الضربات الإيرانية العابرة للحدود: نمط يبحث عن سياسة مناسبة

الضربات الإيرانية العابرة للحدود: نمط يبحث عن سياسة مناسبة

 تشير  الضربة الأخيرة على العراق إلى اتباع استراتيجية وقحة وغير قانونية وخطيرة لممارسة النفوذ من خلال الهجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار – وهي ممارسة مرت دون رادع لفترة طويلة.

في 12 آذار/مارس، أطلق «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني ما يصل إلى اثني عشر صاروخاً على أربيل، عاصمة «إقليم كردستان العراق». ويندرج العنف غير المبرر بين الدول – لا يختلف عن هجوم روسيا على أوكرانيا، من وجهة نظر القانون الدولي – ضمن إطار نمط متزايد من الضربات الإيرانية المباشرة التي لا يمكن إنكارها والتي تُشنّ عبر الصواريخ والطائرات بدون طيار على دول الشرق الأوسط. وتتطلب هذه الحادثة وحوادث أخرى مشابهة رداً منسقاً طال انتظاره على صعيد السياسات الدولية والعراقية.

هجوم أربيل

في الساعة 01:20 بالتوقيت المحلي من يوم 13 آذار/مارس، تم إطلاقما يصل إلى اثني عشر صاروخاً باليستياً قصيرة المدى، يُرجح أنها كانت من نوع “فاتح 110″، من منطقة تبريز الإيرانية باتجاه أربيل المكتظة بالسكان. واجتازت الصواريخ حوالي 275 كيلومتراً، وكان كلٌ منها يحمل أكثر من 1100 رطل من المتفجرات. وقد أصابت معظم القذائف بدقة فيلا فاخرة يملكها باز كريم، رجل أعمال بارز يرتبط بقادة «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، أي عائلة بارزاني. وأصابت قذيفة واحدة على الأقل المحطة التلفزيونية القريبة “كردستان 24” (K24) التي تملكها عائلة بارزاني. ولحسن الحظ، لم يسقط أي قتلى – ربما بسبب الساعة المتأخرة و/أو الاستهداف الدقيق. ومع ذلك، كان خطر حدوث أضرار جانبية مرتفعاً، وقبلت إيران هذه المجازفة بإطلاقها صواريخ كبيرة على مدينة من مدًى بعيد.

في وقتٍ لاحقٍ من ذلك اليوم، اعترف مسؤول في «الحرس الثوري»الإيراني لم يُذكر اسمه لوكالة الأنباء الإيرانية “تسنيم” بأن منظمته هي التي نفذت الهجوم. وتم تقديم مجموعة من المبررات من قبل «الحرس الثوري» والقنوات الدعائية التابعة له في إيران والعراق. على سبيل المثال، زعمت قنوات الميليشيات العراقية أن طهران كانت تنتقم من موقع الإطلاق المفترض لضربة بطائرة بدون طيار في 14 شباط/فبراير على محافظة كرمانشاه الإيرانية، وهو الحادث الذي ألقى النظام باللوم فيه على إسرائيل. وبالمثل، وصفت بعض المنافذ الإعلامية الموقع بأنه مقر للموساد (الإسرائيلي) ومعسكر تدريب. وجاء الهجوم الصاروخي أيضاً بعد أيام فقط من شن غارة جوية إسرائيلية في 7 آذار/مارس في سوريا أسفرت عن مقتل عقيدين في «الحرس الثوري»، مما دفع الأخير إلى التهديد بالانتقام في اليوم التالي. ورُبطت الحادثة أيضاً بالقائد الراحل لـ «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» قاسم سليماني. فقد تزامن التوقيت المحلي لهجوم أربيل على وجه التحديد مع وقت وفاته في الضربة الأمريكية في كانون الثاني/يناير 2020، وقد صادف عيد ميلاده في 11 آذار/مارس.

نمط من الهجمات عبر الحدود

قد يكون هجوم أربيل هو الأكثر تهوراً من بين الضربات الإيرانية الأخيرة بالصواريخ والطائرات بدون طيار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، ولكنه ليس الأول على الإطلاق. فحتى لو كان المرء يميل إلى استبعاد مئات الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة العابرة للحدود التي شنها وكلاء إيران وشركاؤها ضد المملكة العربية السعودية وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة – وهي وجهة نظر خاطئة ومضللة من الناحية الاستراتيجية – فإن عدد الهجمات التي نفذتها إيران بشكل مباشر ويمكن إثباتها يُشكّل نمطاً في حدّ ذاته:

  • إطلاق الصواريخ الباليستية عبر المجال الجوي العراقي.في 18 حزيران/يونيو 2017 و 1 تشرين الأول/أكتوبر 2018، أطلقت إيران ما مجموعه ثلاثة عشر صاروخاً باليستياً متوسط ​​المدى من طراز “ذو الفقار” أو “قيام-1” عبر الأجواء المدنية العراقية، وكانت هذه الصواريخ في طريقها لضرب أهداف تابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا. وفي الحادث الأخير، حلّقت أيضاً طائرات بدون طيار من طراز “صاعقة” عبر أجواء العراق أيضاً. ولم يتم توجيه أي تحذير لسلطات الطيران المدني أو مسؤولين آخرين في بغداد. وسقط ما لا يقل عن ثلاثة من الصواريخ داخل العراق.
  • ضربة بصواريخ “فاتح-110” على شمال العراق. في 8 أيلول/سبتمبر 2018، أطلقت إيران سبعة صواريخ من طراز “فاتح-110” من منطقة تبريز على قاعدة تابعة للمعارضة الإيرانية في بلدة كويسنجق العراقية، مما أسفر عن مقتل ثمانية عشر شخصاً. وساعدت ميليشيا «كتائب حزب الله» العراقية القوات الإيرانية في مراقبة العملية بطائرة بدون طيار من قاعدة بالقرب من كركوك.
  • إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار فوق المياه الدولية. في 20 حزيران/يونيو 2019، أسقطت إيران في خليج عمان طائرة استطلاع بدون طيار من طراز “آر كيو – 4 أيه غلوبال هوك” المستخدمة في المراقبة البحرية الواسعة النطاق.
  • هجمات بصواريخ جوالة على السعودية. في 14 أيلول/سبتمبر 2019، أطلقت القوات الإيرانية في مدينة الأحواز الجنوبية ما لا يقل عن ثلاثة صواريخ جوالة على منشأة لمعالجة النفط في بقيق. بالإضافة إلى ذلك، ساعدت الميليشيات في إطلاق 18 طائرة إيرانية بدون طيار من طراز “دلتا” من الأراضي العراقية ضد بقيق وخريص.
  • الضربة الصاروخية الإيرانية على غرب وشمال العراق. في 7 كانون الثاني/يناير 2020، وبعد وقتٍ قصيرٍ من شن الغارة الجوية الأمريكية التي قتلت سليماني، أطلقت إيران ستة عشر صاروخاً باليستياً من طراز “ذو الفقار” و”قيام-1″ على قاعدة “عين الأسد” الجوية، حيث يتمركز مزيج من القوات العراقية والأمريكية. وتم إطلاق صاروخ آخر من طراز “قيام -1” باتجاه “مطار أربيل الدولي”. وإجمالاً، أصيب 110 مستشاراً أمريكياً تحت الحماية السيادية العراقية خلال الهجمات.

توصيات في مجال السياسة العامة

على الرغم من عدم إصابة أي شخص أمريكي في الضربة الأخيرة، إلا أن الرد الأمريكي والعراقي الجوهري لا يزال في غاية الأهمية لردع«الحرس الثوري» الإيراني. ويجب ألا يتخذ هذا الرد شكل هجمات مضادة قد تكون تصعيدية ضد أهداف إيرانية – في هذه الحالة، قد يكون اعتماد مزيج من الخطوات العسكرية الدفاعية والعمل الدبلوماسي القوي فعالاً بنفسه. ومع كل ضربة عبر الحدود تقوم بها إيران دون عواقب، يتعلم النظام أنه يستطيع الانخراط بحرية في مستويات معينة من العدوان السافر ضد الدول المجاورة. وبالمثل، قد يستنتج شركاء الولايات المتحدة أن واشنطن لن ترد على العدوان السافر عبر الحدود طالما أن الأمريكيين لم يصابوا بأذى.

إن ردع «الحرس الثوري» عن القيام بمثل هذه المجازفة هو أكثر من مصلحة واشنطن في الوقت الذي لا يستطيع فيه الغرب تحمل أزمة عسكرية موازية لحرب أوكرانيا. ويمكن القول إن التقاعس عن الرد أو الكلمات الجوفاء هما الطريق الأكثر خطورة بالنظر إلى أن العديد من المنافسين (الصين وإيران وكوريا الشمالية) يراقبون ليروا كيف سيكون ردالولايات المتحدة بينما يتركز اهتمامها على روسيا. إن بذل الجهد اللازم لردع أي عمل إيراني سيكون أسهل بكثير من التعامل مع عواقب صاروخ مفاجئ آخر أو ضربة بطائرة بدون طيار – لا سيما بالنظر إلى خطر مقتل أعداد كبيرة من المدنيين في حالة وقوع ضربة خاطئة (على سبيل المثال، على طائرة أو مجمع سكني).

بعد وقتٍ قصيرٍ من هجوم 13 آذار/مارس، صرّح مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان أن واشنطن ستدعم العراق عبر المساعدة في الدفاع ضد الضربات الصاروخية الإيرانية. وتتواجد الدفاعات الأمريكية المضادة للصواريخ وللطائرات بدون طيار في “مطار أربيل الدولي” أساساً، ولكنها موجَّهة نحو التهديدات التي تأتي من مناطق الميليشيات المدعومة من إيران بالقرب من الموصل إلى الجنوب الغربي ولا تغطي المدينة بأكملها. ومن الضروري وضع مخطط حماية بزاوية 360 درجة للتعامل مع الهجمات التي يتم شنها مباشرةً من إيران.

ويقيناً، أن توفير المزيد من الأنظمة من ترسانة الدفاع الصاروخي الأمريكية المثقلة أساساً قد يكون أمراً صعباً، لذلك قد تتطلب الإجابة تفكير استثنائي. على سبيل المثال، يمكن للمسؤولين أن يسهّلوا النشر المؤقت لنظام دفاع صاروخي غير تابع لـ “حلف شمال الأطلسي” في أربيل، وهو نظام غير ضروري لحالات الطوارئ في أوكرانيا أو تايوان (على سبيل المثال، بطاريات “باتريوت” القطرية، أو أنظمة صواريخ “هوك” المحسّنة الموجودة حالياً في الخدمة في دول أخرى).

كما أشارت وزارة الخارجية الأمريكية إلى أنها ستعمل مع بغداد لمحاسبة إيران على الهجوم. ولتحقيق هذه الغاية، يجب على السلطات الأمريكية إشراك الفصائل العراقية التي تحقق في الحادث – الحكومة المركزية، والحزب الديمقراطي الكردستاني، والزعيم السياسي البارز مقتدى الصدر – وتزويدهم بأدلة استخبارية عن عمليات الإطلاق الإيرانية المكتشفة. ينبغي بعد ذلك السماح للعراقيين باستخدام هذه الأدلة لدعم شكوى في الأمم المتحدة.

وأخيراً، على الولايات المتحدة وشركائها الدوليين تشجيع العراق بصورة غير علنية على طرد السفير الإيراني إيرج مسجدي. فبعيداً عن كونه دبلوماسياً عادياً، يُعد مسجدي ضابطاً نشطاً في «الحرس الثوري» الإيراني، وسلوكه منذ هجوم أربيل يتجاوز كل الحدود. ففي الساعات التي أعقبت الضربة الصاروخية أصدر بياناً هدد فيه العراق بشن ثلاث هجمات أخرى. وبعد يوم، ادّعى أن الضربة الإيرانية لم تنتهك سيادة العراق. بالإضافة إلى طرده، يحق لوزارة الخارجية العراقية أن تطلب ألا يكون أي بديل مستقبلي ضابطاً في «الحرس الثوري». وبالمثل، يجب على بغداد و «إقليم كردستان» النظر في إغلاق القنصلية الإيرانية مؤقتاً في أربيل، والتي ربما كانت مصدراً للمعلومات الاستخبارية حول استهداف الهجوم على أربيل.

يجب أن تَطْمَئِن بغداد من واقع أن جميع هذه الخطوات يمكن الرجوع عنها متى رأت ذلك مناسباً. وفي غضون ذلك، فإن طرد الدبلوماسيين الإيرانيين للمرة الأولى من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن العراق مستعد لاتخاذ إجراءات حازمة ويستحق الدعم الدولي. وقد يؤدي أيضاً الدفاع عن سيادة العراق ضد إيران إلى تحسين نفوذ بغداد عندما يحين الوقت لطلب الدعم الدولي من أجل تقليص التوغلات العسكرية التركية.

مايكل نايتس

معهد واشنطن