أثار موقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من الأزمة الأوكرانية – الروسية جدلا واسعا، خصوصا وأنه تضمن هجوما حادا على موسكو، وسط تكهنات بأن هذا الموقف لا يخلو من حسابات سياسية لما يحمله من إشارات مبطنة إلى الولايات المتحدة.
بغداد – وجه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الجمعة انتقادات حادة للتدخل الروسي في أوكرانيا، محملا في الآن ذاته الولايات المتحدة جانبا من المسؤولية عن الأزمة المتفجرة منذ الرابع والعشرين من الشهر الماضي، والتي لا يمكن التكهن بمآلاتها ليس فقط بالنسبة إلى المعنيين المباشرين، بل وأيضا في ما يتعلق بالنظام الدولي ككل.
ويثير موقف الصدر الكثير من التساؤلات حول ما إذا كان نابعا من رغبة في التزام جانب الحياد أو أن موقفه الذي تضمن هجوما قاسيا على موسكو ينطوي على إشارات مبطنة موجهة للولايات المتحدة.
وقال الصدر في بيان تلاه نيابة عنه الشيخ مهند الموسوي خلال خطبة صلاة الجمعة في مسجد الكوفة “أدعو القوات الروسية إلى مراجعة قرارها بالحرب والعمل الجِدِّي للحوار مع جارتها أوكرانيا، فالحوار والعقل صفتان محمودتان عند كل الأديان والأنبياء”.
وأضاف الزعيم الشيعي الذي تصدر تياره نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في العراق “إن أوكرانيا ترزح تحت السلاح الروسي الفتاك بسبب مباشر، وتعاني الويلات بسبب السياسة الأميركية هناك، ومن هنا نرفع أيدينا بالدعاء أن يجنّب الجميع ويلات الحروب وأن يمُنّ عليهم بالأمن والسلام”.
تصريحات الصدر والمفردات التي استخدمها في بيانه تنطوي على موقف يميل أكثر إلى المعسكر “الغربي”
وأكد الصدر أن “ما يحدث في أوكرانيا من معاناة للشعب والمدنيين يندى له جبين الإنسانية”. وقال “لا بد لصوت النجف الأشرف أن يعلو مُدَوّيا ليطالب بالسلام في ربوع العالم أجمع، وكفى حربا ودماء وأن يترك السلاح جانبا”.
ويتناقض موقف الصدر مع مواقف القوى والميليشيات الموالية لإيران في العراق، والتي لا تخفي حماستها للتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
وذهب أنصار هذه القوى إلى حد نصب صورة كبيرة للرئيس الروسي في قلب العاصمة بغداد، تعبيرا عن دعمهم لموسكو، الأمر الذي أثار جدلا واسعا في صفوف العراقيين بين مندد ومؤيد.
وحملت صورة بوتين عبارة بالإنجليزية مفادها “نحن ندعم روسيا”، وبتوقيع “أصدقاء الرئيس” بالعربية، في إشارة إلى تأييدهم المطلق للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
ويقول أنصار التيار الصدري إن موقف زعيمهم من الأزمة الأوكرانية يعكس مقاربة مختلفة عن تلك التي يتبناها باقي الطيف العراقي لاسيما الموالي لإيران، مشيرين إلى أن الصدر يروج لسياسة قائمة على تحييد العراق والنأي به عن الصراعات الإقليمية والدولية، وهو ما يظهر بشكل واضح في الشعار الذي يرفعه للحكومة المستقبلية التي يعتزم تشكيلها والذي يقول “حكومة لا شرقية ولا غربية” في إشارة إلى واشنطن وطهران.
ويضيف هؤلاء أن الصدر كما بعض القوى والمسؤولين العراقيين وفي مقدمتهم الرئيس برهم صالح يرون أن الاصطفافات أضرت بشكل كبير بالشعب العراقي، وأنه حان الوقت لتبني سياسة محادية يكون فيها العراق قريبا من الجميع، ومن موقع الند للند.
وفي المقابل يعتبر مراقبون أن تصريحات الصدر والمفردات التي استخدمها من قبيل “السلاح الروسي الفتاك” وأن “ما يحدث في أوكرانيا يندى له الجبين” تنطوي على موقف يميل أكثر إلى المعسكر “الغربي” الذي تقوده واشنطن.
ويشير المراقبون إلى أن الصدر أطلق في الأشهر الأخيرة التي أعقبت الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من أكتوبر الماضي سلسلة تصريحات عدت “مهادنة” لواشنطن، وأعرب في أكثر من مناسبة عن استعداده للتعامل معها، وهذا يتناقض وموقفه السابق الذي كان يصنف الولايات المتحدة في خانة الأعداء وقد حاربها لسنوات طويلة عبر ذراعه العسكرية “ميليشيا المهدي”.
مقتدى الصدر: أدعو القوات الروسية إلى مراجعة قرارها بالحرب والعمل الجِدِّي للحوار مع جارتها أوكرانيا
ويقول هؤلاء إن التقلبات في المواقف إحدى السمات البارزة للزعيم الشيعي وبالتالي فإنه من غير المستبعد أن يتحول الصدر من أحد ألد أعداء الولايات المتحدة في العراق إلى حليف، خصوصا وأن الصدر في حاجة لدعم قوة خارجية وازنة في مسعاه لإدارة دفة البلاد وخلق نوع من التوازن في مواجهة خصومه السياسيين الموالين لإيران.
وكانت وسائل إعلام أميركية اعتبرت أن فوز التيار الصدري بالانتخابات التشريعية يصب في صالح الأجندة الأميركية.
وكتبت مجلة “فورين بوليسي” أن عداء الصدر للولايات المتحدة الذي لا شك فيه أكسبه سمعة سيئة لدى الأميركيين في السنوات التي أعقبت غزو العراق عام 2003، حيث أطلق العنان للميليشيات التابعة له لاستهداف القوات الأميركية في العراق، لكن ينبغي أن تكون الإدارة الأميركية سعيدة اليوم بالمكانة الجديدة التي حازها الصدر كزعيم وطني عراقي.
وأوضحت المجلة الأميركية بأنه رغم الأسئلة العديدة حول ما يمكن تحقيقه من أجندة الصدر، فإن الحقيقة التي لا جدال فيها أن الصدر برز بصفته الزعيم السياسي الوحيد في العراق الذي يتمتع بشعبية كافية للدفع نحو التغييرات التي تحتاجها البلاد، بما في ذلك احتواء الميليشيات المدعومة من قبل إيران. وانطلاقا من ذلك، فإن صعود الصدر يخدم المصالح الأميركية.
واعتبرت أن الصدر ليس رجل الولايات المتحدة في العراق، لكنه أيضا ليس رجل إيران، ويتقاطع طموحه لاحتواء إيران مع طموح الولايات المتحدة وحلفائها للحد من نفوذ طهران في المنطقة.
وطرح الصدر في وقت سابق خطة لحل الميليشيات الموالية لإيران وإعادة هيكلة الحشد الشعبي، تسببت في جدل كبير وأثر قلق طهران التي حرص مسؤولوها خلال لقاءاتهم مع زعيم التيار الصدري على حثه على التراجع عن هذا المشروع “باعتباره يصب في صالح الأعداء”.
العرب