موسكو – أثار إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده لن تقبل ببيع صادرات الغاز إلى من وصفها بالدول “غير الصديقة” إلا بالعملة المحلية (الروبل) عاصفة من ردود الفعل الداخلية والخارجية، ولا شك أن القرار جاء وسط عقوبات غربية مشددة ترزح تحتها روسيا، إلى جانب تجميد أصولها الموجودة بالبلدان الغربية.
ومن الواضح أن موسكو بهذا القرار انتقلت إلى مرحلة الضغوط المضادة على البلدان الأوروبية تحديدا، في محاولة لتخفيف تأثير العقوبات القاسية المتخذة ضدها، وفي نفس الوقت إنقاذ العملة المحلية التي تعرضت لتراجع غير مسبوق نتيجة هذه العقوبات.
والدول غير الصديقة هي تلك التي شاركت في اتخاذ أقصى عقوبات ضد موسكو، وهي الولايات المتحدة ودول المجموعة الأوروبية واليابان، وقد أمهلها بوتين حتى 31 مارس/آذار الحالي لتحويل الدفوعات مقابل الغاز إلى الروبل، رغم أن الكرملين عاد وأعلن اليوم الأربعاء أن عملية الانتقال إلى الدفع بالروبل مقابل الغاز الروسي ستستغرق وقتا طويلا، وأن الآلية الجديدة لن تبدأ غدا كما أعلن سابقا.
فرصة تاريخية
ويؤكد الخبير الاقتصادي في مجالي النفط والغاز فيكتور لاشون، في حديث للجزيرة نت، أن موسكو تدرك نقاط ضعف البلدان الغربية حيال عنصر الطاقة، والهستيريا التي يمكن أن يتسبب بها حدوث ركود اقتصادي تاريخي فيها، معتبرا أنه من غير المتوقع أن تتحمل المنظومة الغربية تبعاته، مما سيدفع صناع القرار فيها إلى العودة إلى التفاوض مع موسكو، منعا لمزيد من التدهور، حسب قوله.
وتابع أنها فرصة تاريخية لوقف ربط الاقتصاد الوطني بالدولار، وأشار إلى أنه على المدى القصير، من المفترض أن يؤدي هذا القرار إلى زيادة الطلب على العملة الروسية، لأن المشترين المرتبطين بالغاز الروسي لن يكون لديهم ببساطة خيار آخر، وفقا لذلك، فإن زيادة معينة في قيمة الروبل ممكنة تماما، وهو ما بدأ يبرز فور الإعلان عن هذه الخطوة، رغم استبعاده أن يعود سعر الروبل إلى مستويات أوائل فبراير/شباط.
أما على المدى الطويل، فالمسألة -حسب رأيه- متعددة الأبعاد، فقد يصبح المشترون غير الراضين عن التغييرات في شروط العقود أكثر إصرارا في رغبتهم بالتحول إلى موردين بديلين. في الوقت نفسه، قد تكون هذه السابقة بمثابة ذريعة للبلدان الأخرى التي توفر موارد الطاقة للتفاوض بشأن الأسعار والدفع بعملاتها الوطنية.
ويشاركه في الرأي سيرغي زافيرسكي، رئيس قسم الأبحاث التحليلية في معهد الدراسات الإستراتيجية الشاملة، الذي يضيف بأن قرار التحول إلى الدفع بالروبل مقابل إمدادات الغاز إلى “البلدان غير الصديقة” جاء كخطوة غير متوقعة بالنسبة إلى العالم الغربي، مضيفا أن الفكرة كانت موجودة في السابق، لكن لم يكن من الممكن تنفيذها دون تدهور في العلاقات مع الشركاء الغربيين العامة، وكذلك دون هزة قوية في سوق الطاقة، وهو الشيء الذي حدث بالفعل الآن.
زافيرسكي، وردا على سؤال، رجح أن يؤدي القرار الروسي إلى خلق أزمة حتمية للدول الغربية، تتمثل في الحصول على العملة الروسية، مما سيعني، منطقيا، اللجوء لاقتراض مبالغ هائلة بالروبل من البنك المركزي الروسي، الواقع بنفسه تحت نير العقوبات، وهو ما قد يطرح مسألة إلغاء العقوبات المفروضة عليه بالحد الأدنى.
صادرات هائلة
وتصدر روسيا كميات هائلة من النفط والغاز إلى عدد كبير من دول العالم، وتشكل عائداتهما حصة الأسد من الميزانية العامة للبلاد، فضلا عن ارتباط قطاعات اقتصادية إستراتيجية لكثير من هذه الدول، ومن بينها الغربية، بالصادرات الروسية.
ووفقا لبيانات مصلحة الجمارك الفدرالية، فقد صدرت روسيا عام 2021 من النفط الخام 229 مليونا و998 ألف طن بإجمالي 110.1 مليارات دولار. وبالمقارنة، عام 2020، تم تصدير 238 مليونا و607 ألف طن، في الخارج من النفط الروسي (أكثر بـ 3.7%). لكن تكلفته آنذاك كانت 72.4 مليار دولار (أقل بـ 34%). وعام 2021 تم توريد النفط إلى 36 دولة، في حين صدرت روسيا النفط عام 2020 إلى 39 دولة.
ومنذ العام 2017، تعد الصين أكبر مشتر للنفط الروسي، وعام 2021 اشترت هذه الدولة 70.1 مليون طن من موسكو (30.6% من إجمالي صادراتها الروسية) بقيمة 34.9 مليار دولار.
واحتلت هولندا المرتبة الثانية من حيث المشتريات (37.4 مليون طن مقابل 17.3 مليار دولار) أما في المركز الثالث فألمانيا (19.2 مليون طن مقابل 9.3 مليارات دولار).
ومن بين أكبر 10 مستوردين للنفط الروسي عام 2021 كانت بيلاروسيا (14.9 مليون طن، 6.4 مليارات دولار) وكوريا الجنوبية (13.5 مليون طن، 6.4 مليارات دولار) وبولندا (11.2 مليون طن، 4.5 مليارات دولار) وإيطاليا (8.9 ملايين طن، 5.4 مليارات دولار) والولايات المتحدة (7.4 ملايين طن،3.7 مليارات دولار) وفنلندا (6.3 ملايين طن، 3 مليارات دولار) وسلوفاكيا (5.3 ملايين طن، 2.5 مليار دولار).
وبشكل عام، استحوذت دول الاتحاد الأوروبي على 47% من شحنات النفط الروسي (108.1 ملايين طن، 50.9 مليار دولار). وللمقارنة، عام 2012، بلغت حصة الاتحاد الأوروبي من صادرات النفط الروسية 67%.
الغاز الطبيعي
وأيضا وفقا لدائرة الجمارك الفدرالية، فقد بلغت إمدادات الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب 203.5 مليارات متر مكعب عام 2021 (2% أكثر من عام 2020) بقيمة 55.5 مليار دولار، منها 48.2 مليار متر مكعب (23.7%) حصة ألمانيا 26.8 مليار متر مكعب، بينما حلت تركيا بالمرتبة الثانية (13.2%) تليها في المرتبة الثالثة بيلاروسيا (19.8 مليار متر مكعب، 9.7%).
كما احتلت الدانمارك (18.4 مليار متر مكعب) وفرنسا (11.5 مليارا) وبولندا (10.6 مليارات) وكازاخستان (9.3 مليارات) والنمسا (7.8 مليارات) والصين (7.1 مليارات) وهولندا (6.7 مليارات) ضمن المراكز العشرة الأولى من حيث الإمدادات. وفي المجموع، تم توفير الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب إلى 32 دولة.
ويتم تصدير الغاز الطبيعي المسال من روسيا بواسطة شركة سخالين للطاقة ويامال للغاز الطبيعي المسال، وارتفع دخلهما من الإمدادات الخارجية عام 2021 بنسبة 8.5% مقارنة بعام 2020، لتصل إلى 7.32 مليارات دولار.
وكان أكبر المشترين اليابان (12.8 مليون متر مكعب، 1.7 مليار دولار) والصين (11.4 مليون متر مكعب، 1.4 مليار دولار) وفرنسا (10.4 ملايين متر مكعب، 893 مليون دولار).
وشملت أكبر 10 مستوردين للغاز الطبيعي المسال الروسي: إسبانيا (6 ملايين متر مكعب، 590 مليون دولار) وبريطانيا (5.9 ملايين متر مكعب، 477 مليون دولار) وبلجيكا (4.5 ملايين متر مكعب، 391 مليون دولار) وكوريا الجنوبية (4.2 ملايين متر مكعب، 545 مليون دولار) وهولندا (3.9 ملايين متر مكعب، 402 مليون دولار) وتايوان 3 ملايين متر مكعب، 336 مليون دولار) والبرتغال (1.5 مليون متر مكعب، 167 مليون دولار).
المصدر : الجزيرة