العراق: من الأزمات المتعاقبة إلى حال الاستعصاء

العراق: من الأزمات المتعاقبة إلى حال الاستعصاء

لا تكاد مكونات العراق المختلفة تتجاوز أزمة أو تتوصل إلى تسوية بصدد استحقاقات دستورية أساسية وملحة، حتى تتعثر مجدداً وتمضي بالبلد خطوات حثيثة على طريق الفراغ الدستوري وتعطيل المؤسسات والغرق أكثر فأكثر في وضعية تصريف الأعمال. وعلى مستوى تفعيل المؤسسات الدستورية وقيامها بما يوكل إليها من مهام، لعل الإنجاز الوحيد الذي تمخضت عنه الانتخابات التشريعية لشهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي هو نجاح مجلس النواب في الاجتماع وتمكنه من انتخاب رئيسه، بعد جلسة صاخبة سادتها مشادات عنيفة بين بعض النواب.
الأسباب الأهم وراء حال الاستعصاء هذه هي الفشل الذي منيت به القوى والأحزاب والميليشيات الموالية لطهران، وبعضها لقي هزيمة نكراء في الواقع، مقابل نجاح الكتلة الصدرية في الفوز بالعدد الأكبر من المقاعد وبمعدل متقدم عن أدائها في الدورات السابقة. وبذلك فإن مظاهر الانقسام داخل البيت الشيعي تبدت أولاً في الاعتراض على نتائج الانتخابات إلى درجة رفضها كلياً لدى بعض الفصائل، الأمر الذي اقتضى إعادة العد في بعض الدوائر، توجب أن يُحسم أخيراً أمام المحكمة الاتحادية التي ردت الطعون وثبتت النتائج.
مظهر آخر ما يزال معلقاً حتى الساعة هو البت في تحديد الكتلة الأكبر في البرلمان، وما إذا كانت هذه الصفة ستذهب إلى نواب مقتدى الصدر أم إلى نواب الإطار التنسيقي الذي يضم الحشد الشعبي والقوى السائرة في ركب طهران، حيث أن البت في ذلك يعني تلقائياً منح الكتلة المختارة الحق في تسمية رئيس الحكومة المقبل، بل وتحديد تركيبتها التحالفية أيضاً. وهذا مظهر إضافي للخلاف داخل البيت الشيعي، إذ يصر التيار الصدري على تشكيل حكومة أغلبية تعمل في إطارها قوى حليفة مثل كتلة تقدم وكتلة عزم والحزب الديمقراطي الكردستاني، وهذا يعني التعارض والاختلاف مع الإطار التنسيقي عموماً وكتلة نوري المالكي خصوصاً.
مدهش في مظهر ثالث أن المكون الكردي يعاني بدوره من خلافات وتباينات تسببت حتى الآن في تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، حيث يسير العرف منذ الدورة البرلمانية الأولى سنة 2005 أن يكون الرئيس حصة المكون، مقابل رئاسة الحكومة للمكون الشيعي ورئاسة مجلس النواب للمكون السني. وإذا كانت سوابق عديدة من الخلاف أو حتى المواجهات العسكرية قد طبعت تاريخ العلاقات بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، فإن رئاسة العراق آلت إلى الحزب الأخير حتى الآن فتقلدها جلال الطالباني وفؤاد معصوم وبرهم صالح. الجديد هو دخول الديمقراطي الكردستاني على الخط عبر تسمية هوشيار زيباري، الذي رفضت المحكمة الاتحادية قبول ترشيحه لعدم استيفاء الشروط الدستورية، فلم يتردد الحزب في إعلان بديل عنه هو وزير الداخلية في إقليم كردستان ريبر أحمد.
وإلى جانب عواقب التبعية للخارج ووضع مصالح العراق وشعبه في مراتب أدنى من تلك التي تخدم أجندات خارجية وإقليمية، فإن أنساق التأزم المتعاقبة التي يشهدها البلد تعود في كثير من جذورها إلى إرث الاجتياح العسكري الأمريكي وما كرسه الاحتلال من تشوهات عضوية ومآزق مستعصية.

القدس العربي