مع تزايد القلق الأوروبي بشأن احتمالات توقف تدفق الغاز الروسي إثر تفاقم الأزمة الأوكرانية، عاد الحديث من جديد في إيران عن إمكانية تصدير الطاقة إلى الدول الغربية وإحياء المشاريع التي خطط لها منذ النظام البهلوي السابق.
وهذه ليست المرة الأولى التي تراود فيها فكرة تصدير الغاز إلى أوروبا الأوساط الإيرانية، إلا أن مراقبين في طهران يرون في تفاقم الأزمة بين روسيا والعالم الغربي فرصة لإعادة المياه إلى مجاريها، ووضع العلاقات الإيرانية الأوروبية على المسار الصحيح، لا سيما وأن طهران تخوض مفاوضات حثيثة مع الجانب الأوروبي ضمن جهود إحياء الاتفاق النووي.
بعد الشعور الأوروبي بأن أمن طاقته أصبح رهينة لأي خلاف مع روسيا، وضرورة التفكير في بدائل مناسبة، هناك من يعتقد في إيران أن امتلاك البلاد ثاني أكبر احتياطي غاز في العالم بعد روسيا يؤهلها إلى أن تحل محل العملاق الروسي في مد حلفاء الماضي القريب بكميات من الغاز عبر خطوط أنابيب تمر عبر تركيا ودول البحر الأسود إلى رومانيا، أو عبر العراق وسوريا والبحر المتوسط، ومن هناك إلى أوروبا.
تقاطع المصالح
وإثر التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة السداسية عام 2015، انطلقت مفاوضات بين طهران والأوروبيين، وحققت تقدما ملحوظا، إلا أنها توقفت تحت تأثير النفوذ الروسي على الجانب الإيراني، وفق عالم الاقتصاد الإيراني بهمن آرمان.
وطالب آرمان، في حديث للجزيرة نت، حكومة بلاده بالعمل على تلبية الطلب الأوروبي على الغاز في الوقت الراهن في ظل تواصل المفاوضات النووية في فيينا، موضحا أن المصلحة الروسية تقتضي استمرار العقوبات على إيران وحرمانها من تصدير غازها إلى أوروبا.
ولدى إشارته إلى انعدام الثقة بين العالم الغربي وروسيا بفعل التصعيد الروسي المتواصل عند الحدود الأوكرانية، قال آرمان إن إيران الدولة الوحيدة القادرة على تعويض أوروبا عن الغاز الروسي.
وشدد على أن إعادة الشركات العملاقة الأوروبية لا سيما “توتال” (Total) الفرنسية لتنفيذ تعهداتها في إيران -كأحد شروط إحياء الاتفاق النووي في مفاوضات فيينا- من شأنها إكمال مشروع تطوير المرحلة الـ11 من حقل بارس الغازي جنوبي إيران، ونقل الطاقة إلى أوروبا.
وأشار آرمان إلى أن “حكومتي رفسنجاني وخاتمي كانتا قد تقدمتا خطوات جبارة في سبيل تنفيذ المشاريع التي خطط لها إبان النظام البهلوي؛ منها مشروع مد أنابيب نقل الغاز من منطقة عسلوية جنوبي إيران إلى أوروبا عبر الأراضي التركية”، مؤكدا أن المشروع توقف منذ حكومة الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، على الرغم من أنه لم يتبق منه سوى 400 كيلومتر.
وأشار إلی أن إيران كانت قد وقعت عقودا مع شركات غربية عقب التوقيع علی الاتفاق النووي، موضحا أن بعض هذه المشاريع العملاقة بحاجة ماسة إلى تكنولوجيا فريدة لا تمتلكها سوى بعض الدول الغربية مثل إيطاليا والولايات المتحدة وفرنسا.
وخلص آرمان إلی أن إمداد الدول الأوروبية بالغاز الإيراني سيدر أموالا هائلة على طهران تفوق ما ستجنيه روسيا عبر خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” (Nord Stream 2)، وتوقع الانتهاء من مشروع تطوير المرحلة الـ11 من حقل بارس الغازي خلال أقل من 3 أعوام، في حال عودة توتال الفرنسية إلى إيران، ليوفر حصة كبيرة مما تحتاجه الدول الأوروبية من الغاز المسال.
الطلب الإقليمي
ورغم كثرة الأصوات المنادية بالعمل على تفعيل اتفاقية أنبوب “خط الصداقة” الموقعة مع العراق وسوريا عام 2011 لإيصال الغاز الطبيعي الإيراني إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، فإن شريحة من خبراء الاقتصاد يرون فرص نجاح هذه المشاريع ضئيلة جدا نظرا إلى التحديات الاقتصادية والجيوسياسية الماثلة أمامها.
إذ وصف رئيس تحرير الشؤون الاقتصادية بوكالة مهر الإيرانية محمد حسين سيف اللهي تنفيذ مشاريع مد أنابيب الغاز لآلاف الكيلومترات بأنه مضيعة للوقت ورؤوس الأموال، مؤكدا أن الفائض الإيراني من الغاز ليس كثيرا لنقله إلى أوروبا.
وأشار سيف اللهي -في حديثه للجزيرة نت- إلى تراجع كمية صادرات الغاز إلى كل من العراق وتركيا خلال فصل الشتاء بفعل ارتفاع الاستهلاك المحلي، مؤكدا أنه في ظل الطلب الإقليمي على الغاز الإيراني -مثل الكويت وسلطنة عمان وباكستان- فإن تصدير الغاز إلى أوروبا لن يشكل أولوية لإيران في الوقت الراهن.
وقلل من أهمية ما يقال عن تقديم إيران الغاز البديل لأوروبا، مؤكدا أن روسيا تغذي نحو 40% من الحاجة الأوروبية عبر عدة خطوط أنابيب، في حين أن إيران لم تستكمل خطا واحدا بعد، والأجدر بها العمل على إكمال مشروع خط نقل الغاز إلى باكستان الذي توقف منذ أعوام رغم الأموال الهائلة التي صرفت من أجله.
رسمیا، قال أحمد أسد زاده مساعد الشؤون الدولية والتجارية في وزارة النفط الإيرانية، إن الحكومة الإيرانية الحالية تركز على تعزيز علاقاتها التجارية مع الجوار، وإن التعاون مع الدول الأوروبية أولوية ثانية.
وأعلن أسد زاده في تصريح صحفي استعداد طهران للتفاوض مع الجانب الأوروبي لسد حاجته من الغاز في حال طلب ذلك.
المصدر : الجزيرة