واشنطن – يستعد المبعوث الأميركي الخاص إلى منطقة القرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد لترك منصبه رغم أنه لم يباشر مهامه إلا منذ أشهر معدودة، في خطوة تعكس قصورا استراتيجيا في إدارة الرئيس جو بايدن وفي فهم تعقيدات المنطقة، كما يعود ذلك إلى تمسكها بالتحرك بشكل منفرد في حين كان يمكنها أن تستفيد من خبرات شركائها في الخليج الذين لهم علاقات وطيدة مع دول القرن الأفريقي.
ويأتي هذا تزامنا مع إعلان الولايات المتحدة عن تشكيل قوة بحرية جديدة تنشط في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، دون تنسيق مع دول الخليج.
وقال مراقبون إن الولايات المتحدة تحاول أن تتعامل مع ملف القرن الأفريقي على أنه مسألة منفصلة عن التأثيرات القادمة عبر البحر في منطقة الخليج، وهو ما وضع في طريقها عراقيل جعلت مبعوثها الخاص يستعدّ لمغادرة المنطقة تاركًا فراغًا كبيرًا في ظرف عصيب.
وأشار المراقبون إلى أن واشنطن كان يمكن لها أن تستفيد من النفوذ الناشئ في المنطقة لدول مثل الإمارات والسعودية، وهو نفوذ قائم على تقديم الدعم الاقتصادي والاستثماري المباشر لدولة مثل أثيوبيا التي خرجت من الحروب منهكة وتحتاج إلى من يقف إلى جانبها. كما نجحت الإمارات في رعاية وساطة بين أثيوبيا وإريتريا انتهت إلى وقف الحرب بينهما.
وفي يناير 2020 اجتمع ممثلون من جيبوتي ومصر وإريتريا والسعودية والصومال والسودان والأردن واليمن في الرياض لتدشين مجلس مشترك للدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن. وكان الهدف من المجلس تأمين الاستقرار في منطقة البحر الأحمر.
القصور الاستراتيجي في الخليج يمكن أن يفسر الفشل في القرن الأفريقي، فإدارة بايدن لا تعمل على إنشاء شراكات حقيقية
لكن لا يبدو أن الولايات المتحدة، وخاصة إدارة بايدن، ساعية لمشاركة الخبرات والخيارات مع حلفائها الخليجيين بسبب موقف سلبي مسبق اعتمدته وسيؤدي وفق المراقبين إلى تعقيدات في المضايق خاصة من جهة اليمن، حيث يستمر الحوثيون وإيران في تهديد أمن الملاحة، وهذا الخطر من المرجح ألا يقف عند تهديد مصالح الخليجيين بل سيمتد إلى مصالح الولايات المتحدة، خاصة وأنه يهدد سفن شحن البترول.
وفشلت إدارة بايدن في فهم التأثيرات بالخليج، سواء منها التأثيرات السياسية القادمة من الإسلاميين إخوانًا وسلفيين أو التأثيرات الناتجة عن الصراع على المصالح بين الدول (السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى). وإلى حد الآن قاد هذا الفشل إلى برود واضح في علاقة واشنطن بالرياض وأبوظبي، وقد بدا ذلك واضحا في الأزمة الأخيرة الخاصة بالطاقة ورغبة الأميركيين في زيادة إنتاج أوبك+، وهو ما رفضته السعودية والإمارات في مواقع معلنة.
ويعتقد المراقبون أن القصور الاستراتيجي الأميركي في الخليج يمكن أن يفسر الفشل في القرن الأفريقي؛ فالولايات المتحدة لا تعمل على إنشاء شراكات حقيقية خاصة على المستوى الأمني والدفاعي، لافتين إلى أن الوعود الدبلوماسية وحدها لا يمكن أن تؤسس لشراكات أو تحفظ لواشنطن نفوذا دائما.
وفي سياق التحرك بشكل منفرد قالت البحرية الأميركية الأربعاء إنها بصدد تشكيل قوة جديدة متعددة الجنسيات ستتصدى لتهريب الأسلحة في المياه المحيطة باليمن.
وقال نائب الأميرال براد كوبر قائد الأسطول الأميركي الخامس إن القوة الجديدة ستعمل اعتبارا من يوم الأحد في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وستستهدف أيضا التصدي للاتجار بالبشر وتهريب المخدرات والسلع غير المشروعة الأخرى.
الإدارة الأميركية في فهم التأثيرات بالخليج، سواء منها التأثيرات السياسية القادمة من الإسلاميين إخوانًا وسلفيين أو التأثيرات الناتجة عن الصراع على المصالح بين الدول
وقال كوبر في اتصال هاتفي مع الصحافيين “هذه مياه مهمة من الناحية الاستراتيجية تسترعي اهتمامنا”.
وردا على سؤال عن الصواريخ والطائرات المسيرة التي يستخدمها الحوثيون لمهاجمة السعودية والإمارات، قال كوبر إن القوة الجديدة ستؤثر على قدرة الحوثيين على الحصول على مثل هذه الأسلحة.
وأضاف “سنكون قادرين على القيام بذلك بشكل حيوي ومباشر أكثر مما نفعله اليوم”.
وقال مسؤول أميركي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته إن المياه بين الصومال وجيبوتي واليمن كانت “ممرات تهريب” معروفة للأسلحة المتجهة إلى الحوثيين.
وأضاف المسؤول “القوة الدولية الجديدة ستتابع بالتأكيد هذه القضية”.
ويعتقد متابعون للتوتر في العلاقات الأميركية – الخليجية أنه كان يمكن أن يتم التنسيق بين الطرفين والإعلان عن هذه القوة بشكل مشترك لإظهار أن واشنطن مهتمة بأمن حلفائها، وأن ذلك يأتي ردا على الهجمات الحوثية التي تستهدف مواقع إنتاج النفط.
ولم يتوقع بعض المسؤولين في مجلس الأمن القومي الأميركي ووزارة الخارجية رحيل ساترفيلد، وفقًا لعدد من المسؤولين ومساعد في الكونغرس مُطّلع على الأمر. وقال أحد مساعدي الكونغرس “بدا أن الوكالات المشتركة فوجئت ومضطربة تجاه كيفية التعامل مع هذا الأمر”.
واعتبر كاميرون هدسون، الخبير في شؤون شرق أفريقيا في مركز أبحاث المجلس الأطلسي، أن رحيل ساترفيلد قد يعيق ما تبذله الولايات المتحدة من جهود للمساعدة في التفاوض على هدنة مستقرة في إثيوبيا، وإبقاء إثيوبيا والسودان على رأس جدول الاهتمام.
وقال هدسون “للمبعوث مهمتان، تتمثل الأولى في الوساطة وإيجاد الحلول، لكن المهمة الثانية التي لا تقل أهمية من وجهة نظري هي حشد الوكالات المشتركة لقيادة أجندة السياسة في واشنطن”.
وأضاف هدسون “هذا جزء كبير من العمل لن يتم إنجازه” دون تعيين مبعوث، في حين قال مسؤولون إنه من المتوقع أن يتولى نائب المبعوث الخاص بايتون كنوبف المنصب بصفة مؤقتة.
وقال العديد من الدبلوماسيين الأميركيين، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، إن هناك إحباطًا متزايدًا من أن واشنطن قد ركزت الكثير من الاهتمام على إثيوبيا على حساب المساعدة في معالجة الأزمة السياسية في السودان.
وكان من المقرر أن يسافر ساترفيلد إلى الخرطوم في الخامس والعشرين من مارس للقاء شخصيات سودانية بارزة، لكن انتهى به الأمر إلى إلغاء الرحلة، وفقًا لدبلوماسي غربي مطلع على الأمر.
العرب