موسكو- بسبب قيام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان بحظر جميع المعاملات مع بنك روسيا، حُرم البنك من استخدام الاحتياطيات الدولية من العملات الأجنبية والذهب، ما دفعه لإصدار أمر لجهات الإيداع والمسجلين بتعليق تحويل المدفوعات على الأوراق المالية للمصدرين الروس إلى الأفراد والشركات الأجنبية.
وفي سياق الرد على العقوبات الغربية، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما ينص على دفع ديون العملات الأجنبية للدول “غير الصديقة” بالروبل، ووفقا للمرسوم، يمكن للمدينين (الشركات أو الدولة نفسها) فتح حساب في البنوك الروسية باسم دائن أجنبي وتحويل المدفوعات إليه بالروبل بسعر صرف البنك المركزي في يوم الدفع.
كما يمكن للدائنين من البلدان التي لم تفرض عقوبات الحصول على مدفوعات باليورو أو بالدولار إذا حصل المدين الروسي على إذن خاص لذلك.
وليس واضحا حتى اللحظة إلى أي حد ستساهم الإجراءات الجديدة في حل إشكالية الديون الخارجية للدولة، وكيف ستكون مفاعيلها على أرض الواقع.
ففي السادس من مارس/آذار الجاري، خفضت وكالتا “فيتش” (Fitch) و”موديز” (Moody’s) التصنيف السيادي لروسيا من الفئة “ب” (B) إلى الفئة “سي” (C) بخصوص التخلف عن السداد، ما يعني أن التخلف عن سداد الديون أمر لا مفر منه، وتتخوف الوكالة من أن روسيا قد لا تكون قادرة على سداد الديون الخارجية، وسيتم الاعتراف بها كدولة لا تفي بالتزاماتها المالية.
عود على بدء
وفي روسيا المعاصرة، حصل التخلف عن السداد مرة واحدة فقط، وذلك في عام 1998، عندما بدأت أزمة مالية خانقة نتيجة انخفاض سعر الروبل 3 مرات بحلول نهاية العام نفسه، بسبب رفض السلطات آنذاك دعم سعر الصرف.
وعندها، عانت البنوك الروسية التي اشترت السندات الحكومية قصيرة الأجل أكثر من غيرها، إذ تحملت نحو 45 مليار دولار من إجمالي الخسائر البالغة 96 مليار دولار للاقتصاد الروسي. وأعلنت العديد من البنوك الكبيرة إفلاسها، مما تسبب في خسارة السكان لأموالهم.
لكن الحكومة الروسية في الظروف الحالية قامت بعرض طريقة غير معتادة لمواجهة الموقف، وأعلنت أنه يمكن سداد ديونها بالعملة الأجنبية رغم العقوبات، لكنها في نفس الوقت، سمحت لنفسها وللشركات بالدفع بالروبل، موضحة أنه في هذه الحالة، سيتعين على المقرضين الأجانب أن يتفاوضوا بأنفسهم مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بخصوص تجميد الدولار أو اليورو من احتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي لروسيا الاتحادية.
وأكدت روسيا في العاشر من مارس/آذار الجاري خلال اجتماع عقده الرئيس مع أعضاء الحكومة، نيتها سداد ديونها الخارجية بالروبل لتقليل تداعيات العقوبات على الاقتصاد الروسي.
ووفقا لمداخلة لوزير المالية أنطون سيلوانوف خلال الاجتماع، فإنه سيتم لهذا الغرض إنشاء حسابات خاصة في البنوك المحلية للدائنين الأجانب، حيث ستحول الحكومة نفسها والشركات المدينة المدفوعات بالروبل بما يعادل قيمتها بالدولار واليورو.
وراء ستار الانتقام
ويعتقد الخبراء أن من شأن هذا الإجراء أن يجنب التعثر عن السداد ويقوي الروبل، وليس بسبب أن البلاد ليس لديها أموال، بقدر ما يتعلق الأمر بالعقوبات الغربية، والإجراءات الانتقامية من قبل الحكومة الروسية للحد من سحب رؤوس الأموال من البلاد.
وفي مقالة له، يؤكد الخبير الاقتصادي روبين ينكولوبوف بأن المقرضين والمستثمرين الأجانب هم من سيشعرون أكثر من غيرهم بالضربة. كما أنه لا توجد مخاطر إضافية على المواطنين الروس، فبرأيه، لا تواجه وزارة المالية أي مشاكل مع مدفوعات التمويل بالروبل، وعليه لن تعاني لا البنوك ولا المودعين جراء هذا القرار.
لكنه يشير مع ذلك إلى أن مداخيل ومستوى معيشة السكان ستتأثر، وقد تنخفض قيمة الروبل أكثر، ولكن ليس بسبب التخلف عن السداد، بل بسبب العقوبات.
وكانت صحيفة “فايننشال تايمز” (Financial Times) قدرت الخسائر المحتملة للمستثمرين الأجانب كنتيجة للعقوبات الغربية ضد روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا بـ170 مليار دولار من الأصول الروسية.
ويتعين على روسيا في 16 مارس/ آذار الجاري، دفع كوبونات بقيمة 117 مليون دولار على سندات عملات، وسيكون أمام روسيا 30 يوما لتحويل الأموال، في نهاية هذه الفترة -15 أبريل/نيسان المقبل- قد يحدث تخلف عن السداد، كما يحذر من ذلك محللون وخبراء اقتصاد.
زيادة في حجم الديون
وعموما، فقد زاد الدين الخارجي للبلاد بمقدار 11 مليار دولار (2.37%) العام الماضي وبلغ 478.2 مليار دولار، وفقا للبنك المركزي الروسي، الذي فسر ذلك بتأثر ديناميكيات المؤشر بنمو الدين الخارجي للنظام المصرفي، مقابل انخفاض الدين الخارجي للمؤسسات الحكومية والقطاعات الأخرى، على خلفية تراجع اهتمام المستثمرين العالميين بالأدوات المالية في بلدان الأسواق الناشئة.
والدين الخارجي هو المبلغ الإجمالي لديون الدولة والمقيمين فيها (مؤسسات، شركات، بنوك وكيانات تجارية أخرى) لدائنين أجانب غير مقيمين.
ومع ذلك، من الناحية النظرية، لا يزال من الممكن سداد الديون بالعملة الأجنبية، كما يقول في دراسة له المحلل الاقتصادي ألكسندر كودرين.
ويستند الخبير الاقتصادي في كلامه على إصدار وزارة الخزانة الأميركية في الثالث من مارس/آذار الجاري ترخيصا يسمح باستلام مدفوعات الديون على سندات اليوروبوند السيادية الروسية حتى 25 مايو/أيار المقبل، قبل أن تعلن وزارة المالية الروسية في السادس من مارس/آذار أنها ستفي بالتزاماتها وفقا للإجراءات المحددة في وثائق الإصدار، ما يعني، برأيه، أنه سيكون من الممكن إجراء جميع المدفوعات اللازمة بالعملة الأجنبية وتجنب التخلف عن السداد.
احتياطي الذهب
اعتبارا من الأول من يناير/كانون الثاني 2020، بلغ احتياطي روسيا من الذهب 2271 طنا، وتجاوزت الاحتياطيات الحد الأقصى لعام 2008، بينما سجل رقم قياسي في 21 مايو/أيار 2021 عندما بلغ احتياطي الذهب 600.9 مليار دولار.
علاوة على ذلك، قامت الدولة بتخزين 132 مليار دولار أخرى في الذهب في روسيا (ما يقرب من 74 مليون أونصة تروي)، وحوالي 30 مليار دولار في الاحتياطيات في صندوق النقد الدولي، وحقوق السحب الخاصة (وحدة حساب صندوق النقد الدولي)، وهذا الجزء من الاحتياطيات محمي عمليا من الحجب.
المصدر : الجزيرة