معمر فيصل خولي
صادق مجلس الأمة التركي الكبير” البرلمان” في 26 تموز/ يوليو الفائت، على مذكرة رئاسية بشأن نشر عناصر من القوات المسلحة في الصومال بما يشمل البحر الإقليمي ومناطق الولاية الوطنية التابعة لها لمدة عامين في إطار اتفاقية التعاون الدفاعي الموقَّعة بينهما، ومن أجل دعم أنشطة ضمان الأمن ومكافحة الإرهاب والتهديدات الأخرى.
وجاء في المذكرة الرئاسية المقدمة إلى المجلس الأسبوع الفائت، التي، أن أنشطة التدريب والمساعدة والاستشارات التي يقدمها الجيش التركي مستمرة لضمان الأمن والاستقرار في الصومال في نطاق الاتفاقيات الثنائية.
وتشمل الاتفاقيات الموقَّعة مع الصومال أن يتولى الجانب التركي إعادة هيكلة قوات الدفاع والأمن الصومالية والتأكد من وصولها إلى القدرة على مكافحة الإرهاب والقرصنة وجميع أنواع التهريب وغيرها من التهديدات.
وجاء في المذكرة الرئاسية أنه «تماشياً مع هذه الأغراض جرى توقيع الاتفاقية الإطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي بين تركيا والصومال في 8 شباط/ فبراير الفائت، بهدف تطوير العلاقات بين البلدين، وتعزيز التعاون الدفاعي، مما يتيح استخدام الموارد الاقتصادية للصومال بشكل أكثر فاعلية وكفاءة».
وتجدر الإشارة هنا، أنه في عام 2017 افتتحت تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها في مقديشو حيث توفر التدريب للقوات المسلحة والشرطة الصومالية، في خطوة تعزز من قدراتها في الحفاظ على الأمن والاستقرار.
وفي وقت سابق، أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، عن خطط تركيا للتنقيب عن النفط والغاز في 3 مناطق قبالة السواحل الصومالية، في خطوة تعكس اهتمام أنقرة المتزايد بالموارد الطبيعية والإستراتيجية في المنطقة. وأوضح الوزير أن سفينة الأبحاث “الريّس عروج” التركية ستتوجه إلى الصومال برفقة سفن الدعم في نهاية سبتمبر/أيلول المقبل لبدء التنقيب. ويقدر أن عمليات التنقيب عن النفط في الصومال ستستغرق بين 3 و5 سنوات، وفق ما ذكرت وكالة الأناضول.
وفي إطار تعزيز العلاقات الثنائية، وقعت تركيا والصومال في مارس/آذار الماضي اتفاقية دولية ومذكرة تفاهم لتطوير التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي في المناطق البرية والبحرية بالصومال. وشملت جهود تركيا في الصومال بناء مدارس ومستشفيات وتطوير البنية التحتية، فضلا عن تقديم منح دراسية للصوماليين للدراسة في الجامعات التركية.
تأتي اتفاقية التعاون الدفاعي بين تركيا والصومال في سياق عقيدة “الوطن الأزرق” التركي، حيث برزت هذه العقيدة كإستراتيجية دفاعية عن حقوق الدولة التركية البحرية، من ثوابت المؤسسة البحرية التركية عام 2006، لتؤكد على حقها في المطالبة بالمنطقة الاقتصادية الخالصة لها في البحر المتوسط، وعلى ضرورة فرض سيطرتها العسكرية في البحرين المتوسط والأسود، وبحر إيجه، وكذلك مناطق سيطرتها السابقة في عهد الدولة العثمانية، باعتبار عقيدة “الوطن الأزرق” نهجًا عسكريًا شاملاً يضمن الحفاظ على حقوق ومصالح تركيا، من خلال إقامة منشآت عسكرية ونشر قوات عسكرية برية وبحرية، لتعزيز وتنشيط النفوذ التركي في العديد من الدول والأقاليم حول العالم.
وقد جاءت هذه العقيدة كرد على خريطة إشبيلية التي تم نشرها ضمن دراسة أعدها الأستاذ في جامعة إشبيلية الإسبانية خوان لويس سواريز دي فيفيرو برفقة زميله خوان كارلوس رودريغز ماتيوس في العام 2004، وتحمل الدراسة عنوان “أوروبا البحرية وتوسيع عضوية الاتحاد: آفاق جيوسياسية”، وتطرقت إلى تبعات الانضمام المحتمل حينها لدول مثل رومانيا وبلغاريا وكرواتيا وتركيا إلى عضوية الاتحاد على الوضع البحري للتكتل الأوروبي.
وتمنح الخريطة، التي كانت بطلب من المفوضية الأوروبية، لكل جزيرة من الجزر اليونانية الكثيرة مهما كان صغر حجمها، مثل كاستيلوريزو (ميس) منطقة اقتصادية خالصة بطول 200 عقدة بحرية (370 كلم)، بالمقابل تُبقي خريطة إشبيلية لتركيا منطقة بحرية محصورة في سواحلها رغم أنها صاحبة أطول شريط ساحلي في المتوسط من بين كل دول حوض المتوسط.
وتمتلك اليونان قرابة 4 آلاف جزيرة في بحر إيجه وحده أغلبها جزر صغيرة، وهو ما يجعلها تستحوذ على كل هذا البحر عبر مد الجرف القاري والمياه الإقليمية لكل جزيرة على حدة.
وحسب دراسة “دي فيفيرو” فإن حدود المنطقة التي تقول اليونان إنها الجرف القاري التابع لها في بحر إيجه والمتوسط، وكذلك المنطقة الاقتصادية الخالصة التي أعلنتها قبرص عام 2004، تشكلان الحدود الرسمية للاتحاد الأوروبي، ووفقا للخريطة فإن حدود اليونان (التي هي حدود الاتحاد الأوروبي) وجرفها القاري يبدأ من جزيرة كاستيلوريزو (ميس)، ويمتد جنوبا حتى منتصف البحر المتوسط، بما لا يدع لتركيا متنفسا سوى خليج أنطاليا.
وترفض تركيا الخريطة؛ لأن مساحة جزيرة ميس تبلغ 10 كيلومترات مربعة، ولا تبعد سوى كيلومترين عن حدودها البرية، فيما تبعد عن بر اليونان الرئيسي نحو 580 كيلومترا. وتمنح اليونان جزيرة كاستيلوريزو بموجب الخريطة جرفا قاريا بمساحة 40 ألف كيلومتر مربع.
وتقول تركيا إن اليونان وقبرص تستعملان الخريطة كأداة أساسية لتحقيق حلمهما في عزل تركيا عبر حبسها في مساحة بحرية ضيقة على ضفاف خليج أنطاليا في البحر المتوسط، ونقلت وكالة الأناضول عن وزير الخارجية التركي السابق، مولود جاويش أوغلو، بأن أنقرة تجدد رفضها لخريطة إشبيلية، وأضاف “أستطيع أنه أقول إنه إذا استمر التمسك بهذه الخريطة، فلن يكون بإمكاننا حل المشاكل”.
إذن مع عقيدة ” الوطن الأزرق” التركية والتي تقف في وجهها بالمرصاد “خارطة إشبيلية” للتضييق على المجالات البحرية التركية، جاءت اتفاقية تركيا مع الصومال من أجل الدفاع عن مصالحها البحرية، دعمًا لطموحاتها المُتزايدة في منطقة القرن الأفريقي، وفرصة لرسم خريطة تحالفاتها العسكرية، بما يضمن حماية مصالحها الاقتصادية من التهديدات الأمنية المُنتشرة في المنطقة، خاصة أن هذه الخطوة تأتي في إطار الاتفاقية الإطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي بين تركيا والصومال، التي تم توقيعها في 8 شباط/ فبراير 2024، والتي بموجبها تتولى تركيا حماية ما يقرب من 3 آلاف كيلومتر من ساحل الصومال، المُمتد من كينيا إلى جيبوتي، بواسطة جنودها وسفنها الحربية، لمدة 10 سنوات، بهدف تعزيز التعاون والتنسيق بين الجانبين في مجالات الأمن البحري، والتدريب العسكري، والتعاون الاقتصادي، ما يمنح تركيا حق استغلال جزء كبير من ثروات الساحل الصومالي، ويُعزز من نفوذها في منطقة القرن الأفريقي.
فالاتقاقية هي مسار في طريق لشراكة إستراتيجية متنامية بين أنقرة ومقديشو على مستويات متعددة،لتعزيز الحضور العسكري التركي في منطقة القرن الأفريقي، في ظل المنافسة الجيوسياسية المتصاعدة حول هذه المنطقة الحيوية.
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية