تستمر الأزمة السياسية العراقية وتأخذ أبعاد أكثر خطورة عندما تتغلب المصالح الحزبية والمنافع الفئوية على حساب قضية الشعب العراقي في الاستقرار السياسي وتشكيل الحكومة القادمة التي ينتظرها المواطنين لكي يجدوا مجالا للتخلص من المعاناة التي يكابدونها والمشاكل التي يعيشونها ونظرتهم إلى تحسين أوضاعهم المعاشية والعيش بامان في مجتمع يسوده الأمن والاستقرار وروح التفاؤل والنظرة للمستقبل الواعد بعد معاناة من عدة أزمات اقتصادية واجتماعية أصبحت عنوان للمشهد العام في العراق واخذت تشكل عبئا كبيرا لعدم وجود آفاق رحبة ونظرة مستقبلية وحلول جذرية لتلافيها وتحديد مسارات لاتفاق سياسي بين الفرقاء العراقيين وتوحيد الرؤى الميدانية بتفاعل حقيقي يضمن حقوق الشعب العراقي وحقه في العيش بسلام بعد انتظار دام 130يوم على الانتخابات العراقية التي جرت في العاشر من تشرين الاول عام 2021 .
اخذت التوازنات السياسية العراقية صور مختلفة وابعاد عديدة تمثلت في سعي الجميع إلى إثبات حضوره في المجتمع العراقي، ولهذا بادرت العديد من القيادات السياسية إلى تقديم مبادرات واعلان اتفاقيات وعرضها على الراي العام أكدت حقيقة الأوضاع القائمة في البلاد والعمل بصورة إيجابية للخروج من الأزمة السياسية والحواجز الميدانية بسبب الخلافات بين قيادات الأحزاب والكتل السياسية ووصلت إلى مواجهات علنية وتغريدات اعلامية افصحت عن الخلاف في الآراء لدى جميع الأطراف المشاركة في العملية السياسية.
جاء الاعلان عن الإتفاق السياسي بين قيادة التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني بتاريخ 11شباط 2022 ليعطي صورة لمستقبل سياسي بمعطيات ميدانية حول تشكيل الحكومة القادمة والمهام الموكلة لها تضمن العديد من الفقرات أهمها تشكيل حكومة وطنية للانقاذ والتغيير تؤمن بأهداف الشعب العراقي وتسعى لتأمين حقوقه والحفاظ على كرامته بعيدا عن أساليب المحاصصة السياسية والطائفية التي عانى منها العراقيون طيلة عقدين من الزمن شهد تشكيل سبع حكومات لم تتمكن من تحقيق الحد الأدنى من المتطلبات الشعبية والتنمية الاجتماعية والنمو الاقتصادي، وجاء الاتفاق برؤية دقيقة حول معالجة بعض الفقرات الواردة في دستور 2005 الذي أصبح لا يواكب مستجدات الواقع السياسي الذي وصل إلى مرحلة خرق الدستور في أكثر من مناسبة بسبب النصوص الدستورية التي لم تعد مناسبة للمرحلة الحالية ، كما جاء بتصريح السيد فائق زيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى أثناء زيارته لمحافظة نينوى بتاريخ 20شباط 2022 حول تعديل الدستور وتجنب الفراغ السياسي الدستوري ،وافصح الاتفاق عن مبدئية سياسية بمنع أي تدخل خارجي في قرارات الحكومة القادمة وهو إشارة ضمنية عن الإملاءات الإيرانية التي تتضمنها زيارات المسؤولين في قيادة فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني ومنع أي تدخلات دولية وإقليمية في الشأن العراقي، والاتفاق على توحيد الفصائل المسلحة التي تعمل خارج المؤسسة العسكرية العراقية ودمجها بالحشد الشعبي وتطهيرها من العناصر الغير منضبطة.
أثارت الثوابت التي أعلنها التيار الصدري والمتحالفين معه بعض الفرقاء السياسيين في الإطار التنسيقي لأنها اتت برؤية جديدة بعد أن كانت الساحة العراقية تشهد تشكيل حكومة توافقية بمحاصصة سياسية طائفية، وترى بعض القيادات السياسية في الإطار التنسيقي أن السيد مقتدى الصدر لا يزال متمسكا برؤيته حول التشكيل الحكومي ولم يتحقق أي تقدم في تغيير منهجه وهذا ما أبلغه للنظام الإيراني يوم 20شباط 2022 بثباته حول تشكيل حكومة أغلبية وطنية ولا ضير في مشاركة بعض الأحزاب السياسية ضمن الإطار التنسيقي واستبعاد شخصيات سياسية من الحكومة العراقية المقبلة يحرص النظام الإيراني على أن تكون جزءا منها .
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية