تلقت القوات الأوكرانية تمويلا بعملة البتكوين والعملات الرقمية الأخرى من جميع أنحاء العالم لدعم جهودها في الحرب ضد روسيا، كما طوّرت أوكرانيا سوقا مزدهرا للعملات الرقمية، وتستغل الآن خبرتها في هذا المجال لتعزيز قدراتها العسكرية والتكنولوجية.
وفي تقرير نشره موقع “أويل برايس” (Oil Price) الأميركي، تقول الكاتبة فيليسيتي برادستوك إن أكثر من 570 ألف دولار من العملات الرقمية قد تدفقت على المنظمات التطوعية والمنظمات غير الحكومية في أوكرانيا للمساعدة في تزويد الجيش بالمعدات العسكرية والإمدادات الطبية والطائرات المُسيّرة، وذلك وفقًا لتقرير صادر عن شركة “إيليبتيك”.
بالإضافة إلى ذلك، تدعم هذه التبرعات تطوير تطبيق يتعرف على الوجه لتحديد ما إذا كان الشخص جاسوسا روسيا، وفي ظل غياب إجراءات فحص صارمة لتدفّق العملات الرقمية، فإنه من السهل إرسالها بشكل مجهول عبر الحدود.
وحسب كبير العلماء في شركة “إيليبتيك”، توم روبنسون، “باتت العملات الرقمية تستخدم بشكل متزايد، ومصدرا لتمويل الحروب الجماعية بموافقة ضمنية من الحكومات” – بما في ذلك أوكرانيا، ويضيف روبنسون أن “العملات الرقمية مناسبة بشكل خاص لجمع التبرعات الدولية لأنها لا تخضع للرقابة وقوانين الحدود الوطنية، ولا توجد سلطة مركزية يمكنها منع المعاملات، مثلما هو الحال في سياق العقوبات”.
وتشير الكاتبة إلى أن العملات الرقمية تحظى حاليا بإقبال شعبي كبير في أوكرانيا في ظل سماح الرئيس فولوديمير زيلينسكي للبنك المركزي بإصدار عملة رقمية، وعمل أيضا مع الحكومة لإضفاء الشرعية على العملات الرقمية وتنظيمها حتى يسهل على الشركات تداولها.
ومن بين المؤسسات التي تجمع التبرعات بالعملات الرقمية منظمة “كم باك ألايف” (Come Back Alive) التي تأسست في 2014 لتوفير المعدات العسكرية وخدمات التدريب والإمدادات الطبية. وبدأت هذه المؤسسة في قبول التبرعات بالعملات الرقمية في عام 2018 وتلقت حوالي 200 ألف دولار في النصف الثاني من عام 2021.
وتُضيف الكاتبة أن منظمة “الاتحاد الأوكراني السيبراني” (Ukrainian Cyber Alliance) تلقت تمويلا بـ100 ألف دولار لدعم هجماتها الإلكترونية على القوات الروسية في السنوات الأخيرة، أما مركز “ميروتفوريتس” (Myrotvorets)، الذي يُقال إنه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحكومة الأوكرانية، فينشر معلومات شخصية عن أعداء الدولة.
ويمكن أن تصبح أوكرانيا قوة عظمى في مجال التشفير بالنظر إلى تدفقات العملات الرقمية الحالية، وسماح الحكومة للبنك المركزي بإنشاء عملات رقمية في عام 2021 وفرض ضرائب منخفضة عليها واتباع معاملات ورقية بسيطة إلى جانب طريقة الدفع الجديدة، إذ سيُشجّع كل ذلك المزيد من الأفراد والشركات على دخول أسواق التشفير، ومن شأن ذلك أيضا ترسيخ مكانة أوكرانيا كمركز للابتكار والتطوير في أوروبا الشرقية، وهي تعمل بالفعل على إنشاء مجموعة كبيرة من المطورين والمبرمجين لدعم التحول الرقمي للبلاد.
ووفق ما أشار إليه نائب رئيس الوزراء الأوكراني لدائرة التحول الرقمي، ميخايلو فيدوروف، فإن التحرك لإضفاء الشرعية على مجال العملات الرقمية وتنظيمها سيسمح بتطوير صناعة جديدة ستعمل على جذب استثمارات شفافة وسيعزز صورة أوكرانيا كدولة ذات تقنية عالية.
سلاح اقتصادي
ووفقا لمقياس أنشأته شركة تحليل البيانات “تشين أناليسيز” (Chainalysis)، تحتل أوكرانيا المرتبة الرابعة في مؤشر تبني العملات الرقمية العالمية، حيث تُقدر قيمة العملات المتداولة في البلاد بـ8 مليارات دولار، وما يعادل 150 مليون دولار في اليوم الواحد، وقد لجأ العديد من الأوكرانيين إلى العملات الرقمية لاستثمار أموالهم، ولا سيما مع عدم توفر بديل قوي في سوق الأوراق المالية.
وتشير الكاتبة إلى أن الوزارة الرقمية الأوكرانية واثقة جدا من مكانة البلاد في سوق العملات الرقمية الدولية لدرجة أنها حددت هدفًا يتمثل في مضاعفة حصة التكنولوجيا في الناتج المحلي الإجمالي الوطني من 5% إلى 10%، كما تتوقع مضاعفة عدد العاملين في قطاع التكنولوجيا إلى 500 ألف.
وظهرت شركات جديدة في سوق التشفير الأوكراني، فيما تستعد منصة تداول العملات الرقمية الشهيرة “باينانس” (Binance) لإطلاق بطاقة دفع جديدة للعملات الرقمية في أوكرانيا، ما يجعلها في مركز مهيمن.
وقد صرح المدير العام للشركة في أوكرانيا كيريل كومياكوف بأن بطاقة “باينانس” ليست متاحة بعد للمستخدمين الأوكرانيين، لكن الشركة تعمل بجد لإطلاقها، واصفًا إياها بأنها واحدة من أهم أولويات الشركة لعام 2022.
على مدار العام الماضي، عملت أوكرانيا جاهدة لترسيخ مكانتها كمركز للعملات الرقمية بفضل إجراءات التقنين والتنظيم الأخيرة لهذا المجال، وقد عملت على تطوير مجموعة من المختصين في مجال التكنولوجيا وتتوقع أن تثبت نفسها كمركز للعملات الرقمية في أوروبا خلال السنوات المقبلة.
وتؤكد الكاتبة أن العملات الرقمية أصبحت أكثر أهمية للاقتصاد الأوكراني في الأشهر الأخيرة، حيث أدى تهديد الغزو الروسي إلى دفع الأفراد والشركات من جميع أنحاء العالم إلى إرسال الأموال إلى الجماعات التطوعية والجماعات المرتبطة بالحكومة لمساعدتهم على الاستعداد، وقد يكون هذا أول مثال على استخدام العملات الرقمية لدعم المجهود الحربي وجعلها جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد الوطني.
المصدر : أويل برايس