تصاعد في الفترة الأخيرة اعتماد الميليشيات في الشرق الأوسط على القوة الناعمة باعتبارها أداةً أكثر فاعلية لتحقيق طموحات سياسية لقادة تلك الجماعات الخارجة عن سيطرة دول المنطقة خاصة في العراق حيث يسعى هؤلاء لتعزيز قاعدتهم الشعبية من خلال التحرك إعلامياً وثقافياً واجتماعياً.
بالرغم من أن الحديث عن الميليشيات في المنطقة اقتصر على الهجمات التي تشنها تلك الجماعات باعتبارها أذرعاً للنظام الإيراني سواء في سوريا أو العراق إلا أنها باتت تضطلع بدور اجتماعي وثقافي يبدو أنها تستهدف من خلاله إضفاء شرعية على وجودها.
وتقول رانيا حسين خفاجة في دراسة لمركز المستقبل إن لجوء الميليشيات إلى القوة الناعمة وأدواتها يأتي كمحاولة منها لكسب التأييد الشعبي ومن ثم تعزيز شرعية وجودها، مشيرةً إلى أن لأدوات القوة الناعمة أهمية بالغة لاسيما في مواجهة التراجع الملحوظ في تأييد الميليشيات المذكورة.
الميليشيات تقوم بدور اجتماعي يسمح بالحفاظ على القاعدة الشعبية لها وتعزيزها من خلال توزيع المساعدات على المؤيدين
وتوضح خفاجة أن من بين الأسباب الأخرى التي تدفع الميليشيات إلى توظيف القوة الناعمة هو دخول معترك الحياة السياسية حيث يشكل دخول ميليشيات الحشد الشعبي العراقية الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات في العام 2018 طموحات هذه الجماعات المسلحة السياسية.
وكثفت الميليشيات مؤخرا من إبراز اهتمامها المتزايد بآليات القوة الناعمة حيث أنشأت أذرعا إعلامية لها تروّج لما تقوم به من أنشطة ثقافية واجتماعية ودينية. ويتضمن الهيكل التنظيمي لميليشيات الحشد الشعبي العراقية مديرية إعلام هيئة الحشد التي أقامت مؤخرا مهرجانات وفعاليات فنية ورياضية بهدف تخليد دور “الحشد الشعبي” لاسيما في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وذلك في خطوة تهدف إلى تعزيز وجوده الرمزي في المجتمع العراقي.
وفي مطلع يناير الماضي عرض فرع ميليشيات الحشد الشعبي في مدينة البصرة مسرحية تحمل عنوان “قيامة الأرض”؛ وهي تستعرض ما يقول الحشد إنها إنجازات حققها في السنوات الماضية، وذلك في إطار ما أطلق عليه مخرج العمل الإيراني سعيد إسماعيلي “حرباً باردة”.
وعلاوة على الاعتماد على الأنشطة الثقافية لترسيخ صورة معينة عن الميليشيات تقوم الأخيرة بالاضطلاع بدور اجتماعي يسمح بالحفاظ على القاعدة الشعبية لها وتعزيزها من خلال توزيع المساعدات على المؤيدين والداعمين لها.
ويشير مراقبون هنا إلى مسارين تنتهجهما الميليشيات؛ المسار الأول هو توزيع المساعدات من الموارد الخاصة لهذه الميليشيات. ونوهت العديد من التقارير إلى القوة الاقتصادية التي تتمتع بها بعض الميليشيات والتي يأتي الجزء الأكبر منها من القوى الراعية لها. بينما يتمثل المسار الثاني في سيطرة الميليشيات على المساعدات الدولية من خلال التحكم في المستفيدين من هذه المساعدات وتخصيص جانب كبير منها لأسر الميليشيات والداعمين.
لجوء الميليشيات إلى القوة الناعمة وأدواتها يأتي كمحاولة منها لكسب التأييد الشعبي ومن ثم تعزيز شرعية وجودها
وكشفت دراسة أجرتها “الرابطة السورية لكرامة المواطن” في نوفمبر 2021، عن دور الميليشيات في توزيع المساعدات الإنسانية. وخلصت إلى أن نسبة كبيرة من المساعدات الإنسانية المُقدمة من المنظمات الأممية والدولية الأخرى، والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 50 في المئة، ولاسيما في مناطق سيطرة النظام السوري، يتم تسليمها مباشرة إلى القوات العسكرية للنظام والميليشيات المتحالفة معها والتي بدورها تقوم بتوزيعها على عوائل الميليشيات المحلية. وتعد سيطرة الميليشيات على المساعدات إحدى “أصولها الجاذبة” في هذا الإطار.
وبحسب خفاجة فإن الميليشيات تستخدم أيضاً النساء كأحد مداخل تعزيز نفوذها في المجتمعات المحلية، ففي منطقة دير الزور السورية بدأت الميليشيات الإيرانية في جذب النساء للانضمام إليها، وتدريبهن على بعض الأدوار المساعدة غير القتالية؛ مثل التمريض وتقديم الرعاية الصحية الطارئة ورعاية الأطفال. ولعل اجتذاب النساء إلى صفوف الميليشيات يسمح بالوصول إلى المجتمعات المحلية من جانب، ويعزز فرص قبول هذه الميليشيات وسط هذه المجتمعات من جانب آخر.
وتشدد الباحثة أيضاً على تقديم الخدمات الذي يعد شكلاً آخر من أشكال القوة الناعمة التي تراهن عليها الميليشيات حيث شرع على سبيل المثال الحشد الشعبي في إطلاق حملات خدمية مع بداية عام 2022 في عدد من المدن العراقية التي تعاني من انهيار الخدمات الأساسية فيها.
وبالرغم من سجلها الذي يوصف بالعنيف إلا أن ميليشيا عصائب أهل الحق العراقية بزعامة قيس الخزعلي تحاول تصوير نفسها على أنها جماعة تضطلع بدور اجتماعي وسياسي من خلال المساهمة في عملية بناء الدولة، وهنا يتضح استغلال هذه الميليشيات لحالة انهيار بعض الدول في المنطقة لتعزيز شعبيتها.
صحيفة العرب