فعلتها أنقرة، لماذا لا تفعلها دمشق

فعلتها أنقرة، لماذا لا تفعلها دمشق

بينما تسعى دول إقليمية، ترى أن خطوة طرد سوريا من الجامعة العربية كانت خطأ، للتواصل مع دمشق وإيجاد آلية لإعادتها إلى الحضن العربي، وترى أن أي اتفاق لن يتم قبل الاعتراف بشرعية النظام القائم حاليا، تشترط دول أخرى ومعها قوى المعارضة أن يسبق ذلك اتفاق بين جميع الأطراف ينهي الصراع القائم من خلال الأمم المتحدة، وأن أي خطوة لإعادة الإعمار في سوريا بمشاركة دولية لن تتم إلا بعد الوصول لحلول سياسية ترضي الأطراف المتصارعة.

فهل تبدأ الخطوة الأولى لحل الأزمة السورية باتفاق بين جميع الأطراف ينهي الصراع القائم منذ عشر سنوات، أم تبدأ بإعادة تأهيل يمهد لإنهاء الصراع أولا؟

الإجابة على السؤال ليست سهلة كما يبدو للوهلة الأولى، بل هي معقدة ومثار خلاف كبير، ليس فقط بين الحكومة والمعارضة، بل بين الدول المهتمة بالقضية السورية.

ما يحدث وراء كواليس الدبلوماسية لا يشغل دمشق كثيرا، خاصة مع غياب الأخبار الصادرة عن سوريا، التي تعتبر عدم وجود أخبار، خبرا جيدا.

خلافا للوضع الاقتصادي المتدهور، يبدو كل شيء هادئا على الجبهة الأمنية والسياسية ويختزل بكلمة واحدة هي الانتظار. والسوريون أدمنوا لعبة الانتظار. ويعلمون أن الطريق إلى الحل طويل تحول دونه عقبات كثيرة.

أول ما يجب على السوريين عمله هو الكف عن تصيد الأخطاء، ورمي بعضهم البعض بالحجارة، فليس بينهم من يستطيع الادعاء أنه بلا خطيئة

من يريد اليوم الوصول إلى دمشق عليه أن يمر عبر موسكو وبكين وطهران وواشنطن، بعد أن تراجع الدور التركي، ليقتصر على دور حارس حدود، وانتظار ما سيسفر عنه الصراع الدولي الذي يهدد بالتحول إلى حرب باردة جديدة.

لم تعد المسألة السورية في قائمة أولويات اهتمام السياسة الخارجية الأميركية، بل تراجعت لتصبح في ذيل القائمة، بعد قرار الرئيس جو بايدن، الذي يروج لمواجهة احتمال اجتياح روسي لأوكرانيا. كما تظل الصين على رأس قائمة اهتمامات الإدارة الأميركية لما تشكله من تهديد اقتصادي وعسكري.

التهديدات حولت خصوم الأمس إلى أصدقاء، ولا تخفي بكين دعمها لموسكو التي تصر على عدم انضمام أي دول جديدة إلى حلف شمال الأطلسي. وفي المقابل تدعم موسكو بكين في الخلاف الدائر حول الجزيرة التايوانية، وتعتبرها “جزءا لا يتجزأ من الصين”.

ولا تغيب طهران عن هذا الصراع لتحقيق المزيد من التقارب مع دولتين كانت تعتبرهما حتى وقت قريب نظامين كافرين، بعد أن باتت مفاوضاتها مع الغرب حول الملف النووي مسلسلا لا تنتهي حلقاته.

الهدوء الذي تشهده سوريا حاليا، يبعث على الريبة، أكثر مما يبعث على الاطمئنان. وعدم وجود أخبار، ليس بالضرورة خبرا جيدا لجميع الأطراف في سوريا.

وإن كان من حق العالم أن يحبس أنفاسه في انتظار ما ستنجلي عنه المواجهة، فإن من حق السوريين أن يحبسوا أنفاسهم العشرات من المرات. مستقبل سوريا والسوريين لن يحسمه مسلسل المفاوضات بين المعارضة والحكومة، الذي أسفر عن جعجعة لم تثمر عن أي طحن، بل ستحسمه النتائج التي ستسفر عنها المواجهة بين العواصم الأربع (موسكو وبكين وطهران وواشنطن)، والصفقات التي قد يتم الاتفاق عليها في السر أو في العلن.

قد يكون من الصعب التنبؤ بما ستسفر عنه المواجهات الأخيرة، ولكن أسوأها بالنسبة إلى السوريين، معارضة وحكومة، أن تتحول هذه المواجهات إلى حرب باردة تطول العشرات من السنين، ويبقى خلالها السوريون في أروقة الانتظار ينتظرون المساعدات.

الهدوء الذي تشهده سوريا حاليا، يبعث على الريبة، أكثر مما يبعث على الاطمئنان. وعدم وجود أخبار، ليس بالضرورة خبرا جيدا لجميع الأطراف في سوريا

أمام السوريين خياران، إما الانتظار ومواجهة مصير مجهول، قد ينتهي بتكريس الانقسام القائم وتفتيت سوريا إلى أجزاء، أو استغلال فرصة المواجهة بين الكبار لإعادة ترتيب البيت من الداخل، دون شروط مسبقة، واتباع سياسة عفا الله عما مضى.

قد يوفر خروج موسكو وطهران وبكين منتصرة الحماية للنظام في سوريا. ولكن، إن حصل، لن تكون حماية مجانية دون ثمن. أما إن عادت المعارضة إلى سوريا بحماية أميركية لتحكم، لن تجد ما تحكمه سوى الخراب واقتصاد منهار.

عشر سنوات من الصراع كانت كافية لتدمير سوريا والعودة بها إلى الوراء مئة عام. وإن استطاع السوريون مسامحة أنفسهم على خطايا ارتكبوها، فإن الأجيال القادمة لن تغفر لهم خطاياهم.

خلال العامين الماضيين، وفي غفلة عن حكومات المنطقة، تحررت الشعوب من وهم الأيديولوجيا والشعارات الكبيرة. الجائحة ورياح الثورة التكنولوجية الرابعة أثبتت للجميع أن الاقتصاد حق، وأن القادم أصعب.

أول ما يجب على السوريين عمله هو الكف عن تصيد الأخطاء، ورمي بعضهم البعض بالحجارة، فليس بينهم من يستطيع الادعاء أنه بلا خطيئة.

لا شيء يحول اليوم بين السوريين وتطبيق أول درس من دروس الدبلوماسية: لا عدو دائما ولا صديق دائما. كل ما عليهم هو إعادة ترتيب الخصوم والأصدقاء لتحقيق المصالحة في الداخل ومع دول الجوار.

العرب
فعلتها أنقرة، التي يحاول رئيسها رجب طيب أردوغان أن يدور على عقبيه 180 درجة، فلماذا لا تفعلها دمشق؟