجر إلى حرب شاملة لن ينهض منها.
يحرص على تطبيق ضبط النفس وسياسة حذرة متمثلة بعدم تحطيم الأواني في الساحة اللبنانية الداخلية أيضاً. فلو أراد لاستولى على الحكم في بيروت، لكنه يفضل إبقاء قوته خلف الكواليس، وإبقاء الإدارة المستحيلة في الدولة متعددة الطوائف بيد الآخرين، وهي دولة تعيش الآن أزمة اقتصادية هي الأخطر في تاريخها.
هل يمكن لإسرائيل أن تضمن بقاء نصر الله -استناداً إلى التجربة التي جمعها في سنواته الثلاثين في المنصب- في موقف ضبط النفس إياه والحذر إياه إذا ما اضطررنا لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية؟ ليس مجدياً الاعتماد على ذلك. فقد أنشأت إيران “حزب الله” وزودته بـ 150 ألف صاروخ كي يشكل موقع دفاع متقدماً لطهران، ورأس حربة للعمل ضد إسرائيل وقت الحاجة. ويعي بأن طاعة الزعيم في طهران واجب حتى لو أوقع الدمار والخراب على لبنان.
القدس العربي