قالت مصادر مالية وقانونية إن أثرياء من روسيا يحاولون تحويل ثرواتهم من أوروبا إلى دبي، لحمايتها من موجة متصاعدة من العقوبات الغربية على روسيا بسبب حربها على أوكرانيا.
فمنذ فترة طويلة تعتبر دبي (مركز المال والأعمال في الخليج) منطقة جذب لأغنى أثرياء العالم، كما أن رفض الإمارات الانحياز -سواء للحلفاء الغربيين أو لموسكو في حربها على أوكرانيا- أوعز للروس أن أموالهم ستكون في أمان فيها.
ولم تفرض الإمارات -التي عززت علاقاتها مع روسيا على مر السنين- عقوبات مماثلة للعقوبات التي فرضتها الدول الغربية، كما أن بنكها المركزي لم يصدر حتى الآن أي توجيهات في ما يتعلق بالعقوبات الغربية.
وقال مصرفي كبير في أحد البنوك السويسرية الكبيرة الخاصة ومحام مطلع على الوضع إن أثرياء روسا يسعون في كثير من الحالات إلى تحويل أموالهم المودعة الآن في سويسرا ولندن إلى دبي، وقد فرضت سويسرا وبريطانيا عقوبات على أفراد ومؤسسات روسية.
وقال المحامي -الذي يعمل في دبي- إن شركته تلقت استفسارات من كيانات روسية حول مدى السرعة التي يمكن بها تحويل “مبالغ مالية كبيرة جدا” بمئات الملايين من الدولارات إلى الدولة الخليجية.
وقال خبير في إدارة الاستثمارات “الإمارات وسيط معقول، تبعد بضع ساعات بالطائرة ولا توجد فيها هيئة تنظيمية متواطئة بالكامل مع الهيئات التنظيمية الغربية”.
ولم يرد المكتب الإعلامي لحكومة دبي ووزارة الخارجية الإماراتية على الفور على استفسار عن حجم تدفق الأموال الروسية على دبي.
وقال المصرفي في البنك الخاص إن العملاء الروس ممن لهم حسابات في بنوك خاصة يفتحون في بعض الحالات حسابات بفروع بنوكهم في الإمارات، وإن آخرين يفتحون حسابات في بنوك محلية.
وقال مصدر مالي آخر إن الروس -الذين يواجهون اقتصادا متداعيا في الداخل- يتطلعون أيضا لضخ أموالهم في استثمارات، من بينها العقارات والصناديق التي لا تكشف أي معلومات عن الملكية.
ومنذ فترة طويلة أصبحت دبي وجهة تلقى إقبالا من الروس الذين كانوا من أبرز الزائرين للإمارة ومن أبرز مشتري العقارات فيها حتى قبل نشوب الحرب وما أعقبها من عقوبات زجت بالاقتصاد في حالة من الاضطراب ودفعت العملة الروسية للهبوط إلى مستويات قياسية.
وفي عام 2018 استحدثت الإمارات برنامج تأشيرة ذهبية يمنح حاملها إقامة لمدة 10 سنوات في البلد، وذلك للمستثمرين والمهنيين.
وقالت المصادر إن الأثرياء الروس رأوا علامة مطمئنة في قرار الإمارات الامتناع عن التصويت على قرار في مجلس الأمن الدولي لإدانة الحرب على أوكرانيا، وفي احتفاظ صناديق الثروة السيادية الخليجية باستثماراتها في روسيا.
ولا يوجد مؤشر على أن الثروات الروسية المتدفقة على دبي تخضع للعقوبات الغربية، غير أن المصرفيين قالوا إن ثمة خطرا أن يلحق ضرر بسمعة المؤسسات التي تستقبل الأموال الروسية، في وقت تعمل فيه المؤسسات متعددة الجنسيات في مختلف أنحاء العالم على قطع العلاقات مع موسكو.
وتسلك بعض البنوك الكبرى في الإمارات نهجا حذرا، فقد سبق أن تعرضت بنوك في الدولة لعقوبات في الماضي لعدم الالتزام بالعقوبات المفروضة على دول، منها إيران والسودان.
والأسبوع الماضي، وضعت مجموعة العمل المالي (فاتف) -التي تتولى مراقبة الجرائم المالية على المستوى العالمي- الإمارات على “قائمة رمادية” للولايات القضائية الخاضعة لمراقبة أشد.
وقال المحامي “ربما كان عليها (الإمارات) أن تتوخى قدرا من الحذر أكبر من المعتاد لوضعها على القائمة الرمادية، فآخر شيء تريده الآن هو أن تستخدم أوروبا ذلك سببا آخر لإبقائها على تلك القائمة”.
ولم يرد المكتب الإعلام لحكومة دبي ووزارة الخارجية الإماراتية على استفسارات في ما يتعلق بالإرشادات الموجهة إلى البنوك والأعمال حول كيفية الالتزام بالعقوبات السارية على روسيا، أو ما هي البروتوكولات المعمول بها إذا طلبت دول أخرى التحفظ على أي استثمارات خاضعة للعقوبات إذا كان لها وجود في الإمارات.
وقال مصدران مطلعان على الأمر إن المؤسسات في الإمارات ستعمل على زيادة التدقيق في أصول الأموال من خلال عملية التحقق المعروفة باسم “اعرف عميلك”.
وقال مصدر في أحد بنوك دبي إنه لا يتم قبول أموال من الروس من أجل إدارة الثروات، لكن باستطاعتهم فتح حسابات إيداع.
وأضاف “من حيث المبدأ يمكنهم أن يفعلوا ذلك”، غير أن البنك لديه ضوابط مشددة يتعين الالتزام بها لقبول أموال روسية، ومنها تقديم دليل على مصدر الأموال.
وقالت المصادر إن صناعة إدارة الثروات الخاصة الناشئة في الإمارات لم تصل بعد إلى النطاق أو التطور الذي يستوعب بالكامل ثروة مخبأة في سويسرا وغيرها من ملاذات الأموال التقليدية.
وقال الخبير في إدارة الاستثمارات “ربما يقبلون بعضها، لكني أرى أن من الصعب تخيل أنهم سيقبلونها كلها، ليس الأمر مجرد عنصر تقديم الخدمة، بل عملية إدارة الاستثمار التي تفتقر إليها معظم هذه البنوك”.
المصدر : رويترز