تثير مواقف الإدارة الأمريكية من الحرب في أوكرانيا، وتراجع دورها في دعم الدول الحليفة والشريكة، واستعدادها لتقديم تنازلات في مفاوضات فيينا حول ملف إيران النووي، مخاوف جدية لدى عموم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المعنية بمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة، والتهديدات المباشرة أو عبر قوى حليفة لإيران على أمن ومصالح تلك الدول.
ومنذ أسابيع تقود دولة الإمارات، بالشراكة والتنسيق مع مصر وإسرائيل، حراكا دبلوماسيا يهدف إلى إعادة صياغة تحالفات جديدة في المنطقة، كبديل عن الاعتماد الكلي على التحالف مع الولايات المتحدة.
واستضافت مصر في 22 مارس/ آذار الماضي، قمة شرم الشيخ الثلاثية التي جمعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
وفي سياق مخاوف الدول الحليفة للولايات المتحدة، نظمت إسرائيل لقاءً موسعا لوزراء خارجية الولايات المتحدة ومصر والمغرب والإمارات والبحرين في صحراء النقب بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويرى مراقبون أن اللقاء الموسع في النقب جاء لإطلاع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على نتائج قمة شرم الشيخ الثلاثية وقمة العقبة الرباعية “التشاورية” التي عقدت في 25 مارس الماضي، بمشاركة الرئيس المصري، وولي عهد أبو ظبي، والملك الأردني عبد الله الثاني، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
قد تكون خيبة الأمل من اندفاع الولايات المتحدة نحو تقديم مزيد من “التنازلات” في مواجهة “التعنت” الإيراني في مفاوضات فيينا، العامل الأهم في رؤية الإمارات بالتنسيق مع مصر وإسرائيل لإعادة صياغة التحالفات بالمنطقة في جوانب متعلقة بالأمن الإقليمي، وضرورة وقف التهديدات التي تمثلها إيران والقوى الحليفة لها، مثل جماعتي الحوثي اليمنية و”ألوية الوعد الحق” العراقية، على الإمارات والسعودية.
وخلال هذا العام صعّدت “الحوثي” من هجماتها بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة على أهداف حيوية في الإمارات، وفي السعودية التي تعرضت منشآتها النفطية ومطاراتها لأكثر من هجوم أصاب أهدافه خلال مارس.
وتسود حالة من خيبة أمل عربية جراء سياسات الإدارة الأمريكية في المنطقة، وما يتعلق بموقفها من الأدوار الإيرانية المهددة للأمن القومي لعدد من دول المنطقة الحليفة للولايات المتحدة.
وتتجه إدارة جو بايدن نحو انتهاج سياسة متطابقة مع سياسات الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي وقع مع إيران اتفاقا حول برنامجها النووي عام 2015، أتاح لإيران الخروج من العقوبات الأممية المفروضة عليها وتحرير المزيد من الأموال المجمدة، التي ترى بعض الدول العربية أن هذه الأموال وظفت في دعم القوى الحليفة لإيران، ما عزز من نفوذ طهران في عموم المنطقة بما شكل تهديدا جديا لأمن ومصالح الدول المناهضة للنفوذ الإيراني، بما فيها المصالح الأمريكية في المنطقة.
ويرى مراقبون، أن السياسات الأمريكية تجاه المنطقة شجعت إيران على تهديد أمن ومصالح دول حليفة للولايات المتحدة، التي “تخلت” عن الإيفاء بتعهداتها والتزاماتها بحماية أمن هذه الدول من التهديدات الخارجية طيلة عقود.
وتتجه دول المنطقة لبناء تحالفات جديدة بعيدا عن قيادة الولايات المتحدة أو التنسيق معها، بعد سلسلة من مواقف “الخذلان” الأمريكي في سوريا تجاه التدخلات الروسية والإيرانية، واستخدام الأسلحة الكيميائية ضد السوريين من قبل قوات النظام السوري، على الرغم من الخطوط الحمراء التي وضعتها إدارة الرئيس أوباما.
وفي اليمن لا تزال “الحوثي” تشن هجمات نوعية على منشآت سعودية وإماراتية دون موقف أمريكي واضح من الجماعة التي عمدت إدارة بايدن على إزالتها من القائمة السوداء للتنظيمات الأجنبية “الإرهابية”، حتى بعد أن تحول شمال اليمن إلى قاعدة لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة إيرانية الصنع باتجاه دول الخليج، وتهديد مصادر تدفق الطاقة إلى الأسواق العالمية، وكذلك تهديد الملاحة في البحر الأحمر.
وفي سياق الحراك الدبلوماسي واسع النطاق متعدد الوجهات، استقبلت الإمارات قبل أيام من قمة شرم الشيخ الثلاثية رئيس النظام السوري بشار الأسد في أول زيارة خارجية يجريها منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، يعتقد متابعون أنها محاولة إماراتية لإعادة إدماج النظام بمحيطه العربي على أمل الانسحاب التدريجي من الدوران في الفلك الإيراني.
إلى جانب ذلك، رحبت الكويت والسعودية ببيان رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، الذي تحدث فيه عن رغبة لبنان بتجاوز الأزمة الدبلوماسية مع عدد من الدول الخليجية بعد تصريحات وزير الإعلام السابق جورج قرداحي حول حرب اليمن، قبل نحو خمسة أشهر.
وإلى حد ما، فإن لبنان وسوريا يخضعان لنفوذ إيراني مباشر أو غير مباشر، وكلا البلدين يمكن لهما أن يعودا إلى محيطهما العربي والابتعاد التدريجي عن النفوذ الإيراني “بما يحد من خيارات طهران في مواصلة تهديدها للأمن الإقليمي”، بالتزامن مع إدراك عدد من الدول العربية بقرب اتفاق مجموعة العمل المشتركة مع إيران حول الملف النووي الايراني، وما قد يشكله من تعزيز إضافي لنفوذ إيران في المنطقة مستقبلا.
ولابد من أن إيران تدرك أن الحراك الدبلوماسي في المنطقة يهدف أولا إلى بناء تحالفات جديدة في مواجهتها.
لذلك يرى محللون أن زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق وبيروت في 24 مارس الماضي، تأتي في سياق طمأنة حلفاء إيران بعدم تخلي طهران عنهما بعد توقيع اتفاق الملف النووي “قريبا”، ومحاولة طهران تعزيز نفوذها بعد توقيع الاتفاق الذي “سينعكس إيجابا على سائر دول المنطقة”، وفق تصريحات للوزير الإيراني.
ومع قرب توقيع إيران اتفاقية جديدة حول ملفها النووي دون إدراج ما يتعلق ببرنامجها الصاروخي أو دعمها وتمويلها للجماعات “الإرهابية”، وواقع ابتعاد الولايات المتحدة عن ملفات المنطقة، فإن تحالفات جديدة متعددة الوجهات ومتداخلة الأهداف ستشهدها المنطقة، عنوانها العريض مواجهة مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، إضافة إلى تخفيف التداعيات الاقتصادية المحتملة جراء الحرب في أوكرانيا.
من غير المستبعد أن تتصاعد وتيرة التهديدات الإيرانية لدول المنطقة، بما فيها إسرائيل، في حال مضت الإدارة الأمريكية بتقديم تنازلات مقابل قبول إيران بالامتثال لاتفاق الملف النووي لعام 2015، دون التطرق إلى برنامج الصواريخ البالستية الذي يُعتقد أنه بات يشكل خطرا مباشرا على أمن الدول ومنشآتها الحيوية التي تعرضت لهجمات صاروخية مباشرة نفذها الحرس الثوري الإيراني، أو غير مباشرة عن طريق قوى حليفة، مثل جماعة الحوثي، أو مجموعات شيعية عراقية مسلحة، مثل “ألوية الوعد الحق”.
ويقود تحركات إعادة صياغة التحالفات في المنطقة كل من الإمارات ومصر والسعودية والأردن والمغرب والبحرين والعراق وإسرائيل.
(الأناضول)