عمقت الحرب الروسية – الأوكرانية التوتر بين الولايات المتحدة ودول الخليج التي رفضت ضغوطا غربية لزيادة إنتاج النفط بهدف كبح الأسعار التي ارتفعت بشكل قياسي منذ الأسبوع الأول من اندلاع الحرب، وهو الرفض الذي يعتبره مراقبون رد فعل طبيعي على اللامبالاة التي تبديها الولايات المتحدة إزاء الهجمات الحوثية على السعودية والإمارات.
لكنّ هؤلاء المراقبين يرون أن تفاهما جديدا يمكن أن يتحقق بين الجانبين.
ويرصد تقرير لفورين بوليسي العلاقات بين واشنطن والخليج وسبل ترميمها. وبحسب التقرير يمكن لواشنطن أن تتراجع عن الحديث عن المناخ وتقر بمطالب المنتجين الخليجيين العرب وأعضاء أوبك+ لإدراجها في المناقشات حول التكيف مع المناخ ولتحديد دور للمواد الهيدروكربونية. وفي المقابل، سيتعين على الحكومة الأميركية معالجة المخاوف الأمنية الخليجية وتقديم حماية أكثر فعالية ضد هجمات إيران ووكلائها المتشددين في المنطقة.
ويقول كاتبا التقرير بلال صعب وكارين يونغ “لم نصل هذه الدرجة المتدنية في العلاقة، التي يمكن القول إنها في الحضيض، بين عشية وضحاها. حيث تصاعدت التوترات على الأقل منذ الانتفاضات العربية 2011، عندما اعتقد ملوك دول الخليج العربية أن واشنطن تتخلى عنهم وتتحالف مع القوى الإسلامية التي سعت للإطاحة بهم. وتعزز هذا الشعور بالإهمال بعد أربع سنوات عندما وقعت إدارة أوباما على اتفاق نووي مع إيران اعتبروا أنه فشل في مراعاة مصالحهم الأمنية”.
وأعلنت إدارة بايدن في الثاني عشر من فبراير 2021 أنها ألغت تصنيف الحوثيين اليمنيين كمنظمة إرهابية أجنبية، معتبرة ذلك ضروريا لوصول المساعدة الإنسانية الدولية في اليمن. ورأت دول الخليج العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية، في قرار الرئيس جو بايدن إشارة إلى أنه يتجاهل المخططات التوسعية والعسكرية لإيران في اليمن.
ومع ذلك، فإن ما يبدو أنه القطرة التي أفاضت الكأس، على الأقل بالنسبة إلى السعوديين والإماراتيين، هو رد الولايات المتحدة على هجمات الصواريخ والطائرات دون طيار الإيرانية والحوثية على أهداف مدنية في السعودية والإمارات. ورأى كلاهما أن رد الولايات المتحدة بطيء وغير كافٍ. ومع ذلك، اعتقدت واشنطن أنها فعلت أكثر مما يكفي مؤخرا من خلال إرسال كبار المسؤولين الأميركيين إلى المنطقة للقاء القادة السعوديين والإماراتيين، وتفعيل الدفاعات الصاروخية الأميركية المتمركزة في مسرح العمليات، ونشر معدات عسكرية أميركية إضافية وتزويده بالمزيد من الصواريخ الاعتراضية.
وبغض النظر عن مدى جدية المسؤولين الأميركيين في محاولة تبديد الفكرة القائلة بأن واشنطن تسترضي إيران، فإن شكوك دول الخليج العربية في نوايا الولايات المتحدة لا تزال عالية، وهذا أحد أسباب تردد السعودية والإمارات في الاستجابة لدعوات الولايات المتحدة لزيادة إنتاج النفط. وهو بند على رأس جدول أعمال الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لخفض تكاليف الوقود في الداخل والضغط على روسيا، حيث تساعد أسعار النفط المرتفعة في الحد من تأثير العقوبات عليها.
وأصبح إنتاج النفط نقطة شائكة، على الرغم من أنه لا يبدو أن الأميركيين ولا دول الخليج يرغبون في تحديد العلاقة على أساس الطاقة أو الأمن وحده. لكن دافع الطاقة التعاونية وسياسة الأمن هو قناعة مشتركة بقيمة الاقتصاد السياسي العالمي المفتوح، مع دور متميز للدولار الأميركي.
وإذا كان هناك أيّ دروس مبكرة مستفادة للعلاقة بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي في الحرب الروسية ضد أوكرانيا، فمن الواضح أن أحدها هو قوة العزلة المالية العالمية. حيث تخاطر روسيا بفقدان عمليات ميزان المدفوعات الطبيعي لأن احتياطياتها المحتفظ بها في الخارج محظورة، وصادراتها النفطية غير مرحب بها أو خاضعة للعقوبات، وقطاعها المصرفي مستبعد من المعاملات العادية. كما تخرج الآلاف من الشركات الدولية من روسيا، من قطاع النفط والغاز إلى التكنولوجيا والمنتجات الاستهلاكية والخدمات المهنية. ومن غير المرجح أن تعود بسرعة، حتى لو توقف الغزو الروسي لأوكرانيا وتراجع العقوبات.
دول الخليج تريد ضمانا أمنيا أكثر رسمية من الولايات المتحدة، على غرار المعاهدات التي تربطها مع الناتو وحلفاء آخرين
وبالنسبة لدول الخليج، فإن قصة نموها الهائل خلال السنوات العشرين الماضية هو نتاج فترة من ارتفاع أسعار النفط بين 2003 و2014 (مع فترة قصيرة من الأزمة المالية العالمية 2008 – 2009) ثم فترة من الإصلاح المالي والإصدار الاستثنائي للديون السيادية بين 2015 و2022. وتجسّد السنوات العشرون الماضية قصة فوائد الشمول المالي، والوصول إلى أسواق رأس المال، والقدرة على إبراز القوة في الخارج من خلال الأصول، بما في ذلك العقارات والتكنولوجيا والترفيه والأسهم في الشركات التي تحرّك الاقتصاد العالمي.
وكانت دول الخليج وصناديق ثروتها السيادية الضخمة مالكة نشطة للديون الأميركية في سندات الخزانة الأميركية، فضلا عن الاستثمار في عديد من الصناعات التي يأملون نموها في الداخل. وسمح هذا الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا والعلامات التجارية الاستهلاكية لدول الخليج باستيراد الرأس مال البشري وتوسيع نوعية حياة مواطنيها، وجعل مدنهم مراكز للرأسمالية العالمية والتواصل. ونظرا إلى أن لهذه الدول عملات مرتبطة بالدولار الأميركي ومنتجات تصدير مسعرة بالدولار، فإن أي تعطيل لوصولها إلى الأسواق سيكون كارثيا.
ويجب تعريف شراكة الخليج مع الولايات المتحدة على أنها مصالح مشتركة في تحرير السوق والرأس مال البشري والابتكار لمواجهة التحديات المقبلة. حيث لن يخدم تبني اقتصاد سياسي عالمي متشعب الرأسماليين حتى أولئك الذين يمتلكون 25 في المئة من صادرات النفط العالمية، بل ستغلق أبواب الاستثمار والفرص أمام جيل يرى نفسه عالميا. ويجب على الولايات المتحدة أيضا أن تقدر الترابط بين الخليج وشعبه، كنقطة لإظهار الانفتاح الأميركي ومحور لتواصل الولايات المتحدة مع القادة والأسواق في أفريقيا وآسيا.
وتريد بعض دول الخليج العربية ضمانا أمنيا أكثر رسمية من الولايات المتحدة، على غرار المعاهدات التي تربطها مع الناتو وحلفاء آخرين. لكن اتباع نهج من أعلى إلى أسفل فقط لترتيب دفاعي أميركي أكثر استراتيجية مع أيّ دولة خليجية عربية ليس فعالا من الناحية العملية ولا مجديا من الناحية السياسية. ويكمن البديل الأكثر واقعية في إطار دفاع استراتيجي جديد مع دول الخليج العربية، أو على الأقل أولئك الذين يؤيدون آلية موثوقة للارتقاء بالشراكة الأمنية بطرق تعيد تأكيد المبادئ الأساسية ووضع أهداف واضحة وقابلة للتحقيق للعلاقة الدفاعية الثنائية أو متعددة الأطراف.
ويمكن أن يقود هذا الإطار إلى نتيجتين فوريتين وهدفين على المدى الطويل: إنشاء خلية اندماج استنادا إلى تهديد صواريخ الحوثيين والطائرات المسيرة لتزويد شركاء الخليج العرب بمعلومات عن الأنشطة التي قد تكون مقدمة لهجمات مستقبلية. ويمكن أن تشمل هذه التجهيزات طائرتين أو ثلاث طائرات دون طيار من طراز بريداتور وغيرها التي من شأنها أن توفّر معلومات استخبارية مستمرة وعالية الجودة وتحذيرا من الهجمات المخطط لها أو الوشيكة على الأفراد والقواعد الأميركية أو مواقع السعوديين والإماراتيين.
أما النتيجة الثانية فهي التخطيط المشترك للطوارئ مع شركاء دول الخليج العربية الأكثر استعدادا وقدرة فيما يتعلق بإيران. ولم يحدث هذا في الماضي لأسباب مشروعة. أولا، لم يكن لدى دول الخليج العربية الكثير للمساهمة من حيث القدرة العسكرية. ثانيا، لطالما انقسمت دول الخليج العربية حول قضية إيران، وفي 2017 – 2021 قطع السعوديون والإماراتيون والبحرينيون العلاقات مع قطر جزئيا لأنهم اتهموها بالتقرب من طهران. لكن الخلاف تلاشى الآن، ولدى القيادة المركزية الأميركية فرصة لإشراك شركاء الخليج العرب، إلى جانب إسرائيل، على الأقل في بعض عمليات التخطيط الاستراتيجي لدمج أسلحتهم الأكثر قوة والاستفادة منها.
شكوك دول الخليج العربية في نوايا الولايات المتحدة لا تزال عالية، وهذا أحد أسباب تردد السعودية والإمارات في الاستجابة لدعوات الولايات المتحدة لزيادة إنتاج النفط
وتبقى العناصر طويلة المدى لإطار الدفاع الاستراتيجي الأميركي – الخليجي هي الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، وهي مسؤولية جماعية في المنطقة تتطلب الثقة بين المشاركين الخليجيين لإنشاء أنظمة إنذار مبكر مشتركة والتزام الولايات المتحدة بمساعدة شركائها العرب في الخليج على متابعة الإصلاحات الدفاعية اللازمة لتطوير قدرة عسكرية فعالة.
وعندما يتعلق الأمر بالطاقة، ستكون المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عاملين أساسيين في زيادة الطاقة الإنتاجية للنفط لتلبية الطلب الحالي وعلى المدى القريب. فأثناء تحول الطاقة لإزالة الكربون من اقتصادات العالم، ستظل هناك حاجة إلى المنتجات البتروكيماوية وإنتاج النفط. ويمكن للحكومات العمل معا لجعل هذا الإنتاج أكثر نظافة وفعالية من حيث التكلفة وأكثر موثوقية. ويجب أن يكون التعاون التكنولوجي في التقاط الكربون وتخزينه أولوية رئيسية لسياسة الولايات المتحدة وحافزا للمشاركة في الخليج.
وللولايات المتحدة مصلحة أساسية في الاستقرار في طرق التجارة العالمية، بما في ذلك تلك التي تحيط بشبه الجزيرة العربية، من قناة السويس إلى باب المندب عبر المحيط الهندي وبحر عمان، حتى مضيق هرمز. ويجب توحيد التعاون الأمني والتدريب، إلى جانب إزالة الألغام والدوريات، مع جهود السياسة لفرض السلامة البيئية للمياه الدولية، بما في ذلك المخاوف من التلوث المحتمل من محطات الطاقة النووية والنفايات الصناعية.
ويتزايد الطلب العالمي على التمويل المتعلق بالمناخ، والاستثمارات الخضراء الجديدة، وإنشاء اقتصاديات الحجم الدائرية. وستتضرر منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل كبير من تغير المناخ. وقد يساهم تنسيق السياسة الأميركية من خلال التمويل المختلط للمؤسسات المالية الدولية، وأذرع تمويل التنمية الحكومية الأميركية، وصناديق التنمية لدول الخليج، إلى توفير التمويل لمشاريع مثل محطات الطاقة المتجددة، فضلا عن البنية التحتية للنقل، بما في ذلك الأساطيل الكهربائية والحافلات في وسائل النقل العام عبر الشرق الأوسط.
ومن الممكن تصور تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وشركائها العرب في الخليج. لكن واشنطن ستحتاج إلى الاعتراف بالتهديدات الأمنية الحقيقية التي تواجه الخليج من إيران ووكلائها، وستحتاج دول الخليج العربية إلى الاستمرار في تبني الفوائد والمخاطر السياسية المحلية المحتملة لاقتصاد سياسي عالمي مفتوح. ولن يضع هذه الشراكة التي دامت ثمانية عقود تقريبا على مسار جديد إلا حوار أكثر فعالية وشفافية وشمولية، بدعم من القيادة على كلا الجانبين.
صحيفة العرب