تقترب المفاوضات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني من نهايتها التي ستحددها الآفاق المستقبلية لكيفية إعداد اتفاق نهائي يحقق الغايات والأهداف لجميع الأطراف المتحاورة والتي مضى على جلساتها أكثر من ستة عشر شهرا اتسمت بالعديد من المناورات السياسية والشروط التعجيزية والتوجيهات المرحلية، ولكنها أعطت مفهوما دقيقا لكيفية إدارة الحوار وتحقيق الغايات وتنفيذ إلارادات وفق المصالح المشتركة والمنافع الميدانية وما تمليه التطورات الدولية والإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وجاءت المواجهة الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا لتلقي بظلالها على الأبعاد الجوهرية لكيفية الاستفادة من هذا الحدث في تعزيز المطالبات الإيرانية واستغلال الواقع الدولي والصراعات التي تتبناها الإدارة الأمريكية في مناطق المواجهة بين موسكو وكييف، فالنظام الإيراني يسعى إلى إعادة ترتيب بيته السياسي الداخلي ببلورة مشروع سياسي يصل إلى تعزيز التوافق بين المحافظين والمعتدلين في أروقة النظام والاتفاق على رؤية ميدانية لإنقاذ النظام والسير باتجاه إنجاح المفاوضات الجارية في العاصمة النمساوية فيينا وإنتاج خطاب معتدل لمواجهة المرحلة القادمة في التعامل مع المجتمع الإيراني وفق المستجدات والأحداث الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الشعوب الإيرانية وإنهاء الخلافات والصراعات بين أقطاب المنظومة الحاكمة في طهران حفاظا على المستقبل السياسي للبلاد ووضع جميع الاحتمالات في حالة غياب ووفاة المرشد الأعلى علي خامنئي ومنع أي جهات سياسية داخلية من التحكم وفرض إرادتها السياسية على الواقع الداخلي مستغلة أي حدث يمكن أن يؤثر على طبيعة التعامل والعلاقة بمؤسسات الدولة وهيئاتها الرسمية .
وبالمقابل فإن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى جاهدة للاعداد لاتفاق يعمل على تهدئة الأوضاع مع إيران وإنهاء الملف النووي الذي تراه شانا فنيا تقنيا أكثر مما هو خلاف سياسي لأنها لم تعمل على مواجهة النظام الإيراني بصورة جدية وإنما هدفها الأساسي مواجهة الطموح الصيني والعسكري الروسي في مناطق المحيط الهادي والهندي وآسيا الوسطى خاصة بعد المواجهات التي حصلت بين روسيا وأوكرانيا، وترى واشنطن أن سياستها تجاه الشرق الأوسط ليست بالأولوية الآن وبعد مجئ الرئيس جو بايدن الرئاسة الأمريكية.
لهذا نرى أن العديد من الثوابت التي كانت تتمسك بها واشنطن في شروطها تجاه إيران قد غادرتها ومنها ما يتعلق بسياسة التمدد والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي والدعم والاسناد الفصائل المليشيات المسلحة في اليمن والعراق وسوريا وغض الطرف عن برنامج الأسلحة الباليستية والموافقة الضمنية على احتفاظ إيران بتخصيبها لليورانيوم بنسبة 20% ورفع التجميد عن بعض الأموال الإيرانية في بعض دول العالم.، وهنا يبرز الدور الأوربي ممثلا بوزير خارجية فرنسا كان لودريان الذي طلب من إيران انتهاء الفرصة والابتعاد عن المطالب التعجيزية والتعامل مع المعطيات الأمريكية بصورة جدية ومغادرة سياسية التعنت وإظهار القوة كون إيران لا تزال تطالب يتعهد خطي أمريكي بعدم الانسحاب من أي اتفاق يوقع بين جميع الأطراف والا فإنها ستمضي في عملية تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% .
لا زال الوفد الإيراني المفاوض ملتزم والتوجهات العليا للمرشد الإيراني والقيادة الايرانية التي حسمت موقفها بالذهاب إلى حلحلة الأمور والعمل على توحيد الرؤى لتوقيع الاتفاق المقبل الذي يضمن لها الحفاظ على مصالحها بإلغاء العقوبات الاقتصادية كاملة دون تجزئتها وأحياء الاتفاق النووي وتفويض الوفد الإيراني بالحوار الشامل والتوصل إلى نتائج إيجابية.
جاء التحول المهم في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني بعد أن طلب الجانب الروسي ضمانات بعدم تأثر العلاقات الاقتصادية الإيرانية الروسية بالعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية في حال التوقيع النهائي للاتفاق المشترك، ورغم أن هذا الطلب فاجأ الجانب الإيراني الذي يرغب بابقاء علاقته وطيدة بموسكو ولكنه يسعى لرفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية وتعويض خسارته المادية بعد الارتفاع الكبير في أسواق الطاقة ، كما أن إيران تدرك أن واشنطن تستعجل التوقيع على الاتفاق وإنهاء المفاوضات لكي تعوض الغاز والنفط الروسي الذي من الممكن أن تقوم بتصويره إيران إلى القارة الأوربية.
امام هذه التطورات الميدانية يمكن أن نحدد أولويات السياسة الأمريكية بأنها تبتعد عن منطقة الشرق الأوسط وترى أن التهديد الصيني عبر الاستثمارات المالية والمشاريع الإستراتيجية والاتفاقيات الاقتصادية مع دول العالم والطموحات العسكرية والغايات الروسية هي الأخطر لها في سياستها الحالية ومدى مراعاة مصالحها الذاتية وان النظرة الأمريكية نحو إيران تتمثل في الحد من امتلاكها للاسلحة النووية ومنعها من الاختراق النووي وان الأزمة معها فنية تقنية بعدما تخلت واشنطن عن مفاوضاتها لإيران حول سلوكها وسياستها الإقليمية وان أي اتفاق قادم سوف لا يغير من المشروع السياسي والأمني للنظام الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وستبقي على تحالفاتها وامتداداتها ، ويبقى الهاجس الأمريكي العسكري قائما في الرؤية الميدانية الذي يتحدث عنه قائد العمليات الوسطى الجنرال مايكل كوريلا بقوله ( ان هناك مخاطرة بأن تؤدي الإعفاءات من العقوبات إلى استعمال إيران بعض الأموال لدعم وكلائها والإرهاب في المنطقة بنا يزيد من تهديد قواتنا هناك ) .
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية