المسؤولون الغربيون يتقاطرون على دول الخليج مع اشتداد ضغط أسواق الطاقة

المسؤولون الغربيون يتقاطرون على دول الخليج مع اشتداد ضغط أسواق الطاقة

تجد القوى الغربية نفسها مكبلة حيال أزمة الطاقة، وترى أن الحل الأكثر واقعية حاليا يكمن في إقناع دول الخليج العربي بالتدخل لكبح الأسعار عن طريق زيادة الإنتاج، لكن الأمر لا يخلو من تعقيدات لاسيما مع تمسك كلّ من السعودية والإمارات باتفاق أوبك+، وعجز قطر عن توفير بديل عن الغاز الروسي.

أبوظبي – تواجه الدول الغربية ولاسيما الأوروبية وضعا صعبا جراء الضغط الشديد على أسواق الطاقة العالمية الذي خلفته الحرب الأوكرانية، والمتوقع أن يزداد مع انحسار التفاؤل بشأن إمكانية حدوث توافق بين كييف وموسكو.

ويتوافد المسؤولون الغربيون هذه الأيام على منطقة الخليج، كما لم تهدأ الاتصالات الهاتفية بزعماء ومسؤولي دول المنطقة، في محاولة لإقناعهم بضرورة التدخل لتحقيق قدر من التوازن في السوق، رغم صعوبة ذلك لدوافع مختلفة.

ويستعد وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك السبت لبدء جولة تشمل قطر والإمارات، وسط أنباء عن زيارة يجري الترتيب لها لوزير الخارجية الأميركي إلى السعودية، ومن المرتقب أن تحدث قبيل انعقاد الاجتماع المقبل لتحالف أوبك+ الذي تقوده الرياض وموسكو في الحادي والثلاثين من مارس الجاري.

وكان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون زار في وقت سابق كلا من الرياض وأبوظبي على أمل إقناعهما بضرورة التدخل لكبح أسعار الطاقة الحالية، بيد أن جولته لم تسفر عن أي اختراق، حيث تتمسك الدولتان باتفاق أوبك+ الحالي والذي يقضي بزيادة متدرّجة وطفيفة في الإنتاج.

وتقول أوساط سياسية إن التحركات الغربية صوب المنطقة لا تقتصر أهدافها فقط على ضبط أزمة الطاقة المتفجرة حاليا للحيلولة دون ركود اقتصادي عالمي متوقع، بل تندرج أيضا في إطار سعي حثيث من هذه الدول لاستبدال الغاز والنفط الروسيين، وبذلك حرمان موسكو من عائدات مالية مهمة تدعم حملتها العسكرية في أوكرانيا.

وفرضت الدول الغربية على روسيا عقوبات اقتصادية غير مسبوقة، لم تحدث حتى في حالة كوريا الشمالية وإيران، لكن موسكو لا تزال حتى الآن متماسكة في وجه تلك العقوبات، ومن ذلك قيامها مؤخرا بدفع فوائد مستحقة بقيمة 117 مليون دولار في المهلة المحددة، الأمر الذي قاد إلى تراجع خطر تخلف موسكو عن سداد ديونها، وهو ما كانت حذرت منه الأوساط المالية الدولية مع اندلاع الحرب في أوكرانيا في الرابع والعشرين من الشهر الماضي.

روبرت هابيك: الغرب عاجز عن معالجة معضلة الطاقة
وتوضح الأوساط أن استمرار الإمدادت الروسية من الطاقة من شأنه أن يخفف من وطأة العقوبات بالنسبة إلى موسكو، وهو أمر لا يخدم مصالح القوى الغربية التي تسعى إلى خنق الأخيرة اقتصاديا وعزلها بالمطلق عن المنظومة الدولية.

وتعتبر الأوساط أن الحل البديل المتوفر حاليا هو إقناع دول الخليج بالتدخل، وإن كانت جميع المؤشرات لا توحي بأي تفاؤل على هذا الصعيد.

وصرح وزير الاقتصاد الألماني قبيل جولته الخليجية “إن الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا وضعت قضية أمن الطاقة في قلب المناقشات الدولية”.

وقال هابيك إن قرار تطبيق حظر فوري على واردات الغاز الطبيعي والنفط من روسيا بسبب حربها في أوكرانيا يتأرجح بين القلب والعقل، بين العاطفة والتفكير، وأضاف: “إذا اتبعت مشاعري فقط، فسأقول على الفور: لنستغني عن كل شيء”، مضيفا أنه يشعر بالتزام شخصي تجاه الشعب الأوكراني والرئيس فولوديمير زيلينسكي، مشيرا إلى أن هناك طريقا للخروج من هذه المعضلة “ألا وهي: تأمين الإمدادات ثم المضي قدما”.

وأوضح المسؤول الألماني أن تنويع مصادر الغاز يجب أن يكون أولوية في الوقت الراهن، مشيرا إلى أن بلاده بحاجة إلى المزيد من الغاز على المديين القصير والمتوسط. ودعا إلى تحول عالمي نحو موردين جدد للطاقة.

وطالب هابيك بتعاون دولي وأوروبي للتحول السريع نحو الهيدروجين الأخضر كمصدر للطاقة بدلا من الوقود التقليدي. وقال إن القطريين والإماراتيين يملكون عوامل المشاركة في هذا التحول.

وتعد ألمانيا أحد أكثر الدول المرتهنة لمصادر الطاقة الروسية، حيث إنها تستورد أكثر من نصف حاجياتها من الغاز وثلث نفطها من روسيا، وقد كانت برلين ولا تزال من أشد المعارضين للمطالب الأميركية بوقف الاستيراد من موسكو، ما لم تتوفر البدائل الفعلية لسد احتياجاتها.

ومن المنتظر أن يلتقي هابيك السبت في العاصمة الدوحة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. ومن المقرر أيضا أن يُجري محادثات مع وزراء قطريين. ويواصل الوزير الألماني جولته إلى الإمارات الأحد، حيث يعتزم مقابلة العديد من الوزراء. وبحسب وزارته، سيرافق هابيك وفد اقتصادي رفيع المستوى في الجولة التي تستمر حتى الاثنين المقبل.

وقطر واحدة من أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، لكن معظم صادراتها من الغاز تذهب إلى آسيا حتى الآن، في إطار عقود طويلة الأجل، وهي لا تملك الفائض الذي يخول لها تعويض الغاز الروسي، في المقابل فإن الإمارات التي تمتلك احتياطات مهمة نسبيا من الغاز كما أنها إحدى الدول المنتجة للنفط لا تزال متمسكة بقرار أوبك+.

ويرى مراقبون أن حصر الوزير الألماني زيارته إلى قطر والإمارات دون أن يشمل ذلك السعودية لا يخلو من دلالات سياسية، حيث إن الحكومة الألمانية تتجنب إحراج تعرضها لرفض مباشر وصريح، خصوصا وأن الرياض سبق وأن أظهرت إحباطها من برلين بعد أن مددت الأخيرة حظر توريد الأسلحة إليها، بداعي الحرب في اليمن.

ويرى مراقبون أن تواتر زيارات المسؤولين الغربيين لدول الخليج على أمل إقناعهم بضخ المزيد من النفط والغاز، يعكس عمق الأزمة التي يواجهونها سواء كان في إخضاع موسكو حتى الآن، وأيضا بالنسبة إلى اقتصاداتهم المعرضة لخطر الركود.

تحالف أوبك+ بدأ في مايو 2020، تخفيضات غير مسبوقة في الإنتاج بواقع 9.7 برميل يوميا جرى تقليصها تدريجيا ليصل حجم التخفيض حاليا 2.7 مليون برميل يوميا

ويشير المراقبون إلى أنه من غير الوارد أن يطرأ أي تغيير على مواقف الإمارات والسعودية بشأن زيادة المعروض من الخام، حيث إن الأسعار الحالية تخدم مشاريعهما الطموحة، كما أنهما تبديان حرصا على عدم الانخراط في الصراع الجاري بين الغرب وروسيا ومتمسكتان بالبقاء على مسافة واحدة من الجميع.

في المقابل فإن قطر التي تحرص على تقديم نفسها على أنها حليف وثيق للغرب، ليس بمقدورها توفير الإمدادات المطلوبة، وبالتالي فمن غير المرجح أن تكون لهذه الزيارات تأثيرها.

وأعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الخميس، عن التزام بلده باتفاق تحالف أوبك+. وقالت وكالة الأنباء السعودية إن الأمير محمد جدد خلال اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا “حرص المملكة على المحافظة على توازن أسواق البترول واستقرارها، منوها بدور اتفاق أوبك+ في ذلك وأهمية المحافظة عليه”.

وبدأ تحالف أوبك+ في مايو 2020، تخفيضات غير مسبوقة في الإنتاج بواقع 9.7 برميل يوميا، جرى تقليصها تدريجيا ليصل حجم التخفيض حاليا 2.7 مليون برميل يوميا.

وأقر التحالف في أغسطس الماضي، زيادة محدودة في الإنتاج بواقع 400 ألف برميل يوميا كل شهر، غير أن الزيادة الفعلية أقل من ذلك بكثير بسبب صعوبات فنية لدى معظم الدول الأعضاء في التحالف.

وأدت الأزمة الأوكرانية إلى ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها منذ 14 عاما، مقتربة من 140 دولارا للبرميل الأسبوع الماضي، قبل أن تتراجع قليلا بفعل المفاوضات بين موسكو وكييف، لكنّ متابعين يرون أن هذا التراجع غير ثابت في ظل التصريحات المتشائمة حيال إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الطرفين.

العرب