كييف – يجد أكثر من عشرة آلاف طالب عربي فروا من الأزمات التي تشهدها بلدانهم أنفسهم عالقين في أوكرانيا على وقع الغزو الروسي، فيما تمثل إعادتهم إلى أوطانهم معضلة لحكوماتهم التي يفتقر بعضها إلى تمثيل دبلوماسي في كييف.
ويحاول الطالب اللبناني سمير عطالله (25 عاماً) مغادرة أوكرانيا لكن محاولاته لم تثمر بعد، شأنه في ذلك شأن نحو 750 طالبا لبنانيا عالقين في مدن أوكرانية عدّة، من إجمالي 1300 كانوا موجودين قبل بدء الأزمة.
ويقول عطالله لوكالة فرانس برس في رسائل صوتية على تطبيق واتساب قبل وقت قصير من مغادرة خاركيف إلى منطقة أخرى “تركت لبنان قبل شهر ونصف الشهر جراء الانهيار الاقتصادي بعدما ادخرت مالا وبعت سيارتي من أجل الدراسة هنا (…) وإذ بالحرب بدأت”.
ويوضح “نحاول التواصل مع السفارة اللبنانية وملأنا استمارة على موقعها” من دون جدوى.
المغاربة والمصريون يشكلون أغلبية الطلاب الذين توجهوا إلى أوكرانيا هرباً من نزاعات أو أزمات اقتصادية في بلدانهم
وعلى غرار آخرين يناشد عطالله السلطات اللبنانية التدخّل لتأمين حافلات تقلّهم إلى الحدود مع بولندا أو رومانيا في ظل تعذّر استخدام وسائل النقل العام المعطلة أو المكتظة.
وتحدّث علي شريم، رئيس الجالية اللبنانية في أوكرانيا ومالك مطعم في كييف، عن معاناة الطلاب اللبنانيين وبينهم شابات “يبتن في محطات المترو”.
ويروي لوكالة فرانس برس بالهاتف أنّه “أرسل إليهن الطعام لأنه غير قادر على إيوائهن”، لافتاً إلى وجود طلاب في العشرينات “لا يتكلمون اللغة الأوكرانية ولا الروسية”.
وفي بيروت نصح وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب اللبنانيين في أوكرانيا “بالبقاء في أماكن آمنة إلى حين جلاء الأمور” جراء “عدم وجود ممرات آمنة” لمغادرتهم. وكلّفت الخارجية هيئة “إجلاء” اللبنانيين الذين “لجأوا إلى بولندا ورومانيا جوا في موعد يحدد لاحقاً”.
ورغم وجوده في مدينة في غرب أوكرانيا قريبة من الحدود الرومانية لم يتمكن الطالب العراقي علي محمّد (25 عاماً) الذي كان يأمل في التخرج هذا العام في اختصاص الهندسة من المغادرة. وذهبت سدى العشرات من الاتصالات التي يجريها يومياً بسفارة بلاده.
ويقول لفرانس برس من مدينة تشيرنفتسي “غادرت العراق حتى أغيّر نمط الحياة التي عشتها من حرب وتعب ومشاكل”، لكنه يجد نفسه اليوم يعيش السيناريو ذاته ويرى “الخوف ذاته” في عيون الناس والأطفال.
ويضيف “ننتظر الفرج”، موضحاً أن الطلاب العراقيين والسوريين هم أكثر من يواجهون صعوبات في العودة إلى بلدانهم.
وبحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية أحمد الصحاف، هناك 5537 عراقيا في أوكرانيا بينهم 450 طالبا يتوزعون على 37 جامعة.
وفي مدينة خاركيف أيضاً، تقطّعت السبل بالطالب المصري في اختصاص الصيدلة سعد أبوسعدة (25 عاماً) الذي لم يتمكن وعدد من مواطنيه من مغادرة السكن الجامعي، رغم رحيل العشرات من الطلاب الأجانب القاطنين فيه التزاما بتعليمات سفارات بلادهم.
ويوضح لوكالة فرانس برس “لم تفعل السفارة شيئا بعد، نحن أربعة مصريين (…) أصدقاؤنا جميعهم تركونا وغادروا”.
وكانت سفارة مصر التي يقيم ستة آلاف من رعاياها في أوكرانيا، أكثر من نصفهم طلاب مسجلون بغالبيتهم في خاركيف، أعلنت على فيسبوك أنها تنسّق لإجلاء مواطنيها إلى رومانيا وبولندا.
وتبذل دول عربية أخرى جهودا لإجلاء مواطنيها. فدعا المغرب رعاياه إلى التوجّه نحو نقاط حدودية مع رومانيا والمجر وسلوفاكيا وبولندا. وتعتزم تونس، التي لا تمتلك تمثيلاً دبلوماسياً في أوكرانيا، إرسال طائرات إلى بولندا ورومانيا لإجلاء من يرغب من رعاياها البالغ عددهم 1700، ثمانون في المئة منهم طلاب.
وقال مسؤول الشؤون الخارجية محمّد الطرابلسي لوكالة فرانس برس “سنبدأ عملياتنا بمجرد الانتهاء من قائمة التونسيين الذين يرغبون في العودة”، مشيرا إلى التواصل مع الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي للمساعدة في إجلائهم برا.
وحدّدت ليبيا، وفق سفارتها، نقاط تجمع في أوكرانيا لرعاياها البالغ عددهم ثلاثة آلاف شخص، على أن يتمّ إجلاؤهم إلى سلوفاكيا.
وشكّلت الجزائر التي تربطها بروسيا اتفاقيات عسكرية استثناء، إذ لم تدع نحو ألف طالب في أوكرانيا إلى مغادرة البلاد، لكنها حثتهم على “توخي الحذر الشديد وعدم مغادرة منازلهم إلا في حالات الطوارئ”.
ويقصد طلاب من دول عربية عدة أوكرانيا سنويا لمتابعة تحصيلهم الجامعي خصوصا في اختصاصي الطب والهندسة نظراً إلى سهولة الحصول على تأشيرات دخول إلى هذا البلد. ويشكل المغاربة مع المصريين المكون الأساسي من الطلاب العرب الذين توجهوا إليها هربا من نزاعات أو أزمات اقتصادية في بلدانهم.
وأمام مقر وزارة الخارجية في الرباط تجمّعت عائلات عدة الجمعة مبدية قلقها إزاء مصير أبنائها. ويقطن 12 ألف مغربي بينهم ثمانية آلاف طالب في أوكرانيا التي غادرها ثلاثة آلاف منهم قبل الهجوم الروسي الخميس ولاسيما في رحلات جوية خاصة، وفق وزارة الخارجية المغربية.
وسيقوم المغرب الأربعاء بتسيير رحلات خاصة لمواطنيه من الدول المجاورة لأوكرانيا إلى الدار البيضاء بسعر ثابت قدره 750 درهما (70 يورو)، بحسب وزارة الخارجية.
ومن بين هؤلاء الطالبة في اختصاص الصيدلة نسيمة أقتيد (20 عاماً) التي لم تجد وسيلة للخروج من مدينة خاركيف ثاني مدن أوكرانيا وحيث دارت الأحد معارك في الشوارع بين قوات كييف وموسكو ويلازم السكان منازلهم.
وتقول لوكالة فرانس برس “فكّرت في مغادرة المدينة لكن الأمر مستحيل، فالحدود الأقرب إلينا هي الحدود مع روسيا” التي دخلت قواتها المدينة ليلاً.
وفي جنوب أوكرانيا تمكّنت الطالبة في طب الأسنان رانيا عوكرفي (23 عاماً) من مغادرة مدينة زابوريجيا إلى مولدافيا الخميس بعيد بدء الهجوم الروسي.
العرب