تمتلك منطقة الكرادة الشرقية وسط بغداد ميزة خاصة عن بقية المناطق الشعبية القديمة في العاصمة العراقية، كونها ذات خليط شيعي – سني – مسيحي منذ تأسيس الدولة الحديثة في عشرينيات القرن الماضي، فضلاً عن احتضانها مقار ومنازل عدد من السياسيين على مدى قرن كامل من التأسيس.
وتقع الكرادة في جانب الرصافة من بغداد على الجانب الشرقي من نهر دجلة، وتضم أهم شوارع العاصمة مثل الكرادة داخل والخارج والجادرية وشوارع 42 و52 و62 والسعدون وأبو نؤاس والنضال، فضلاً عن أهم ساحات ونصب العاصمة مثل كهرمانة والفانوس السحري والفردوس وعقبة بن نافع والتحريات والحرية.
تاريخ سياسي
وعُرفت المنطقة بتاريخها السياسي واعتُبرت من أهم المناطق التي تنطلق منها الحركات الاحتجاجية سواء في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي أو في التظاهرات التي اندلعت بعد عام 2003، وآخرها تظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
وسكن فيها زعماء عراقيون أو رؤساء وزراء سابقون مثل عبد الكريم قاسم، وتم في حينها اقتطاع جزء منها لبناء القصر الجمهوري الذي تحوّل في ما بعد إلى “المنطقة الخضراء” عام 2003.
كما اتخذها عدد من المسؤولين في زمن حكم حزب البعث (1968-2003) مقار لهم مثل نائب رئيس الوزراء السابق طارق عزيز، وعبد الحميد محمود سكرتير صدام حسين الشخصي، وعدد من أسرة الرئيس العراقي الأسبق أحمد حسن البكر.
مقار حكومية وحزبية
وتقع مقار حكومية ودبلوماسية مهمة في المنطقة مثل قصر السلام مقر رئاسة الجمهورية، وجامعتي بغداد والتكنولوجيا، ووزارتي الاتصالات والتعليم العالي، والسفارة الفرنسية، ومديرية المرور العامة، ومؤسسة السجناء، ومديرية الجنسية والجوازات العامة، وعدد كبير من فروع المصارف الحكومية والخاصة، وأبرز فنادق العاصمة مثل بغداد وبابل وفلسطين والمريديان، فضلاً عن الأسواق التجارية والمطاعم والمقاهي.
وتضم الكرادة أيضاً مقار حزبية مثل “تيار الحكمة” بزعامة عمار الحكيم، و”حركة أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي، و”الاتحاد الوطني الكرستاني”، و”منظمة بدر” بزعامة هادي العامري، وفصيل “كتائب جند الإمام والنجباء”، ومنزل رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، ونائب رئيس البرلمان السابق همام حمودي وقيادات سياسية عدة.
ملاصقة للخضراء
وتقع الكرادة عند بوابات “المنطقة الخضراء”، وتضم مقار الحكومة والبرلمان العراقيين، والسفارتين الأميركية والبريطانية، ومقار وزارة الدفاع العراقية، وجهاز الاستخبارات العراقية، إضافة إلى عدد من مراكز الأجهزة الأمنية المهمة.
تاريخ من التفجيرات
وبعد عام 2003، تعرضت المنطقة لعدد من الهجمات الانتحارية والعبوات الناسفة وصواريخ الكاتيوشا التي تبنّاها تنظيم “القاعدة” ومن ثم تنظيم “داعش”، وأسفرت عن مقتل وإصابة مئات المواطنين.
ومن أهم العمليات التي شهدتها المنطقة في أكتوبر عام 2005، الهجوم الانتحاري المزدوج بشاحنتين استهدفتا فندقي عشتار وفلسطين، ما أدى إلى خسائر مادية وبشرية.
وفي مطلع عام 2005، انفجرت سيارة مفخخة قرب أحد مراكز الشرطة في حي الكرادة في بغداد، في هجوم انتحاري أسفر عن مقتل نحو 11 مدنياً.
وفي مايو (أيار) من عام 2006، استُهدفت المنطقة بصواريخ كاتيوشا أسفرت عن تدمير عدد من المباني ومقتل وإصابة العشرات.
وفي مارس (آذار) من عام 2008، انفجرت قنبلتان قرب سوق شعبية، ما أدى إلى مقتل 68 شخصاً وإصابة 120 آخرين.
في يناير (كانون الثاني) 2010، تعرّضت فنادق الحمراء وبابل والشيراتون لهجمات انتحارية، أسفرت عن مقتل 40 شخصاً وإصابة 50 آخرين.
وفي مطلع أيار من عام 2015، قُتل 15 شخصاً من بينهم الإعلامي البارز عمار الشابندر، الذي كان يتولّى إدارة فرع معهد الحرب والسلام في بغداد، في انفجار سيارة مفخخة قرب مطعم شعبي.
وفي أيار من العام ذاته، استهدف انتحاري فندق بابل في المنطقة، فسقط 13 شخصاً بين قتيل وجريح.
إلا أن التفجير الأبرز، فوقع عام 2016 بسيارة مفخخة وسط أحد الشوارع التجارية في ذروة التسوق لعيد الفطر، ما أسفر عن مقتل 350 شخصاً حرقاً واختناقاً وإصابة 150 آخرين بعدما حوصروا داخل بناية مجمع الليث ومقهى مقابل المجمع في المنطقة.
الإرهابيون يقتلون كل جميل
يقول حيدر كاظم وهو من سكان منطقة كرادة داخل أو كما يحب أن يسمّيها أهلها بـ”الكرادة الشرقية”، المنطقة كانت ضحية للتفجيرات بعد 2003 حتى إنها باتت تشهد أحياناً تفجيرين في شهر واحد، في وقت بات كثير من الناس يتجنبون قصد الكرادة داخل في بعض الأحيان، لا سيما بعد تفجير “مجمع الليث” (أكبر تفجير شهدته المنطقة عام 2016)، خوفاً على حياتهم، على الرغم من أنها من أجمل مناطق بغداد كونها قريبة من أبو نؤاس، وتحتضن كثيراً من المقاهي الجميلة والأسواق الرائعة.
ويرى كاظم أن الوضع الأمني تحسن عن الماضي في المنطقة ورجعت الأسواق إلى طبيعتها، إلا أن رفع الإجراءات الأمنية يزيد من مخاوف الأهالي.
وعن سبب استهداف المنطقة، يعتبر كاظم أن “الإرهابيين يحاولون أن يقتلوا كل جميل في العراق، ولذلك هم يختارون الأجمل في بغداد، ففقدنا كثيراً من الأحباء من أهالي المنطقة في تلك التفجيرات”.
مرتكز النخبة الشيعية
فيما يشرح الباحث في الشأن السياسي علي بيدر أن الكرادة تمثل مرتكز النخبة الشيعية، فضلاً عن مقار الأحزاب الشيعية، والمقار والمؤسسات الحكومية المختلفة، واستهدافها يمثل صدىً إعلامياً واسعاً.
وأضاف “ضربها سيؤدي إلى رد فعل حاد حتى من قبل متطرفي الشيعة، بالتالي هي محاولة للشحن المذهبي من جانب تنظيم داعش”.
ولفت إلى أن المنطقة تعتبر من المناطق التجارية المهمة في بغداد، واستهدافها سيحدث خضة، خصوصاً أنها تشمل مقار أحزاب ومواقع كثير من المؤسسات الحكومية المهمة، بالتالي سيكون صدى الحدث أكبر إعلامياً”.
اندبندت عربي