على خلفية صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا القاضي بلا دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان العراق، دخل رئيس الجمهورية برهم صالح على الخط.
وفي بيان صدر عن صالح، الخميس، شدد على ضرورة إطلاق حوار جاد وعاجل بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق، لإيجاد آليات واقعية ضامنة لما أرادت المحكمة الاتحادية العليا الأخذ به، وبما يضمن الاستحقاقات الدستورية لإقليم كردستان العراق وسائر العراقيين عبر تسخير الواردات لخدمة المواطنين بعيدا عن الفساد وسوء الإدارة والتلاعب السياسي.
ويرى مراقبون أن صدور القرار في هذه الأجواء المحتقنة وسط اشتداد التجاذبات السياسية، قد يزيد المشهد تعقيدا، ويلقي بظلاله على المدد والتوقيتات الدستورية المتعطلة، على وقع الفشل في عقد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية.
ويذهب البعض منهم إلى حد اعتبار مفاعيل القرار السياسية بمثابة وضع العصي في عجلة التحالف الثلاثي بين الصدر وتحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني.
فيما تنقسم آراء الخبراء القانونيون حول القرار بين من يعتبره متسق تماما مع نص الدستور العراقي وروحه، ومن يعتبره مخالفا لأحكام الدستور وللنظام الفيدرالي والحقوق الدستورية للأقاليم في ظله.
وتعليقا على تفاعلات ما بعد صدور القرار، يقول إحسان الشمري، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، في لقاء مع “سكاي نيوز عربية”: “قد لا يرتبط صدور القرار ببعد سياسي كما يقول الحزب الديمقراطي الكردستاني، على اعتبار أن المحكمة رفضت تأجيل طلب حكومة إقليم كردستان العراق البت في نطق قرارها، فيما يرتبط بقضية تصدير النفط خارج الصلاحيات الدستورية أو خارج إطار صلاحيات الحكومة الاتحادية من قبل الإقليم”.
توقيت القرار بعيد صدور قرار بإبعاد هوشيار زيباري مرشح الديمقراطي الكردستاني عن الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، كما يرى الشمري، مضيفا: “عدم وجود تقدم في المفاوضات بين الحزبين الكرديين الرئيسيين حول منصب الرئيس العراقي الجديد، دفع الديمقراطي للقول إن القرار ذو أبعاد سياسية”.
ويضيف الشمري، وهو أيضا مدير مركز التفكير السياسي، في العاصمة العراقية بغداد: “القرار تأخر كثيرا وهو كان يفترض أن يصدر قبل هذا الوقت بسنوات طويلة، وهنا فإن دعوات الرئيس العراقي برهم صالح، لإيجاد مساحة توافق بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم حول هذه المسألة، يريد منها ألا يستغل هذا القرار كجزء من الصراع السياسي الحالي المحتد، فقرار المحكمة الاتحادية الذي يجب أن يحترم سيدفع بالنهاية كما يبدو نحو المزيد من الانسداد السياسي والمشاكل بين مختلف الأطراف العراقية”.
دعوة صالح محاولة أيضا لتحفيز الأطراف السياسية الكردية، حسب الشمري: “للذهاب نحو تشريع قانون للنفط والغاز بما يوائم مصالح العراقيين ككل، والرئيس العراقي هنا يندفع ببراغماتية عالية للدخول على خط هذه القضية، كونه يدرك جيدا أن هذا القرار قد يدفع نحو تقارب بين الحزبين الكرديين، وبما يعزز حظوظه في اعادة انتخابه لدورة رئاسية ثانية، خصوصا وأن الديمقراطي الكردستاني لا يستطيع مواجهة هذا الأمر بمفرده في بغداد”.
فيما يقول طارق جوهر، الكاتب والباحث السياسي، في حديث مع “سكاي نيوز عربية”: “عدم سن قانون اتحادي للنفط والغاز هو ما يقود لهذه الإشكالات وتداخل الصلاحيات بين بغداد وأربيل، وقرار المحكمة الاتحادية هذا هو دلالة على ما يمكن أن يسببه تشتت الموقف الكردي في بغداد، من أضرار جسيمة على الحقوق والصلاحيات الدستورية لإقليم كردستان”.
ويضيف جوهر: “هذا القرار سيتسبب مع الأسف بتعميق المشكلات العميقة أصلا بين بغداد وأربيل، وسيؤثر سلبا على مجمل العملية السياسية بالعراق وخاصة فيما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة”.
وهو يتعارض مع الدستور، كما يشرح، بالقول :”فالمادة 112 من الدستور تنص صراحة وبلا مواربة على أن تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، فيما تنص المادة 115 منه على أن كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، والصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم، تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة الخلاف بينهما”.
هذا وكانت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، قد أصدرت الثلاثاء، حكما يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان العراق، الصادر عام 2007، وإلغائه لمخالفته أحكام مواد دستورية، فضلا عن إلزام الإقليم بتسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية.
وقررت المحكمة، إلزام حكومة الإقليم بتسليم “كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في الإقليم والمناطق الأخرى، التي كانت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان العراق تستخرج النفط منها، وتسليمها إلى الحكومة الاتحادية والمتمثلة بوزارة النفط العراقية، وتمكينها من استخدام صلاحياتها الدستورية بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره”.
ويأتي قرار المحكمة الاتحادية العليا بعد شكويين قدمتا عامي 2012 و2019، قدم إحداها وزير نفط سابق في الحكومة المركزية.
فيما وصفت حكومة إقليم كردستان العراق قرار المحكمة العليا أنه غير عادل وغير دستوري، مؤكدة أنها ستتخذ “جميع الإجراءات الدستورية والقانونية والقضائية لضمان وحماية جميع العقود المبرمة في مجال النفط والغاز”.
مضيفة أن حكومة إقليم كردستان العراق لن تتخلى عن حقوق الإقليم المنصوص عليها في الدستور العراقي.
الشرق الاوسط