غاز وليس دما: كيف ساعدت ألمانيا موسكو على إنشاء نورد ستريم 2 وأضعفت أوكرانيا

غاز وليس دما: كيف ساعدت ألمانيا موسكو على إنشاء نورد ستريم 2 وأضعفت أوكرانيا

مشروع نورد ستريم 2 هو مثال لقدرة روسيا على اختراق الدولة الألمانية على مستويات مختلفة. الواجهة مؤسسة “بيئية” والفعل للمستشار السابق غيرهارد شرودر “صديق بوتين الشخصي”.

توماس إسكريت /سارة مارش

شويرين (ألمانيا) – تعتبر علاقات ولاية ميكلنبورغ فوربومرن في شمال ألمانيا، حيث ولدت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، مع روسيا عميقة. ويدافع قادتها عن مشروع الكرملين الذي تقول الولايات المتحدة إنه ساعد في شل أوكرانيا.

وتكمن القضية المطروحة في مشروع جديد لخط أنابيب الغاز علقته ألمانيا الثلاثاء في رد على قرار روسيا الاعتراف بمنطقتين منفصلتين في شرق أوكرانيا، قبل وقت قصير من غزوها لأوكرانيا ودفعِ أوروبا إلى حافة حرب كبرى.

وتعد ميكلنبورغ فوربومرن الجرف الأرضي لمشروع نورد ستريم 2، الذي يتجاوز الدول السوفيتية السابقة، ويمر عبر بحر البلطيق. ولطالما جادلت الولايات المتحدة بأن هذا الخط قادر على أن يضعف أوكرانيا. بينما أصرت ألمانيا وروسيا على أن المشروع تجاري محض. ومع ذلك، فرضت واشنطن في 2019 عقوبات على بعض الشركات والأفراد الذين كانوا يساعدون في بنائه. حيث يبقى الحفاظ على الخط قائما أداة روسية لدعم العدوان على أوكرانيا.

وفي يناير الماضي اتخذت رئيسة وزراء الولاية الفيدرالية مانويلا شويسيغ إجراءات لدعم المشروع الروسي. وصوت برلمان الولاية على إنشاء مؤسسة خاصة حدد ميثاقها أنها تستطيع توفير الأراضي وحشد الأدوات والآلات وإدارتها وامتلاكها وتوفيرها أو السماح لها بالمساعدة في إنجاز خط الأنابيب.

المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر شخصية محورية في تسهيل عمل الروس بحرية في ألمانيا

وقالت شويسيغ للصحافيين في يناير 2021 إنه من الصواب بناء خط الأنابيب. وأكدت أن “لا أحد يعمل على بناء خط الأنابيب يرتكب أي خطأ”. وأضافت أن “الذين يحاولون وقف خط الأنابيب هم المخطئون”.

ومن شأن نورد ستريم 2 أن يضاعف كمية الغاز التي يمكن لروسيا ضخها مباشرة إلى ألمانيا، أكبر عملائها للغاز، ويجعل ألمانيا وأوروبا أقل عرضة لتعطل الإمدادات الناجم عن النزاعات بين روسيا وأوكرانيا، ويجلب فوائد اقتصادية إلى ميكلنبورغ فوربومرن، وهي منطقة محرومة نسبيا.

ولكن مع تصعيد روسيا لضغوطها على أوكرانيا هذا العام، انتشرت التساؤلات حول المؤسسة، التي تسمى كليما أوند أومويلتشوتز إم.في (مؤسسة حماية المناخ والبيئة). ولم تكشف عمّن يدير عملية خرق العقوبات لكنها حددت أن الشخص عينته شركة نورد ستريم 2 أي.جي وهي شركة مملوكة لشركة غازبروم باو التي تسيطر عليها الدولة الروسية بالكامل.

وردا على سؤال حول هوية المسؤول، لم ترد شركة نورد ستريم 2 أي.جي التي تتخذ من سويسرا مقرا لها. ولم ترد غازبروم على طلب التعليق.

وقال مدقق حسابات الدولة لرويترز في التاسع من فبراير إنه قلق من أن ميكلنبورغ فوربومرن قد تخلت عن السيطرة على أصول المؤسسة إلى حد كبير. وقال المتحدث سيباستيان جان في مقابلة هاتفية إن هذا يعني أنه لا يوجد ضمان بأن المؤسسة ستعمل دائما لخدمة المصلحة العامة.

وقالت المؤسسة الأربعاء إنها ستتوقف عن المساعدة في مشروع خط الأنابيب، لكنها امتنعت عن الإفصاح عما فعلته للمساعدة حتى الآن. وفي مراجعة للسنة الأولى على موقعها على الإنترنت، قالت إنه لإكمال خط الأنابيب “يجب مواجهة تهديدات الولايات المتحدة غير القانونية بمجموعة واسعة من الإجراءات، والتي لا يمكن جعل موضوعها علنيا لأسباب واضحة”.

مناطق شمال ألمانيا المحرومة ترى نفسها منطقة تواصل وتجارة طبيعية مع روسيا

كما تظهر السجلات العامة أن المؤسسة اشترت سفينة دخلت إلى بحر البلطيق في يوليو الماضي والتي قال تقرير وزارة الخارجية الأميركية إلى الكونغرس في نوفمبر الماضي إنها شاركت في أنشطة مد الأنابيب التابعة لنورد ستريم 2 أو مشروع آخر خاضع للعقوبات. وقال رئيس المؤسسة إروين سيلرينغ لمحطة “إن.دي.آر” الألمانية الأربعاء “لقد فعلنا ما هو ضروري، وقد اكتمل خط الأنابيب عمليا”، مضيفا أن هذا يتضمن مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على تأدية عملها.

ومع استمرار روسيا في الضغط على أوكرانيا، تتزايد تساؤلات أخرى حول الروابط بين خط الأنابيب والحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا وموسكو.

ويُذكر أن شويسيغ تبقى عضوا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يدعو تقليديا إلى التقارب مع روسيا، مثلها مثل غيرهارد شرودر، المستشار السابق الذي وصف نفسه بأنه صديق بوتين الشخصي. وكان أحد آخر أعمال شرودر في منصبه في 2005 هو التوقيع على صفقة إنشاء مشروع نورد ستريم 2. ثم أصبح رئيس مجلس إدارة الشركة التي تقف من ورائه. وكان الكرسي الذي شغله الأول من بين عدة مناصب إدارية تمتع بها في شركات الطاقة الروسية. وأصبحت معارضة ضغوط شرودر الآن أكثر سخونة في جميع أنحاء ألمانيا.

وفي 2019 رفض شولتس العقوبات الأميركية باعتبارها تدخلا في شؤون ألمانيا. لكنه قرر وقف التصديق على خط الأنابيب بعد أن اعترفت روسيا رسميا بالمنطقتين الانفصاليتين. لكن بعض المحللين يقولون إن الضرر الذي لحق بألمانيا قد حدث بالفعل.

وقال مارسيل ديرسوس، الزميل غير المقيم في معهد السياسة الأمنية بجامعة كيل، إن “روسيا نجحت في استغلال المصالح الشخصية لشخصيات سياسية ألمانية بارزة ضد برلين. ويشكل كل هذا خطورة مضاعفة على ألمانيا، فهو يسمح لقوة أجنبية معادية بالتأثير في صنع القرار ويثير تساؤلات حول مصداقية ألمانيا بين حلفاء البلاد”.

تم تمويل المؤسسة بـ200 ألف يورو (227 ألف دولار) قدمتها ميكلنبورغ فوربومرن، بالإضافة إلى 20 مليون يورو من نورد ستريم 2. وقالت إن هدفها الأساسي يكمن في العمل ضد تغير المناخ، بحجة أنه على الرغم من أن الغاز يعتبر وقودا أحفوريا، إلا أنه ضروري كبديل نظيف للفحم حتى تتمكن ألمانيا من إدارة الطاقة المتجددة.

ووعدت بشجرة مجانية و500 يورو لكل روضة أطفال في الولاية، وقالت إن هدفها الثانوي هو التأكد من اكتمال خط أنابيب نورد ستريم 2 “بغض النظر عن الجهود الخارجية”. وعلى الرغم من أن نورد ستريم 2 كانت تشكل غالبية تمويل المؤسسة، إلا أن المؤسسة لن تكشف عن أي معلومات حول أنشطتها في التغلب على العقوبات الأميركية.

وقالت كريستين كلينغر، الرئيسة التنفيذية للمؤسسة في مقابلة هاتفية إن “الشفافية مهمة جدا بالنسبة إلينا”. لكنها أضافت في رسالة إلكترونية لاحقة أن المؤسسة ليست ملزمة بالرد على الطلبات بموجب قوانين حرية المعلومات الإقليمية.

وفي القانون الألماني يجب على المؤسسة أن تنفق كل ما تكسبه من رأس مالها على منفع عام. وتقول دويتشه أومويلتيلفي المدافعة عن البيئة إن المؤسسة كانت تنتهك هذا القانون. ورفعت المجموعة طعنا قانونيا ضد الكيان المذكور في مارس 2021، بحجة أنه يخدم مصالح نورد ستريم 2، وهي شركة خاصة، وليس الجمهور. ولا تزال هذه القضية مستمرة.

وقالت منظمة الشفافية الدولية إن المؤسسة ربما تكون قد انتهكت تشريع مكافحة غسيل الأموال لأن هدفها المزعوم يختلف عن غرضها الفعلي وهو مساعدة نورد ستريم 2.

مع استمرار روسيا في الضغط على أوكرانيا، تتزايد تساؤلات أخرى حول الروابط بين خط الأنابيب والحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا وموسكو

وقال ستيفان أوم، الخبير المالي في منظمة الشفافية الدولية، إن “مجرد حقيقة أن المؤسسة التي من المفترض أن تكون مكرسة للمناخ وحماية البيئة (…) تدعم جهود شركة حكومية روسية لبناء خط أنابيب غاز وتجنب العقوبات الدولية أمر مشكوك فيه. لكن حقيقة أن المؤسسة تخفي من تستفيد منه في الواقع هو انتهاك محتمل لقوانين غسيل الأموال الألمانية والأوروبية”.

كما جادلت منظمة الشفافية الدولية بأن الآخرين الذين لهم تأثير على المؤسسة، مثل الرئيس التنفيذي لشركة غازبروم أليكسي ميلر والدولة الروسية، كان ينبغي إدراجهم ضمن معلومات المؤسسة في سجل الشفافية الوطني في ألمانيا.

ورفض رئيس المؤسسة ادعاءات منظمة الشفافية الدولية ووصفها بأنها “هراء تام” في مقابلته التلفزيونية، قائلا إنه ليس صحيحا أن الداعمين الماليين للمؤسسة كان لهم أي تأثير على أفعالها وأنه ببساطة لم يكن من الحكمة التعليق خطوة بخطوة عند “مناقشة القوة العالمية”.

وقال متحدث باسم الحكومة إن حكومة الولاية ليست مسؤولة عن إدراج الأسماء في سجل الشفافية، ورفض التعليق على ذلك.

ويرتبط ما لا يقل عن ثلاثة من كبار أعضاء الحزب الديمقراطي الاشتراكي ارتباطا وثيقا بالمؤسسة. وقال سيلرينغ لرويترز في وقت سابق من هذا الشهر إن الأزمة الأوكرانية تستخدم كذريعة من قبل “قوى كبيرة في الولايات المتحدة وألمانيا عارضت دائما خط الأنابيب”. ولم يرد أي من السياسيين على طلبات رويترز للتعليق يوم الأربعاء.

عندما علق المستشار شولتس العمل في مشروع نورد ستريم 2 ازداد الضغط عليه، حيث دعا سياسيون من المعارضة وحزب الديمقراطيين الأحرار العضة الأصغر في الائتلاف الذي يشكل الحكومة، إلى تجريد غيرهارد شرودر من امتيازاته كمستشار سابق، مثل المكتب والسيارة. وقال البعض إنه يجب عليه سداد أموال دافعي الضرائب التي أنفِقت في السنوات السابقة إذا كان من الممكن ربط إنفاقها بأي شكل من الأشكال بأنشطة الضغط التي يمارسها. وفي الأسبوع الماضي، وخلال اجتماع مع شولتس في الكرملين، أشاد بوتين به ونأى شولتس بنفسه عن المستشار السابق. وقال “إنه يتحدث عن نفسه وليس عن الحكومة”.

وفي ميكلنبورغ فوربومرن يبقى دعم نورد ستريم 2 واسع النطاق، بما في ذلك من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (حزب ميركل). ولم ترد ميركل التي انتقدت بوتين على طلب للتعليق.

وقال فرانز روبرت ليسكو، الزعيم البرلماني لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، إن سكان المنطقة تربطهم بروسيا علاقة مختلفة عن تلك الموجودة في ألمانيا الغربية. حيث يعتقد ما يزيد قليلا عن 70 في المئة من المشاركين في استطلاع أجراه معهد فورسا للبحوث الاجتماعية والتحليل الإحصائي في يناير 2021 لصالح صحيفة أوستسي تسايتونغ، أن خط الأنابيب سيكون مهما لإمدادات الطاقة في ألمانيا. وحسب استطلاع آخر أنه في شرق ألمانيا أيّد 74 في المئة خط الأنابيب العام الماضي. وبعد أن تحركت الولايات المتحدة لمعاقبة الخط، وجد استطلاع ثالث أن 24 في المئة من الألمان الشرقيين يعتقدون أن ألمانيا يجب أن ترد بفرض عقوبات مضادة.

إن روابط المنطقة بروسيا قديمة. فحتى في العصور الوسطى كانت مدن ساحل بحر البلطيق الألماني مرتبطة ارتباطا وثيقا بروسيا عن طريق البحر. ولسنوات عديدة، كان لموانئ بحر البلطيق في المنطقة طرق مباشرة للعبارات والشحن إلى الموانئ الروسية في سانت بطرسبرغ وكالينينغراد. وكان ميناء موكران البحري، وهو آخر مشروع كبير للبنية التحتية لحكومة ألمانيا الشرقية، والذي انطلق في 1982، يهدف إلى إنشاء رابط تجاري مباشر مع روسيا متجاوزا بولندا. وقال متحدث باسم موكران لرويترز إنه “بعد حرمانه من الغرض منه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لعب دورا مهما في بناء خط أنابيب سابق واستخدم كمكان لتخزين المواد قبل شحنها لوضع أسس نورد ستريم 2”.

وبالنسبة إلى تورستن كوبلين، الرئيس الإقليمي لحزب دي لينك اليساري المتشدد والذي خلف الحزب الشيوعي لألمانيا الشرقية، يتجاوز الارتباط الروسي المكاسب الاقتصادية. وقال إن السكان المحليين يرون أن نورد ستريم 2 يمثل فرصة للحفاظ على السلام.

وفي الشارع القريب من المؤسسة ردد عامل المكتب رولاند بنتلر هذا الرأي. وتساءل عما إذا كان تجميد خط الأنابيب “هو بالفعل القرار الأكثر إلحاحا” الذي يتعين على الحكومة الألمانية اتخاذه في أزمة أوكرانيا. وأضاف “ستتصلب المواقف، لكنني آمل أن ينتصر العقل في النهاية وأن الغاز سيتدفق وليس الدم”.

العرب