باريس – حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إثر قمة أوروبية في فرساي من أن أوروبا وأفريقيا “ستشهدان اضطرابا كبيرا على الصعيد الغذائي” في الأشهر الـ12 إلى الـ18 المقبلة بسبب الحرب في أوكرانيا.
ويأتي القلق الذي عبر عنه الرئيس الفرنسي مع قلق تبديه تقارير دولية بشأن دول أفريقية بينها مصر وتونس والجزائر من تهديد الأمن الغذائي خلال الأشهر القادمة في ظل التوقف المتوقع لتوريد القمح من أوكرانيا وروسيا، وكذلك ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية، ومحدودية قدرة الدول المعنية في الاستمرار بسياسة الدعم.
ويحذر مراقبون من أن صعوبة الحصول على إمدادات القمح خلال الأشهر القادمة بسبب الحرب في أوكرانيا قد تؤثر بشكل كبير على دول عربية كثيرة، وأن ذلك قد يقود إلى احتجاجات شبيهة بثورات الخبز.
ماكرون دعا لإعادة تقييم الإستراتيجية الإنتاجية للدفاع عن سيادة أوروبا الغذائية
وقال ماكرون “علينا أن نعيد تقييم استراتيجياتنا الإنتاجية للدفاع عن سيادتنا الغذائية كأوروبيين، وأيضا إعادة تقييم الاستراتيجية حيال أفريقيا، وإلا فإن دولا عدة في أفريقيا ستتضرر في الأشهر الـ12 إلى الـ18” المقبلة.
ويرى مراقبون أن تعبير ماكرون عن المخاوف من تأثيرات الأزمة العالمية على أوروبا يمثل إشارة قوية على أن أوضاع العالم وخاصة الدول الفقيرة ومحدودة الإمكانيات ستعاني مشاكل كثيرة في المستقبل، وهو ما أشار إليه تقرير معهد كييل الألماني للاقتصاد العالمي الجمعة وقبله بيوم تقرير للبنك الدولي.
وأشار تقرير معهد كييل إلى أن الدول الأفريقية قد تتعرض لأضرار جسيمة نتيجة استمرار وقف صادرات الحبوب الأوكرانية جراء الحرب.
وقال المعهد “من الممكن أن تلحق الحرب في أوكرانيا أضرارا جسيمة بإمدادات الحبوب المستخدمة في إنتاج الطعام بالدول الأفريقية، على نحو يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الغذاء إذا توقفت أوكرانيا عن توريد الحبوب”.
وأضاف المعهد “يزود البلد (أوكرانيا) دول شمال أفريقيا بشكل خاص بكميات كبيرة من الحبوب، والتي لا يمكن تعويضها من خلال مصادر إمداد أخرى حتى في الأمد الطويل.”
وتأثر مستوردو الحبوب على مستوى العالم بشدة من ارتفاع الأسعار، وبلغ القمح أعلى مستوياته منذ 14 عاما إثر التوقف المفاجئ للصادرات الأوكرانية والانخفاض الحاد في صادرات روسيا. وأدى الصراع إلى إغلاق موانئ تصدير الحبوب.
وتسهم روسيا وأوكرانيا بنحو 30 في المئة من صادرات القمح العالمية علاوة على كميات كبيرة من الأعلاف الحيوانية وزيوت الطعام. وانخفضت الشحنات بشكل كبير بسبب القتال.
وقال المعهد “بسبب الحرب، من المرجح أن تنعزل أوكرانيا مبدئيا عن الاقتصاد العالمي، مع انقطاع خطوط التجارة، وتدمير البنية التحتية واحتمال توجيه جميع عوامل الإنتاج المتبقية نحو اقتصاد الحرب”.
ومن بين البلدان الأشد تضررا تونس حيث سينخفض إجمالي وارداتها من القمح بأكثر من 15 في المئة، وستتراجع واردات مصر بنسبة تزيد عن 17 في المئة، بينما ستقل واردات جنوب أفريقيا بمعدل 7 في المئة.
وتستورد تونس 60 في المئة من القمح من أوكرانيا وروسيا. وذكرت وزارة الزّراعة التّونسية أنّ “حاجيات البلاد من الحبوب مؤمَّنة حتى نهاية مايو المقبل بالنسبة إلى القمح الصلب والشعير، وإلى نهاية يونيو بالنسبة إلى القمح الليّن”.
وستتعطل أيضا واردات الحبوب بشكل ملحوظ في الكاميرون والجزائر وليبيا وإثيوبيا وكينيا وأوغندا والمغرب وموزمبيق. واستضافت ألمانيا اجتماعا لوزراء الزراعة من دول مجموعة السبع الجمعة لبحث تبعات الصراع في أوكرانيا وتأثيره على الأمن الغذائي العالمي.
وقبل الاجتماع بيوم، حذرت كبيرة الاقتصاديين في البنك الدولي كارمن راينهارت من إمكانية أن يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء جرّاء التدخل الروسي في أوكرانيا إلى تفاقم المخاوف بشأن زيادة انعدام الأمن الغذائي في الشرق الأوسط وأفريقيا، الأمر الذي من شأنه أن يشعل فتيل اضطرابات اجتماعية في دولٍ بالمنطقتين المذكورتين.
وأكدت راينهارت أن الحرب في أوكرانيا تلقي بظلال ثقيلة على الشرق الأوسط وقارة أفريقيا، حيث بات شبح انعدام الأمن الغذائي يتهدد الكثير من الدول هناك.
ومن الممكن أن يؤدي الارتفاع المفاجئ في أسعار الغذاء إلى اضطرابات اجتماعية مثلما حدث في العامين 2007 و2008 وكذلك في العام 2011، حين ارتبطت اضطراباتٌ في أكثر من 40 دولة بارتفاع أسعار الغذاء العالمية.
ويقول معهد الشرق الأوسط للأبحاث إنه “إذا عطّلت الحرب إمدادات القمح” للعالم العربي الذي يعتمد بشدة على الواردات لتوفير غذائه “قد تؤدي الأزمة إلى تظاهرات جديدة وعدم استقرار في العديد من الدول”.
العرب