يعد الخطاب الأيديولوجي المعارض للقيم الغربية، والتنسيق الأمني في عِدة مناطق مثل سوريا، والقوقاز، وآسيا الوسطى، وأفغانستان من أهم ركائز العلاقات الثنائية بين إيران وروسيا، وذلك خلال فترة ما بعد الحرب الباردة. إذ تبنت إيران في الوقت الحالي سياسة برجماتية تهدف إلى تطوير علاقتها مع موسكو، من أجل تخفيف العقوبات الغربية والضغط الأمريكي عليها.
فقد زار الرئيس الإيراني السابق روسيا أربع مرات منذ عام 2013، كما حضر وزير الخارجية الإيراني السابق أيضاً ما لا يقل عن 33 مناسبة في موسكو. من جانبها، اهتمت روسيا بالعلاقات الاستراتيجية مع القوى الإقليمية غير الغربية سواء إيران أو غيرها، وذلك بعدما تدهورت علاقة موسكو مع الدول الغربية، في أعقاب ضم روسيا شبه جزيرة القرم في 2014.
مع امتناع إيران عن إدانة الحرب الروسية في أوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً، أصبح من الأهمية تقييم طبيعة العلاقات بين موسكو وطهران خاصة في مرحلة ما قبل الحرب. في هذا السياق، يناقش الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية كليمينت ثيرم أبعاد التقارب الإيراني – الروسي، وفرص التعاون والتحديات المحتملة والقضايا المشتركة بين الدولتين. مع التركيز على وجهة النظر الإيرانية تجاه تلك العلاقات.
جدير بالذكر أن أبرز عوامل التقارب الإيراني الروسي هي التحديات الأمنية الإقليمية المشتركة، وأهمها الوضع في أفغانستان والقوقاز. أضف لذلك، فإن موسكو تحظى بسمعة طيبة نسبياً داخل مؤسسات الدولة الإيرانية، وهو أمر مثير للتساؤل وفقاً للباحث الذي يرى أن كلاً من روسيا وبريطانيا كانتا تسيطران على أجزاء من إيران في وقت سابق. مع ذلك، يتجاهل الإيرانيون التدخل الروسي في شمال إيران خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، في المقابل تتبنى طهران نظرة سلبية مستمرة تجاه بريطانيا كقوة استعمارية سابقة.
أزمات ما قبل “رئيسي”:
شهد عام 2021 أزمتين دبلوماسيتين بين إيران وروسيا كشفتا عن خلاف بينهما في عهد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني. الأولى في أبريل 2021 بشأن تسجيل صوتي يُزعم أنه لوزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، والذي اتهم خلاله الحرس الثوري الإيراني بالتعاون مع روسيا لإحباط الجهود الدبلوماسية الإيرانية بشأن البرنامج النووي الإيراني من أجل منع التوصل إلى اتفاق بين إيران والغرب، لافتاً إلى عدم ارتياح موسكو إلى أي تقارب إيراني – أمريكي. كما أشار ظريف في التسجيل إلى رغبة روسيا في إلزام إيران بالتعاون معها في معركة إقليمية بسوريا لإبقاء صراع طهران مع واشنطن.
أما الأزمة الثانية، فقد كانت في أغسطس 2021، إذ نشرت السفارة الروسية في طهران صورة ظهر خلالها السفير الروسي إلى جانب نظيره البريطاني، مع تعليق يقول “على الدرج التاريخي، حيث عُقد مؤتمر طهران عام 1943 (بعد غزو بريطانيا والاتحاد السوفيتي إيران)”. بالتالي أثارت الصورة إلى جانب التعليق المرفق بها حفيظة المسؤولين الإيرانيين، ما تسبب في استدعاء طهران سفيري بريطانيا وروسيا على خلفية نشر الصورة، وحينها أعرب السفير الروسي عن أسفه “لسوء الفهم”.
السياسة الخارجية لـ”رئيسي”:
يتوقع الباحث أن إبراهيم رئيسي، الذي تولى السلطة في إيران في أغسطس 2021، سيدخل بعض التغييرات على الدبلوماسية الإيرانية، ومنها منح دور أكبر للجيش الثوري الإيراني، وهو ما يصب في مصلحة التعاون الإقليمي بين طهران وموسكو، كما ستعمل إيران على تعزيز الروابط الاقتصادية على المستوى الإقليمي مع روسيا والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
من جانبها، تتبنى موسكو نظرة إيجابية تجاه دور الحرس الثوري في الحفاظ على الاستقرار داخل إيران. من جانبه، يلعب الحرس الثوري دوراً حاسماً في عملية صنع القرار الإيراني تجاه روسيا؛ خاصة في مجالات التعاون بين البلدين، كمجال الطاقة النووية السلمية والفضاء والتعاون العسكري.
علاوة على ذلك، فإن المرشد الإيراني الأعلى هو من يُرشح السفير الإيراني في روسيا وليس وزارة الخارجية، فيما تعد الحرب في سوريا هي المجال الأبرز للتعاون بين الطرفين. ومما سبق يمكن القول إن الجيل الجديد من الراديكاليين السياسيين في إيران استبدلوا شعار “لا الشرق ولا الغرب” بـ”نظرة إلى الشرق”، ومنها روسيا.
التعاون الأمني:
شاركت المدمرة الإيرانية “سهند” وسفينة الدعم “مكران” في العرض البحري الروسي في ميناء سان بطرسبرج في 26 يوليو2021. كما من المقرر بعد رفع حظر الأسلحة على إيران، أن تناقش الدولتان مشتريات إيران من العتاد العسكري الروسي. بالإضافة إلى ذلك، تم توقيع اتفاقية عسكرية في يناير 2015. وقد زار وفد من وزارة الدفاع الروسية إيران في 24 ديسمبر 2018 للعمل على تنفيذ اتفاقية تعاون عسكري وتعزيز التعاون العسكري في سوريا والقوقاز.
وإلى جانب تعزيز التعاون العسكري الثنائي، عملت ولا تزال موسكو على دمج إيران في استراتيجيتها الخاصة بالاتحاد السوفييتي السابق في القوقاز وآسيا الوسطى، إذ دعمت موسكو مساعي إيران للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون. كما وقَّعت إيران اتفاقية تعاون مع روسيا بشأن “أمن المعلومات” في يناير2021. بخلاف أن البلدين تعملان على تطوير مشاريع مشتركة تركز على تبادل المعلومات الاستخباراتية، ومواجهة التهديدات المشتركة وتنسيق السياسات الدفاعية.
يفترض الباحث أن التعاون الروسي – الإيراني في برنامج الفضاء يُشكل مصدر قلق للغرب، لافتاً إلى أنه في حالة امتلاك طهران للقمر الصناعي الروسي Kanopus-V، فستكون قادرة على مراقبة المنشآت النفطية في دول الخليج والقواعد العسكرية الأمريكية في العراق والأنشطة العسكرية الإسرائيلية. كما يُمكن إطلاق القمر الصناعي من الأراضي الروسية، لكن سيديره فريق إيراني مدرب في روسيا ومقره في محافظة البرز القريبة من طهران.
التعاون الاقتصادي:
تعد مواجهة العقوبات الأمريكية والأوروبية نقطة تلاق بين الدولتين في المجال الاقتصادي، إذ تعاني روسيا وإيران فرض العقوبات عليهما بسبب سياستهما الخارجية. ومن ثم، يسعى الجانبان إلى تنويع علاقاتهما الاقتصادية من خلال زيادة التعاون في مجالات مثل، الطاقة والبنية التحتية (السكك الحديدية) والطيران. وتمثل المواد الغذائية 70٪ من الصادرات الإيرانية إلى السوق الروسية، كما تشمل الصادرات الإيرانية المعادن والأسمنت والمنتجات الكيماوية.
مع ذلك، فالتجارة الروسية – الإيرانية صغيرة مقارنة بتجارة إيران مع الصين، والتي لا تزال أكبر شريك تجاري لطهران. أما بالنسبة للمشاريع الاقتصادية المشتركة، فمن أبرزها، تدشين مفاعلات نووية جديدة في بوشهر، كما تساهم روسيا في تطوير صناعات الصواريخ والفضاء الإيرانية. لكن بخلاف ما سبق، يرى الباحث أن العقوبات الاقتصادية الدولية على إيران بمنزلة حجر العثرة في طريق تطوير العلاقات الروسية الإيرانية في المجالات الأمنية والاقتصادية وغيرها.
سوريا وأفغانستان:
تشهد العمليات العسكرية على الأرض في سوريا تنسيقاً واضحاً بين إيران وروسيا، حيث دعمت القوات الجوية الروسية العمليات الإيرانية ضد الجماعات الجهادية في سوريا. كما أن الدولتين هما مركز شبكة دولية تزود سوريا بالنفط بشكل غير قانوني. لكن في المقابل، قد تؤدي المنافسة الاقتصادية بين الدولتين في سوريا إلى إضعاف التعاون بين الحرس الثوري الإيراني والقوات المسلحة الروسية.
إذ تشعر الحكومة الإيرانية بخيبة أمل إزاء قلة عقود إعادة الإعمار التي مُنحت لشركات إيرانية مقارنة بالشركات الروسية. هذا بالإضافة إلى تقارب روسيا المتزايد مع دول الخليج وإسرائيل ما قد يتعارض مع المصالح العسكرية لإيران.
وعلى الرغم من رفض روسيا وإيران الوجود العسكري للولايات المتحدة في أفغانستان، فإن خروج القوات الأمريكية فرض عليهما معضلة أمنية متمثلة في عودة طالبان. لكن في المقابل، اتفقت طهران وموسكو على أن طالبان أقل خطورة من داعش – الفرع الأفغاني، والذي ظهر في محافظة خراسان في عام 2015.
لذلك، تعمل روسيا وإيران وحكومة طالبان سوياً من أجل مواجهة انتشار داعش في أفغانستان ومنع انتشار عدم الاستقرار الأفغاني باتجاه آسيا الوسطى (منطقة نفوذ موسكو) أو الأراضي الإيرانية. كما بدأت روسيا وإيران أيضاً في الاقتراب من باكستان، الشريك الرئيسي للنظام الأفغاني الحالي. وهو ما يتعارض بشكلٍ واضح مع سياستيهما في التسعينيات، حيث دعم المحور الروسي – الإيراني – الهندي علناً المعارضة الأفغانية ضد طالبان. وبشكل عام، تهدف السياسة الخارجية لكل من روسيا وإيران تجاه أفغانستان إلى تجنب تدفقات الهجرة ومنع رواج تجارة الأفيون والهيروين.
القوقاز ومنظمة شنغهاي:
تشترك إيران وروسيا في القلق المتصاعد تجاه تدخل تركيا في منطقة القوقاز بعد الانتصار العسكري لأذربيجان على أرمينيا. إذ يثير الوجود التركي الجديد في جنوب القوقاز احتمال نقل “المرتزقة” من سوريا إلى هناك، وهو ما سيدفع طهران وموسكو بالضرورة إلى التعاون الأمني من أجل منع تلك الميليشيات من الانتشار إلى أجزاء أخرى من منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي، أو داخل إيران.
على جانب آخر، تأسست منظمة شنغهاي للتعاون في 2001، وتضم مجموعة من دول آسيوية أبرزها، الصين وروسيا. وتتمتع إيران بصفة المراقب في المنظمة منذ عام 2005. وبالرغم من أن إيران تقدمت بطلب للانضمام، فإنه تم تأجيل الموافقة على الطلب حتى يتم رفع العقوبات المفروضة على طهران من قبل الأمم المتحدة، ولكن وفي 18 سبتمبر 2021، قررت منظمة شنغهاي للتعاون انضمام إيران الكامل إلى المنظمة لتبدأ مرحلة جديدة في دخول إيران إلى المحور الروسي الصيني.
وتستفيد منظمة شنغهاي من وجود إيران كحزام نقل استراتيجي بين أوراسيا وغرب آسيا. أما إيران، فتعد العضوية بمنزلة مشاركتها الأولى على الإطلاق في منظمة متعددة الأطراف فوق وطنية. مع ذلك، يرى الباحث أن عضوية المنظمة لن تحمي إيران من أي عقوبات دولية تُفرض عليها.
يختم الباحث دراسته بأن هناك ترحيباً داخل إيران باستراتيجية التحالف مع موسكو في المجال الأمني، استناداً إلى اشتراك الدولتين في مسألة معارضة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ذلك الترحيب مقرون بتخوفات من تزايد النفوذ الروسي داخل إيران. مع ذلك، تدرك الدولتان ضرورة التعاون الأمني في إطار حربهما المشتركة ضد الإرهاب في الجوار.
فبفضل الدعم الجوي الروسي، استطاعت إيران تحسين قدرتها على نشر قوات برية خارج حدودها الوطنية (في سوريا)، وفي المقابل استفادت روسيا من قدرة إيران على تجنيد وتعبئة المقاتلين هناك. وأخيراً، يُمكن القول إن روسيا أصبحت أكثر من أي وقت مضى شريكاً أساسياً لضمان بقاء إيران.
متى أسامه
المستقبل للدراسات