الباحثة شذى خليل*
شرعنة للفساد:
تم مناقشة قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية في مجلس النواب الذي يعد من القوانين التي تزيد الفساد فسادا والفقر فقرا على أبناء الشعب العراقي ، ويحوّل صلاحيات البرلمان في إعداد الموازنة للحكومة بشكل دائمي ويُفرغ الموازنة السنوية العامة تماماً من مضامينها، ويجعل قرارات الحكومة حاكمة ومقدمة على قرارات البرلمان المالية، وكما هو معروف في معظم القوانين التي تشرع في ظل الظروف الحالية لفتح أبواب جديدة للفساد المالي والإداري مهما اختلفت المسميات.
وانتهى مجلس النواب العراقي من القراءة الأولى لمشروع قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية والمحال من الحكومة من أجل أهداف معينة من بينها: تحقيق الأمن الغذائي، والتخفيف من الفقر، وتحقيق الاستقرار المالي في ظل التطورات العالمية الطارئة، والاستمرار بتقديم الخدمات للمواطنين، والارتقاء بالمستوى المعيشي، وخلق فرص عمل، وتعظيم استفادة العراقيين من موارد الدولة، واستئناف العمل بالمشاريع المتوقفة والمتلكئة، والسير بالمشاريع الجديدة ذات الأهمية.
فالقانون لم يتطابق اسمه مع محتواه، حيث قالت النائبة عالية نصيف ان هذا القانون يتيح لوزارة المالية الاقتراض الداخلي والخارجي وإغراق البلد بالديون، وكأن هدر الزيادة في أسعار النفط لن يكفي السراق والفاسدين… يجب أن يكون بشكل مباشر من خلال أبواب الموازنة المالية وضمان عدم ترك فرصة للفاسدين للعبث بالمال العام، مطالبًة السلطة التشريعية بعدم تمريره بشكله الحالي.
من جانبهم، أكد بعض الخبراء والمختصين في القانون والشؤون البرلمانية أن مشروع قانون (الدعم الطارئ للأمن الغذائي) المقدم من قبل الحكومة الحالية:
• مخالف للنظام الداخلي والقانون الذي يشير إلى أن هذه الحكومة “حكومة تصريف أعمال يومية” باتخاذ قرارات وإجراءات غير قابلة للتأجيل “لا يدخل من ضمنها اقتراحات مشاريع القوانين”، وأن ما حدث في جلسة السبت في البرلمان من قراءة مشروع القانون المذكور قراءة أولى يعد مخالفاً للمادة 42 من النظام الداخلي لمجلس الوزراء.
• يُموّل الحساب المُستحدث بموجب هذا القانون من الاموال الزائدة عن إجمالي النفقات الفعلية للسنة الماضية، وهذا مورد غير واقعي بملاحظة سيرة السنوات السابقة، فإن الموازنات في الغالب تنفق أكثر من الحاجة الواقعية بكثير تحت عناوين مجملة ومبهمة تسهل الهدر والفساد المالي من جهة، وبناء الموازنات في الغالب على تقديرات عجز وصل في بعضها الى اكثر من ثلاثين تريليون دينار، فإذا كان هذا الحساب يمثل ضرورة فالمفروض ان يتم تضمين تخصيصاته السنوية في قانون الموازنة بعد مراجعة معايير احتساب التخصيصات وفق الأولوية والحاجة الواقعية وبعيداً عن التخصيصات غير الضرورية التي تأخذ نسبة كبيرة من الموازنة، وعندها لا تبقى حاجة لتأسيس هذا القانون والصندوق وإنما الحل في معالجة الفساد والهدر المالي وبناء الموازنة على أساس الحاجة الواقعية .
• القانون أحد موارد الصندوق من القروض وبمبلغ يصل الى عشرة تريليونات دينار ، مما يعني زيادة خطر الاقتراض، كون العراق أصلا يعاني من قروض داخلية وخارجية، وأكد المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، أن إجمالي حجم الدين الداخلي والخارجي الفعلي للعراق هو 79 مليار دولار، وأنه يمثل نحو 45% من حجم الناتج المحلي البالغ 178 مليار دولار في عام 2021، والدين الخارجي الفعلي للبلاد هو 29 مليار دولار، بينما الدين الداخلي نحو 50 مليار دولار، وهناك مبلغ معلق لم تجر تسويته بموجب اتفاقية نادي باريس لتسوية المديونية الخارجية للعراق، ويعود إلى ما يسمى بديون قبل العام 1990 ويقدر بنحو 41 مليار دولار والذي يقتضي إن صح الدين أن يتم خصمه بنسبة 80٪ فأكثر بحسب شروط اتفاقية نادي باريس، بما لا يزيد عن 8-9 مليارات دولار”.
النائبة عن اللجنة المالية النيابية إخلاص الدليمي قالت إن “مبلغ المديونية العراقية كبير جدا، وذهب جزء منه إلى جيوب الفاسدين وبعض الأحزاب السياسية، عبر المشاريع الوهمية في ظل غياب الشفافية منذ عام 2003 وحتى نهاية عام 2014”. وأن هناك ديونا صرفت، وأصبح البلد ملزما بتسديد مستحقاتها وفوائدها، ولم تذهب هذه الأموال لتحقيق التنمية وإنما لجيوب الفاسدين.
وأشارت إلى أن “نسبة القروض في كل ميزانية بعد عام 2003 تبلغ بين 20 و25٪ من إجمالي الميزانية، بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة للحكومات السابقة التي تعد خططا اقتصادية بعشوائية لا تعتمد على رجال الاقتصاد، وإنما على الأحزاب ورجال الأعمال الموالين لها، والعبث بمقدرات البلد من خلال المليشيات، وفق تعبيرها.
• القانون من ضمن موارده الهبات الدولية والمنح، ومتى كانت المنح والهبات تصل الى مبلغ مائة مليون دولار في اقصى الاحوال وهي لا تشكل نسبة واحد بالألف من إيرادات البلاد فهذا المورد أشبه بالمعدوم.
• يمنح القانون صلاحية تحديد المشاريع المشمولة بأموال هذا الحساب من قبل وزارة التخطيط، والمفروض ان تكون رقابة برلمانية على تحديد المشاريع وتوزيعها على المحافظات بعدالة، وهذا ايضا منفذ لمنح وزارة واحدة التحكم بمصير هذه الأموال الطائلة حسب اقتراح القانون، وهو ما يثير الشك في انه التفاف على صلاحية البرلمان في اقرار الموازنة العامة واحتمالية تحكم الجهة السياسية التي تدعم او تتولى وزارة التخطيط في هذه الاموال لحسابات ضيقة تفتقد العدالة .
• ومن غير المنطق ان القانون يمنح وزير المالية انفاق صرفيات طوارئ من هذا الصندوق بنسبة ٥٪ من ايراداته ، وحيث ان القانون يجعل حد الاموال في هذا الحساب تصل الى حدود (٢٥) تريليون دينار، فهذا يعني ان وزير المالية يمنح صلاحية صرف منح طوارئ بقيمة (١،٢٥) تريليون دينار – تريليونا ومئتين وخمسين مليار دينار- بل ويمنحه القانون زيادة هذه النسبة الى (١٥٪) بمعنى تصبح (٣،٧٥) تريليون دينار – ثلاثة تريليونات وسبع مئة وخمسين مليار دينار.
• يمنح القانون استثناء بالصرف خارج ضوابط قانون الادارة المالية بمعنى زيادة من نسبة ١/١٢ من الانفاق الفعلي للسنة الماضية.
• إعفاءات ضريبية، القانون يعفي المشروعات المشمولة به من الضريبة والرسوم الكمركية وهذا تفريط واضح بإيرادات غير نفطية مهمة خصوصاً وان من يستفيد من هذا الاعفاء هم المستثمرون والمقاولون وليس شركات الدولة العامة .
• يسمح القانون بأن تصل الاموال المخصصة من الزائد عن الصرف الفعلي السنة الماضية بما يصل الى (٢٥) تريليون دينار، وهو مبلغ كبير جدا ولا يمكن تحصيله، وإذا أمكن تحصيله وتوفيره كزائد بهذا المقدار، فهو يدل على انعدام رؤية واضحة في إعداد الموازنة وضروراتها .
من الأجدر على الحكومة العراقية تفعيل قانوني التنمية في العراق والقضاء على البطالة وتنمية المشاريع الصناعية والخدمية والقضاء على المعوقات التي تقف حاجرا امام نهضة البد مثل:
• المعوقات داخلية: الفقر، الفساد الإداري، وغياب الحريات، غياب الديمقراطية، تهميش دور المرأة، انخفاض مستوى التعليم والثقافة، تفشي ظاهرة الأمية، تجاهل حقوق الأقليات وعدم الاعتراف بها، غياب الأمن …الخ.
إن مشاريع التنمية وعلى كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية الثقافية مرتبطة إلى حد ما بمدى رغبة القوى الخارجية بتحقيق هذه المشاريع، هذا من جانب، من جانب آخر، العراق بلد مثقل بالديون الخارجية وما يحصل عليه من إيرادات في الوقت الحاضر.
لا تغطي المشاريع المخطط لها، لذلك تغطية هذه المشاريع ماليا معتمدة اعتمادا كليا على الأموال المخصصة من قبل الدول المانحة لإعادة أعمار العراق، وهذه الدول لحد الآن وعلى الرغم من المؤتمرات العديدة التي عقدت في اليابان وبروكسل وغيرها لم تفي بالتزاماتها حيال العراق، وبذلك شكل هذا الأمر المعوق الثاني نحو تحقيق التنمية في العراق.
• الأمن، وهو الآخر يعد حاجة أساسية هامة في سلم حاجات الفرد والمجتمع، لأنه يمثل الوعاء الذي يحتوي جميع الحاجات الأخرى، ومفردة الأمن لغويا تعني نقيض الخوف وهو الاطمئنان، كما أن الأمن يعبر عن الموقف المترتب على حالة معينة ناتجة عن غياب الخطر، والأمن هنا لا نقصد به عدم تعرض الشخص أو الفرد إلى أضرار جسدية جراء اعتداء معين وحسب، بل نقصد به إضافة إلى ما تقدم عدم تعرض الفرد إلى أي عمل من الممكن أن يعرض حياته إلى الخطر، مثال ذلك تأمين وصول الغذاء والماء والخدمات الأخرى الضرورية لبقاء الإنسان على قيد الحياة.
لو قسمنا ما تعنيه هذه المفردة على وضع العراق الحالي لوجدنا أن الأمن في العراق وبأشكاله كافة يعاني من حالة تذبذب مستمرة، هذا التذبذب المستمر في الحالة الأمنية انعكس سلبا على التنمية في العراق.
• الفساد الإداري والمالي، هذه الظاهرة هي ليست في العراق وحسب وإنما في المجتمعات كافة على اختلاف درجة نموها وتقدمها الحضاري والاجتماعي والاقتصادي، ظاهرة الفساد الإداري والمالي نابعة من ضعف القوانين والتشريعات الرادعة، وغياب الرقابة والمساءلة، الناتجة عن الإرباك وعدم الاستقرار التي تعاني منها المؤسسات السياسية الموجودة في البلد.
• المعوق الأهم وهو أساس التنمية في العراق حاليا هو انخفاض مستوى التعليم والثقافة لدى المجتمع، إذ نجد أن ظاهرة الأمية أصبحت سمة متميزة وبارزة داخل المجتمع العراقي، هذه الظاهرة لها مردودات سلبية كبيرة جدا على التنمية، كيف؟ نحن ذكرنا آنفا أن التنمية هي ليست اقتصادية فقط بل هي تنمية سياسية واجتماعية وثقافية… الخ، وبذلك فإن عملية تحقيق الأجزاء الأخرى من التنمية (سياسيا، اجتماعيا، ثقافيا) تحتاج هنا إلى دور الفرد ورؤيته لآرائه ووجوده، إذا كانت المعلومات التي يمتلكها الفرد قليلة وهو يعاني من الجهل وضعف في الثقافة العامة، فبالتأكيد لا يعطي رأيه الصحيح حول موضوع ما، وإنما سيصبح أداة بيد جهات أخرى توجهه يمينا أو شمالا دون أن يعرف ما هو الخطأ والصواب مما يؤدي إلى خلق تنمية غير حقيقة داخل المجتمع.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية