ردّت دول أوروبية كبرى، هي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، على تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقطع إمدادات الغاز على «الدول غير الصديقة» ما لم يتم دفع مقابلها بالعملة الروسية، الروبل، بالرفض.
قيام بوتين بقطع الغاز يعني تعريض عدد من دول العالم التي فرضت عقوبات على بلاده بسبب غزو جيشه لأوكرانيا لنقص في واردات الطاقة، التي تصل إلى ألمانيا والدانمارك وفرنسا وبولندا والنمسا وهولندا وإسبانيا وبريطانيا وبلجيكا والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان وتايوان، فيما تصل واردات النفط الروسي إلى هولندا وألمانيا وبولندا وإيطاليا وفنلندا وسلوفاكيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وقد قامت دول الاتحاد الأوروبي، عام 2012 باستيراد 67% من صادرات النفط الروسي.
حاولت الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاؤها الأوروبيون، إقناع الدول المصدرة للنفط بضخ عاجل لتلافي النقص العالمي في صادرات الطاقة، لكن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاءها رفضوا هذه الضغوط واكتفوا بزيادة شهرية قليلة، وفي المقابل أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أمس، زيادة كبيرة في إنتاج النفط، عبر الإفراج عن مليون برميل يوميا من الاحتياطي الفدرالي لمدة 6 أشهر، وقدّر أن يقوم حلفاؤه بسحب 30 إلى 50 مليون برميل من احتياطياتهم يوميا.
بغض النظر عن الأهداف الدعائية الروسية حول غزو أوكرانيا فإن حيزا كبيرا من الحرب يدور عمليا على السيطرة على موارد الطاقة والغذاء العالمية، فحتى أواخر عام 2005 كان مجمل صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا (80%) يتدفق عبر أوكرانيا.
تبدو خطة الغزو متعاكسة مع مشاريع هائلة روسية سابقة لتجنّب الأراضي الأوكرانية، والتي تمثلت بخطط موسكو الكبرى لبناء خطوط أنابيب أخرى، مثل نورد ستريم 1 و2 تحت بحر البلطيق، و»يامال – أوروبا» (عبر بيلاروسيا)، وخطوط تحت البحر الأسود، فما الذي تغيّر؟
عام 2012 اكتشفت موسكو، حسب قول مصادر متعددة، احتمال وجود احتياطيات غاز طبيعي في منطقة البحر الأسود الخاضعة لأوكرانيا، والمتركز حول شبه جزيرة القرم، تقدر بتريليوني متر مكعب، كما جرت اكتشافات لحقول محتملة للغاز والنفط حول دونيتسك وخاركيف في الشرق، وفي الكاربات في الغرب، ومع بدء منح التنقيب لشركات غربية، زاد احتمال تحول أوكرانيا لدولة بترولية تنافس روسيا، كما كان ذلك سيسهل دخولها للاتحاد الأوروبي، ويمكن أن يعتبر هذا أحد الأسباب المباشرة التي أدت لاحتلال شبه جزيرة القرم ودعم الانفصاليين في إقليم الدونباس، وصولا إلى الاجتياح الحالي.
بدأ الاتحاد الأوروبي، عبر القمة الافتراضية مع الصين، أمس الجمعة، بمحاولة دفع بكين لاتخاذ موقف أكثر تشددا مع الغزو الروسي لأوكرانيا، وسيتركز الموقف الصيني، في النهاية، على موازنة الأرباح والخسائر من دعم روسيا التي ستوفر لبكين مصدرا رخيصا للنفط والغاز، كما ستشكل سندا لها في مطالبتها بالسيطرة على تايوان واضطهاد الأيغور المسلمين، لكنّها ستشكل، من جهة أخرى، عائقا استراتيجيا لخطط الصين القائمة على العلاقات الهائلة مع عمالقة الاقتصاد في العالم، أمريكا وأوروبا واليابان وكوريا الجنوبية، وكذلك على العولمة والتصنيع والتجارة والاستثمار وفتح الحدود.
تحمل دعوة بوتين لدفع ثمن الغاز بالروبل تناقضا كبيرا يضعف كثيرا من تأثيرها، فمعناها الأساسي يقوم على إذعان أوروبا لغزوه لأوكرانيا، وهو أمر غير ممكن التحقيق، وتمثل الدعوة مقامرة انتحارية لا يمكن لبوتين تنفيذها فعلا، فوقف الغاز سيتسبب في نقص كبير في الطاقة ضمن أسواق الدول المناهضة لاجتياح أوكرانيا، وهو أمر ستكون له عواقب جسيمة لكنها قابلة للحل، أما الضربة التي سيتعرّض لها الاقتصاد الروسي القائم بمجمله على هذه الواردات، والقائم أساسا على التصدير، فستكون قاضية.
القدس العربي