تحل الأربعاء 13 أبريل/ نيسان، الذكرى السنوية الـ47 لاندلاع الحرب الأهلية في لبنان(1975 ـ 1990)، حيث بدأت شرارتها في منطقة “عين الرمانة” في ضواحي العاصمة بيروت، وانتقلت إلى مناطق أخرى في البلاد.
قدر عدد ضحايا الحرب بـ150 ألف قتيل و300 ألف جريح ومعوق و17 ألف مفقود، فضلا عن هجرة أكثر من مليون شخص وخسائر مادية فاقت 100 مليار دولار.
لم تكن الحرب عبارة عن صراع بين المسيحيين والمسلمين فقط، بل حصل صراع بين “منظمة التحرير الفلسطينية” والجيش الإسرائيلي الذي اجتاح البلاد عامي 1978 و1982، وكذلك الجيش السوري الذي دخل لبنان عام 1976.
بعد نحو 15 عاما من اندلاعها، توقفت الحرب عقب توافق النواب اللبنانيين في مدينة الطائف غربي السعودية، على اتفاق عُرف بـ”اتفاق الطائف”.
وكرّس اتفاق الطائف، معادلة اقتسام السلطة على أساس المحاصصة الطائفية، فتوزعت المناصب الرئيسية بين المكونات الأساسية الثلاثة: المسيحيين والسنة والشيعة.
شبح الحرب الأهلية
تعد منطقة “الطيونة” في بيروت، إحدى خطوط التماس القديمة في زمن الحرب الأهلية، وهذا ما جعل مواجهات مسلحة شهدتها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، توقظ ذكرى أقسى أيام اللبنانيين التي استمرت 15 عاما.
أسفرت المواجهات في “الطيونة”، الواقعة بين منطقتي “الشياح” (ذات أغلبية شيعية)، و”عين الرمانة ـ بدارو” (ذات أغلبية مسيحية)، عن مقتل 7 أشخاص وإصابة 32 آخرين.
وبدأت الأحداث مع إطلاق نار كثيف خلال تظاهرة نظمها مؤيدون لـ”حزب الله” وحركة “أمل” (شيعيتين)، تنديدا بقرارات المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق بيطار.
وبعد الأحداث الدامية التي استمرت 5 ساعات، وجه مسؤولون في “حزب الله” و”أمل”، اتهامات إلى حزب “القوات اللبنانية” (مسيحي)، بتنفيذ “كمين مسلح” ضد المتظاهرين، وهو ما نفاه الأخير.
مشهد مرعب
في حديث للأناضول، اعتبر وسام سرحان، صاحب أحد المقاهي في “الطيونة”، والذي كان شاهدا على المواجهات، أن “القاسم المشترك بين الحرب الأهلية وأحداث المنطقة هو بشاعة المشهد، علما أنه كان سريعا ومرعبا”.
فيما ذكر فادي، وهو صاحب أحد مواقف السيارات بالمنطقة، أن “الحرب الأهلية بدأت كما بدأت أحداث الطيونة، أي أن الإشكال بدأ في منطقة معينة وامتد إلى مناطق أخرى”.
وقال المتحدث للأناضول، مع التحفظ على ذكر لقبه، إن منزله تضرر بشكلٍ كبير برصاص المواجهات، معتبرا أن “ما حصل كان مشروع فتنة”.
بدورها، تقول جمال مرهج إن “ما حصل في الطيونة أيقظ الصدمة فينا التي سبق وسببتها الحرب الأهلية”.
تحوي المنطقة عشرات المحلات والمتاجر والمطاعم التي تضرر عدد كبير منها نتيجة الرصاص العشوائي.
وأفاد صاحب محل إطارات في المنطقة، مفضلا عدم نشر اسمه، بأن “الحدثين متشابهان بشكل كبير (..) الجيل السابق يلقن التربية الطائفية نفسها للجيل الحاضر الذي يعيد نفس الخطأ”.
أما سليمان إبراهيم، وهو أحد سكان منطقة “عين الرمانة”، فاعتبر أن “القاسم المشترك بين الحدثين (الحرب الأهلية ومواجهات الطيونة) هو وجود المؤامرة”.
لا للحرب
هناك شبه إجماع في لبنان، على عدم الرغبة في تكرار سيناريو الحرب الأهلية مجددا، حيث قال إبراهيم للأناضول، إن “قسما كبيرا من الشعب لم يعد ينجر للقتال”.
وأوضح: “لأنه تأكد أن لا جدوى من الحرب”، مشددا على أن “الشعب اللبناني جائع اليوم بفعل الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلد، والحرب ستزيد من معاناته”.
ومنذ أكثر من عامين، يعاني اللبنانيون أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية.
فيما أوضح صاحب محل الإطارات، أنه “رغم وقوع أحداث الطيونة شعرتُ أن هناك وعيا لدى السياسيين، لأنهم لم يتركوا فتيلة الحرب أن تستمر وتشتعل في مناطق أخرى”.
وأضاف: “رغم أن الشعب لا يريد الحرب، فإن سياسات الحكام تحركها، فالعقلية لم تتغير عن السابق، والسياسة لا تزال تؤثر جدا بالشعب”.
الطائفية
اعتبر الصحافي والمحلل السياسي محمد علوش، أن “المشهد بين الحرب الأهلية وأحداث الطيونة، مشابه من ناحية الرصاص، الضحايا، الخوف والرعب، لكن الظروف السياسية والبلد مختلفة عن السابق، لذلك ما حصل ليس بحرب أهلية مصغرة”.
وأوضح في حديث للأناضول، أن “التربية في لبنان لا تزال طائفية (..) الجيل الجديد يتربى على الطائفية، حيث تقوم تربية الأطفال على فكرة التخويف من الآخر وفكرة الحدود بين المناطق”.
وتابع أن “هذا الفكر الطائفي تستفيد منه الأحزاب لتغذية النعرات بين الشعب عند الحاجة”.
وأردف: “الشعب بأغلبيته ليس مستعدا لحمل السلاح، ولا يريد عيش نفس الآلام ولا حجم الموت والدماء، لكن هناك أحزاب تريد جر البلد لمعارك مناطقية محدودة وتغذية شعور الاختلاف لدى اللبنانيين”.
وتابع: “كل ما تقدم ممكن أن يساهم بحصول معارك محدودة أو جر الشارع لمعارك صغيرة، لكن ظروف حصول حرب كبرى في لبنان غير مواتية لا داخليا ولا خارجيا ولا الشعب يريدها”.
ويقوم النظام السياسي في لبنان على توزيع المناصب الرئيسية على الطوائف، حيث يتولى رئاسة الجمهورية مسيحي ماروني، ورئاسة الحكومة مسلم سُني، ورئاسة البرلمان مسلم شيعي.
وتشهد البلاد بين الحين والآخر، عدة اضطرابات وصراعات مسلحة لأسباب طائفية أو سياسية، آخرها كانت أحداث “الطيونة”.
وتعتبر قوى سياسية لبنانية أن سلاح “حزب الله” (حليف إيران) يمثل تهديدا للساحة اللبنانية، فيما يقول الحزب إن سلاحه يُستخدم حصرا لمقاومة إسرائيل التي تحتل أراضٍ في جنوب البلاد.
(الأناضول)