لوحظت عناصر تشابه كثيرة بين المسألتين السورية والأوكرانية، ومنها أن استراتيجيات الغزو الروسيّ لأوكرانيا، العسكرية منها والسياسية، تكاد تتطابق مع الاستراتيجيات التي مارستها القوات الروسية على الأرض السورية منذ التدخل الروسي عام 2015 حتى الآن.
استعاد السوريون صور الحصار والقصف الروسي، وتعاطف أغلبهم مع الأوكرانيين، واستقبل بعضهم أشرطة فيديو ومقاطع صادرة عن نشطاء وحسابات أوكرانية أو عالمية على وسائل التواصل الاجتماعي، تؤكد للسوريين مقتل ضابط كبير أو طيار روسيّ في أوكرانيا كان مشاركا في العمليات الحربية في سوريا.
ردود فعل النظام السوري، الذي ساهم التدخّل الروسي في منعه من السقوط، تجاوزت المعقول سياسيا، بدءا من إعلان فيصل المقداد، من موسكو، تأييد “العملية الخاصة” الروسية، مرورا باعتراف رئيس النظام بشار الأسد بـ”جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك”، ثم قيام مؤسسات الأمن بتسيير مظاهرات تأييد لبوتين وعقوبات لمن لا يشارك فيها، وإعلان بعض جهات “الدفاع الشعبي” استعدادها للقتال بجانب روسيا في أوكرانيا، وصولا إلى إعلان رياض حداد، سفير النظام في موسكو، أن “أوكرانيا ستتحول إلى إدلب كبيرة”.
كان ملفتا، ضمن الأنباء الواصلة من جبهات الحرب الأوكرانية الكشف عن مشاركة جنرالات روس كبار كانوا في سوريا، ومنهم الجنرال أندريه سوكوفيتسكي، نائب قائد الجيش الحادي والأربعين للقوات المشتركة، الذي قتل الشهر الحالي، والجنرال فيتالي غيراسيموف، الذي أعلنت كييف مقتله أيضا.
كما في سوريا، التي تعرضت مدنها وبلداتها في حلب وإدلب لغارات روسية استهدفت المدارس والمشافي والأسواق، تستخدم روسيا حاليا استراتيجية حصار المدن، واستهداف البنى التحتية والمرافق الخدمية والصحية (التي كان آخرها مشفى ماريوبول للتوليد) بقصف جوي ومدفعي ومنع إدخال المساعدات الإنسانية لدفع القوات المقاومة في تلك المناطق للمغادرة، وكذلك لترويع المدنيين وجعل حياتهم مستحيلة، ثم تفعيل “ممرّات آمنة” لإجلاء المدنيين، واستهدافها أحيانا، لتعميم الفوضى والرعب واليأس.
كانت سوريا، عمليا، حقل الرماية والتدريب على حصار المدن وترويع المدنيين وتجربة منظوماتها العسكرية، فحسب وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، فإن الجيش الروسي “اختبر جميع الأسلحة الروسية في سوريا”، وأن “جميع قادة الأفواج وقادة الفرق والجيوش وكل قادة المناطق وكل رؤساء الأركان والخدمات، شاركوا في معارك سوريا”، وحسب قناة “زفيزدا” الروسية فإن الجيش الروسي اختبر 359 سلاحا حديثا في سوريا ضمن ظروف قتالية، وأن بعضها “اكتسب شهرة عالمية بفضل جودته”!
استنسخ الجيش الروسي، بهذا المعنى، الهجمات التي نفذها في إدلب والحسكة والرقة والقنيطرة واللاذقية وريف دمشق وحمص وحماه بالهجمات الجارية اليوم في إيزيوم وبتروفسكي وهروتشوفاكا وسومي وأختيركا وخاركيف وماريوبول، من دون أن يغيّر في الأمر شيئا أن سلطات الكرملين كانت تبرر تدخلها في سوريا بدعم “نظام شرعي” وأن تدخّلها في أوكرانيا يحاول احتلال بلد وإسقاط نظام ديمقراطي وحكومة منتخبة.
أدت العمليات الحربية الروسية في سوريا منذ تدخلها في 30 أيلول/سبتمبر 2015 حتى الآن، حسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، إلى مقتل 6910 مدنيين بينهم 2030 طفلا، وسجلت 1231 حادثة اعتداء على مراكز حيوية، بينما وثق مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حتى يوم الأربعاء الماضي، مقتل 516 مدنيا بينهم 71 طفلا، لكن المكتب أعلن أنه يتوقع أن تكون الأرقام الحقيقية “أعلى بكثير”.
إلى الفرق بين أسباب التدخّل، ووجود اختلافات عديدة سياسية وعسكرية مهمة (منها أن القوات البرية الروسية تشارك في العمليات الأوكرانية)، فالأغلب أن قرار بوتين باجتياح أوكرانيا ما كان سيحصل لو لم تتواطأ المنظومة الدولية مع تدخّله في سوريا، وما لم يقم جيشه بتجريب أسلحته في أجساد السوريين.
القدس العربي