هل يصبح الشرق الأوسط الجديد واقعا؟

هل يصبح الشرق الأوسط الجديد واقعا؟

هل يمكن أن يتحقق حلم شمعون بيريز بعد سنوات من رحيله عن هذه الدنيا في إقامة شرق أوسط جديد تكون إسرائيل عماده، وهل يمكن أن يصبح ذلك واقعا. نعم يمكن أن يتحقق وهناك البوادر، فها هي أنظمة الخزي والعار العربية وضعت بقيادة إسرائيل وإشراف الولايات المتحدة، حجر الأساس لهذا الشرق الأوسط الجديد. وها هي الولايات المتحدة تقدم لنا «حلف بغداد» لعام 1955 بحلة جديدة تلائم الخمس الثاني من القرن الحادي والعشرين، وهيئة مختلفة واسم مختلف يليق بإسرائيل وهو «حلف النقب»، وإن كانت إسرائيل تتمنى لو كان الحلف الجديد باسم «حلف القدس»، لكن برقع الحياء أو الخوف على ما يبدو، لم يسقط بعد بالكامل عن الوجوه الكالحة لهذه الأنظمة خوفا من شعوبها بإقحام اسم القدس على حلف، غير المقدس.
يذكر أن حلف بغداد الذي لم يكن فعالا، كان يتكون من تركيا وإيران وباكستان وبريطانيا والولايات المتحدة، على الرغم من أن واشنطن تركت مسألة إدارته لبريطانيا، اما الحلف الجديد فيضم ثلاث دول عربية مطبعة معها حديثا وهي المغرب والإمارات والبحرين. وانضم إلى هذه الدول الهامشية، نظام مطبع منذ زمن بعيد ولكنه كما يبدو قرر أن ينشِّط تطبيعه، وينزاح إلى المعسكر الجديد بقيادة إسرائيل، خوفا من أن تواصل إدارة بايدن تجاهله، كما فعلت منذ توليها السلطة قبل سنة وبضعة أشهر، وحتى الآن. إنه نظام مصر عبدالفتاح السيسي الذي فشل فشلا ذريعا في لم الشمل العربي تحت جناحيه، اختار الانصياع وراء المال الإماراتي والانضمام إلى هذا التجمع الهزيل، كي لا يفوته القطار عبر تسخين العلاقات الرسمية مع دولة الاحتلال، ولكنه كما يبدو لن ينجح بعد 45 عاما على اتفاق كامب ديفيد في حمل الشعب المصري الأصيل في ما فشل غيره من الأنظمة السابقة، في التطبيع مع دولة الاحتلال.
وتستهدف هذه القمة كما يحلو للإسرائيليين تسميتها، إقامة علاقات طبيعية كاملة مع دولة الكيان على مختلِف الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية، وتشكيل الأطر المشتركة الناظمة لذلك، تكون فيها دولة الكيان هي المركز والمقرر، ويصبح هذا التجمع، طرفا في الدفاع عن دولة الكيان الصهيوني، وتنتقل هذه الأنظمة بذلك «من الالتزام باتفاقيّة الدفاع العربيّ المشترك، إلى الدفاع عن عدو العرب المشترك،» كما جاء في بيان للجبهة الشعبية.

مهما حاولت دولة الاحتلال تدعمها أمريكا إيجاد البدائل للشعب الفلسطيني فإنها بالتأكيد ستفشل، فدولها العربية الحليفة تبقى هامشية

الولايات المتحدة فشلت فشلا ذريعا في توسيع حلف بغداد، على الأقل عربيا، ولم يكتب له النجاح بفضل المد القومي والثوري العربي بقيادة الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، ونجاح ثورة عبد الكريم قاسم الإطاحة بحكومة نوري السعيد، ممثلة للنظام الملكي، وانسحاب العراق رسميا من الحلف عام 1959، على الرغم من أن الحلف بقي موجودا اسميا حتى إعلان وفاته رسميا مطلع السبعينيات. أما الحلف الجديد «حلف النقب» الذي يطمح القائمون عليه أن يكون حجر أساس الشرق الأوسط الجديد، فإن الفرصة مفتوحة أمام تمدده مع غياب الزعامة والشخصية العربية المحورية الجامعة، في هذا الزمن العربي الرديء الذي أصبحت فيه إسرائيل الدولة الصديقة والحليفة، بل الشقيقة. وبينما كانت مهمة حلف بغداد الوقوف في وجه المد الشيوعي في الشرق الأوسط، ستكون مهمة هذا الحلف الجديد توسيع النفوذ الصهيوني في المنطقة ومنع التوسع الإيراني/ الشيعي المزعوم وكأن إيران مستحدثة في هذه الإقليم. ولم تكن «قمة النقب» فريدة، بل جاءت عقب قمة عربية إسرائيلية أخرى مفاجئة في منتجع شرم الشيخ دعا إليها السيسي وشاركت فيها إسرائيل ممثلة برئيس حكومتها المستوطن المتطرف نفتالي بينيت الرافض للتعامل مع أي شيء اسمه فلسطيني، الذي قضى ولأول مرة، ليلته في المنتجع المصري، كما شارك في هذه القمة محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي رائد التطبيع الرخيص. وعلى الرغم من أن الأردن لم يشارك في القمتين، وهناك من فسر غيابه، باستبعاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس وكذلك غياب الملف الفلسطيني عن طاولة محادثات القمتين، لكن هناك أيضا من فسر ذلك بأن الملك عبدالله اختار زيارة رام الله لأول مرة منذ خمس سنوات، حتى لا يؤخذ عليه التخلي عن الرئيس عباس في ساعة الضيق. ولكن عبد الله الثاني لم يكن غائبا عن التحركات التي شهدتها المنطقة للحيلولة دون انفجار الوضع في الأراضي الفلسطينية، لاسيما في القدس والمسجد الأقصى. فقد استقبل خلال الاسبوعين الماضيين وزير الخارجية الإسرائيلي يئير لابيد ومن بعده وزير الأمن الداخلي عومر بارليف ووزير الجيش بيني غانتس. وما يثير الشبهات حول أهداف هذه الزيارات هي اختتامها بالدعوة الرسمية الأولى لرئيس إسرائيل التي وجهها في هذا الوقت بالذات، عبد الله الثاني للرئيس يتسحاق هيرتسوغ. واستقباله رسميا بعد استعراض حرس الشرف، في قصر الحسينية. وهذه تحركات بحد ذاتها تبدو كمحاولات إسرائيلية لسحب البساط تدريجيا من تحت أقدام الرئيس عباس، رغم زيارة وزير الخارجية الأمريكية له في رام الله. قد يكون هذا الحلف الجديد وما يدور من تحركات على أصعدة أخرى، نقطة انطلاق للشرق الاوسط الجديد، الذي كان شمعون بيريز الرئيس الإسرائيلي الأسبق والسياسي الإسرائيلي المخضرم يُنظِّر إليه، وروجت إليه من بعده كونداليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا الأسبق، شرق أوسط تخرج فيه إسرائيل من خانة العدو الرئيسي للشعوب العربية لتحتل هذه الخانة إيران. وتصبح هذه الدول الهامشية طرفا في الدفاع عن دولة الكيان الصهيوني، وتنتقل بذلك من الالتزام باتفاقيّة الدفاع العربيّ المشترك، إلى الدفاع عن عدو العرب المشترك.
وأخيرا فإنه مهما حاولت دولة الاحتلال تدعمها أمريكا إيجاد البدائل للشعب الفلسطيني فإنها بالتأكيد ستفشل، فدولها العربية الحليفة تبقى هامشية. وستسقط هذه الأحلاف كما سقط غيرها من قبل. ويقول الشعب الفلسطيني لحكومة بينيت/ ولابيد إنكم مهما شطحتم بأقوالكم وأعمالكم ومحاولات إقصائه لن تحصدوا سوى خيبات الأمل لأن الفلسطيني سيبقى الرقم الصعب في معادلة الشرق الأوسط، ولن يرضى استبعاده وإقصاءه وطمس حقوقه وسيبقى صاحب قول الفصل، فلا تضيعوا أوقاتكم في البحث عن أحلاف جديدة قديمة. وأكرر ما قاله عاموس هارئيل، الكاتب الإسرائيلي المختص في الشأن الفلسطيني، في مقال لصحيفة «هآرتس» بعد موجة العمليات التي شهدها الداخل الفلسطيني «إن إسرائيل تواجه أسوأ أزمة أمنية منذ 6 سنوات، وسيستغرق الأمر وقتاً طويلاً لإعادة المارد الفلسطيني إلى القمقم». وقال، في مقال له «خلال أسبوع شن الفلسطينيون ثلاث عمليات دامية، أسفرت عن سقوط11 قتيلا إسرائيليا وإصابة العشرات، وخلالها تمكنوا من الوصول إلى قلب المدن في إسرائيل وتنفيذ عمليات قتل جماعية من دون أي معيقات». وتابع «لم تتمكن أجهزة الاستخبارات كشف أي من تلك العمليات ليتقدم المهاجمون خطوة على هذه الأجهزة التي ما زالت تتخبط في الظلام، الأمر الذي وجه ضربة خطيرة للأمن الشخصي للإسرائيليين، لافتاً إلى أن التحقيقات الأولية أظهرت أن أحد التقديرات التي يُخشى من حدوثها قد حدثت بالفعل وهي أن أي عملية ينفذها فلسطينيون من أراضي 48 ستتبعها أخرى من فلسطينيين في الضفة، كان آخرها العملية التي نفذها شاب من يعبد في جنين في بني براك شرق تل أبيب.
ونختتم بالقول لكل من يتبع «السلام الاقتصادي» عربيا أو فلسطينيا: بالمثل القائل «يا ماخذ القرد على ماله بروح المال ويبقى القرد على حاله». وهذا ينطبق على من يلهثون وراء الحل الاقتصادي بدلا من التركيز على تفعيل الطاقات والقدرات الفلسطينية الكثيرة لتحقيق الحلم الفلسطيني بقيام دولته وعاصمتها القدس. القضية ليست قضية تعبد في شهر رمضان ولا السماح بزيارة المدينة المقدسة وينتهي الأمر بعد ذلك وتعود الأمور إلى سابق عهدها، إنها قضية وطن وتحرر ودحر الاحتلال وتحقيق الاستقلال.

القدس العربي