تتذرعان بتهديد «الخصوصية» بينما يبث «داعش» أكثر من 90 ألف تغريدة يوميا
لم تنقطع الجهود الدولية لمواجهة انتشار التطرف عبر شبكة المعلومات الدولية، التي اكتسبت زخما غير مسبوق عقب صعود تنظيم “داعش” وتبنيه لاستراتيجيات الاستقطاب الافتراضي للمتعاطفين. ووفقا لتقرير أعدته سلمى العليمي، باحثة في برنامج الدراسات الأمريكية، لمركز الدراسات الاستراتيجية. فإن هذه الجهود تصطدم غالبا بمعوقات فنية تتمثل في محدودية تعاون بعض الجهات والشركات، مع أجهزة الأمن، واعتراض أخرى، لأسباب مختلفة يستعرضها التقرير، ما يعوق بدوره كثيرا من الجهود المبذولة في هذا الصدد.
جهود دولية
في أكتوبر 2014 أعلنت الولايات المتحدة عن خطة للتحالف المعلوماتي مع الدول الغربية والعربية لتنسيق الجهود من أجل مواجهة تنظيم داعش إلكترونيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي فبراير 2015 خلال قمة مكافحة التطرف والعنف أكدت مرة أخرى على مخاطر التهديدات الإلكترونية لتنظيم داعش الذي استطاع في فترة وجيزة تعزيز قبضته على وسائل التواصل الاجتماعي وتوظيفها في الترويج لأيديولوجيته واستقطاب أنصار جدد، وهو ما يثير، بحسب الباحثة، تساؤلا حول الاستراتيجيات التي لجأت إليها الدول الغربية في حربها الدعائية ضد داعش وما هي فرص هذه الدول في التصدي لقدرات داعش الهائلة في الدعاية الإلكترونية وأهم التحديات التي تواجهها من أجل تحقيق نجاحات في حربها الإلكترونية ضد تنظيم داعش على الرغم من امتلاكها لكافة أوجه التكنولوجيا الحديثة. إلى ذلك، يستعرض التقرير بالتفصيل الجهود المبذولة أمريكيا وأوروبيا ودوليا كل على حدة سواء من أجل تعزيز الأمن الداخلي للدول والاتحادات المعنية أو الجهود الدولية المشتركة متعددة الأطراف التي قادتها الولايات المتحدة عبر عدة مبادرات ثنائية تستهدف مكافحة انتشار الفكر المتطرف في شبكة المعلومات الدولية وفي مواقع التواصل الاجتماعي.
كما تطرق التقرير إلى مكافحة التطرف الافتراضي في أوروبا من خلال قرارات الدول الأوروبية ولا سيما بريطانيا وفرنسا، شن حرب افتراضية ضد تنظيم داعش من خلال الإعداد لجيش إلكتروني لمواجهة الآلة الدعائية للتنظيم على شبكات الإنترنت. ورغم كل هذه الجهود المرصودة إلا أن التقرير يلمس تفوقا إلكترونيا داعشيا يعزوه لأسباب منها تمكًن تنظيم داعش خلال فترة قصيرة بسط نفوذه على صفحات التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر وانستجرام، وكسب تأييد العديد من متابعيه، ووفقا لمسؤولين أمريكان يبث عناصر التنظيم ومناصروه أكثر من 90 ألف تغريدة يوميا، وتمكن تنظيم داعش من توظيف الفضاء الإلكتروني في تجنيد العديد من المقاتلين الأجانب للانضمام إلى صفوفه، فوفقا لتقديرات مختلفة وصل عدد المقاتلين في صفوف داعش من الغرب إلى أربعة آلاف مقاتل حتى الآن، واستدراج العديد من الأجانب في تنفيذ هجمات إرهابية في بلادهم فيما عٌرف بظاهرة الذئاب المنفردة Lonely wolves من خلال تطبيق استراتيجية جهاد الإنترنت من قبل أفراد تأثروا بفكر داعش، ومن أمثلة ذلك الهجمات الإرهابية في سيدني وباريس وكوبنهاجن.
“غزوات” إلكترونية
وفي السياق ذاته، قام تنظيم داعش بعدة هجمات على المواقع الإلكترونية الحيوية لبعض الدول وهو ما يطلق عليه تنظيم داعش “الغزوات”، وقد تمكًن التنظيم في يناير 2015 اختراق الحسابات الرسمية للقيادة الوسطى للجيش الأمريكي على مواقع التواصل الاجتماعي تويتر ويوتيوب، حيث نشر التنظيم أول تغريدة في الساعة الثانية عشرة ونصف باللغة الإنجليزية وتوجهوا برسائل وعيد للجنود. وقام قراصنة داعش بتحميل مقاطع فيديو دعائية للتنظيم على موقع القيادة الوسطى للجيش على صفحة يوتيوب بعنوان” لهيب الحرب Flames of war ISIS ” و”جنود الحق قادمون” Soldiers of truth go forth، أمًا الهجوم الثاني فكان في أبريل 2015 حين تمكن قراصنة إنترنت على صلة بالتنظيم من تعطيل 11 قناة تلفزيونية تتبع شركة TV5 Monde الفرنسية، وفقدت الشبكة السيطرة أيضا على موقعها الإلكتروني وصفحات التواصل الإجتماعي الخاصة بها قرابة الساعتين. على مستوي آخر، تمكن التنظيم من تطوير تطبيق إلكتروني يُسمي “فجر البشائر Dawn of Glad Tidings” وكان متاحا تحميله على أنظمة أبل وأندرويد ويمكن مؤيديه من متابعة أخبار التنظيم، ويتيح هذا التطبيق لتنظيم داعش تلقائياً السيطرة المؤقتة على حسابات المشتركين في الخدمة ونشر التغريدات. وفي الإطار ذاته، اتجه تنظيم داعش لإنشاء منصات بديلة لمزاولة أنشطته على صفحات التواصل الإجتماعي في حالة غلق حساباته مثل شبكة Diaspora التي لا يمكن حذف محتوياتها وتمكن داعش من إرسال الصور والفيديوهات المتعلقة بأنشطته عبر هذه الشبكة الجديدة، والعديد من التطبيقات الأخرى ذات تشفير رقمي قوي لا يمكن تتبعها أو اختراقها من قبل المخابرات مثل KIK وSurespot وWickr لتجنيد مزيد من الشباب الغربي.
تعاون محدود
وعن معوقات فاعلية الحرب الإلكترونية على داعش يشير التقرير إلى أنه رغم التقدم التكنولوجي الذي تمتلكه الولايات المتحدة والدول الأوروبية، إلا أن تأثير حربها الدعائية ضد تنظيم داعش على شبكات الإنترنت ما زال محدوداً، ولم يحقق الفاعلية المطلوبة لمواجهة التنظيم، وهو ما يرتبط بعدة عوامل:
1 – عدم توافر البيئة القانونية والتشريعية، في العديد من الدول الغربية التي تسمح لأجهزة الأمن والاستخبارات بمراقبة أنشطة الأفراد على شبكة الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي لسهولة التعامل مع التهديدات المحتملة للأمن القومي.
2 – محدودية تعاون الشركات المقدمة لخدمات الإنترنت، ولا سيما تويتر وفيسبوك مع أجهزة الأمن والاستخبارات خوفاً من تهديد أمن وخصوصية المستخدمين، ما يتسبب في تعرضها لمقاطعة شاملة أو المساءلة القانونية والملاحقات القضائية التي قد تفرض على هذه المواقع دفع تعويضات ضخمة.
3 – معارضة العديد من منظمات المجتمع المدني، خاصة الحقوقية لتوسيع صلاحيات أجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية لمراقبة الإنترنت ونشاطات الأفراد لتعارضها مع الحقوق المدنية للأفراد.
ختاماً، يخلص تقرير الباحثة سلمى العليمي إلى نجاح ملحوظ لتنظيم داعش في احتكار ساحات مواقع التواصل الاجتماعي على مستوى التجنيد والاستقطاب والترويج إلى جانب حجم التهديدات الإلكترونية على الأمن القومي للدول الغربية، ما فرض على الولايات المتحدة والدول الأوروبية ضرورة إعادة النظر في استراتيجيات الدفاع لمواجهة القصور لديها وإعطاء أولوية لمجال الدفاع السيبراني لمواجهة تهديدات الأمن الإلكتروني التي بات يمثلها التنظيم.
نقلا عن صحيفة الاقتصادية