الباحثة شذى خليل*
تسبب انهيار الواقع الصحي والعلاجي في العراق، بإرباك المواطنين الذين هم بحاجة ماسة الى العلاج، وسوء الرعاية الصحية هو من بين المظالم الأساسية، ونقص الوصول إلى علاج السرطان، حيث تعاني الكثير من العوائل التي لا يستطيع أفرادها الحصول على أدوية السرطان لأطفالهم ، وتتعالى الأصوات والمناشدات من قبلهم لكن دون جدوى، ويعتمد الضغط العام على القادة السياسيين وعلى جميع المستويات.
يوصف نظام الرعاية الصحية بالمأساوي فهناك نقص في الأدوية والطاقم الطبي لإدارته، الأطباء يفرون بالآلاف إلى خارج البلاد، ومعدلات العمر المتوقع ووفيات الأطفال أقل بكثير من المتوسط في المنطقة، حيث ذكرت بعص المصادر الرسمية، انه تم تسجل اكثر من 540 الف مسافر عراقي الى الهند منذ 2009 لغاية 2021، و ان اكثر من مليار دولار صرفه المسافرون العراقيون خلال السنين الماضية على معيشتهم وفاتورة المستشفيات الهندية، مبينا ان معدل بقاء المسافر العراقي في الهند لغرض العلاج 22 يوما ويصرف خلالها على المأكل، السكن، التنقل، العلاج المستشفيات، كل هذه المصروفات هي عملة خارجة الى خارج العراق.، اكثر من 502 الف مسافر لغرض العلاج، صرفوا اكثر من مليار دولار خلال السنين الماضية على معيشتهم وفاتورة المستشفيات الهندية
ما يتم صرفه في ايران ولبنان والاردن على المستشفيات لمجمل مصروفات المواطن العراقي الباحث عن العلاج خارج العراق اكثر من 2-3 مليار دولار كلها اموال خرجت من المنظومة المالية العراقية واستفادت منها دول اخرى لفشل دولتنا وحكوماتنا المتعاقبة في توفير نظام صحي عالي الكفاءة وموثوق به
تخصيصات من ميزانية الدولة السنوية للوزارة غير كافية اذ في عام 2019، وهو عام من السلام النسبي، خصصت الحكومة 2.5 في المائة فقط من الميزانية العامة البالغة 106.5 مليار دولار لوزارة الصحة، وهي نسبة ضئيلة من الإنفاق في أماكن أخرى في الشرق الأوسط. وبالمقارنة، تلقت قوات الأمن 18 ٪ ووزارة النفط 13.5 في المئة، مما يعني أن الحكومة المركزية في العراق قد أنفقت على نصيب الفرد من الرعاية الصحية أقل بكثير من جيرانها الأكثر فقراً – 161 دولارًا لكل مواطن سنويًا في المتوسط، مقارنة بـ 304 دولارات في الأردن و 649 دولارات في لبنان.
في السياق ، مستشفى السرطان في البصرة للسرطان الأطفال. المستشفى ضيق المساحة، ففيه ستة أسرّة مكتظة في كل غرفة ويشغل كل سرير مريض. مع وجود 1.2 سرير مستشفى لكل 1000 شخص، يتخلف العراق عن المنطقة. وتنام الأمهات على الأرض بجانب أطفالهن ، فيما ينام الآباء في مقطورة مجاورة – العراقيون يسمونها كرفان. وحتى غرف الطوارئ أعيد تهيئتها لاستيعاب المزيد من المرضى. يقول المسؤولون إن المستشفى قد تضطر قريباً إلى التوسع في مواقع التخزين.
يشكو الآباء من أن أزمة المساحة ليست جيدة للأطفال الذين انخفضت مناعتهم بسبب العلاج الكيميائي، لكنهم يعلمون ما إذا كان المستشفى قيد الإشغال فلن يتم قبول معظم الأطفال.
تعد البصرة، أكبر مدن الجنوب، والعاصمة الاقتصادية للعراق وتصدر ما يكفي من النفط لتغطية 90٪ من إيرادات الدولة، لكن نظام الرعاية الصحية الخاص بها يعاني من نقص مزمن في التمويل ويديره أطباء وممرضون مثقلون بأكثر من طاقتهم، وفقًا للأطباء والمرضى في المدينة وتحليل للبيانات من وزارة الصحة.
الفساد وسوء الإدارة على المستوى الاتحادي والمحلي هما المسؤولان عن تدهور الوضع في البصرة .
يلجأ بعض الأهالي من المتمكنين ماديا من شراء الأدوية من إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، والذي يضم وزارة الصحة ونظام فحص الأدوية الموازي. لأن الأدوية قد تم فحصها والموافقة عليها من قبل هيئة حكومية، فهي تعتبر مشروعة.
الرعاية الصحية أفضل في كردستان، فلم تتضرر المنطقة من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 ونجت من الدمار الذي خلفته الحرب الأهلية، ويبلغ عدد سكانها ما بين 15 و 20 في المائة من سكان العراق، إلا أنها تضم ربع مراكز القلب والأوعية الدموية وإعادة التأهيل وثلث مراكز السكري. حيث يوجد في بقية العراق 1.1 سرير في المستشفى و 0.8 طبيب لكل 1000 شخص، يوجد في كردستان 1.5 سرير و 1.4 طبيب.
وقال وزير الصحة السابق العلوان انه في عام 2018 كان أكثر من 85 في المئة من الأدوية المدرجة في قائمة الأدوية الأساسية في العراق إما منقوصة أو غير متوفرة على الإطلاق، وتعد عقاقير السرطان من بين الندرة والأكثر تهريبًا، ويعزى ذلك جزئيًا إلى ارتفاع كلفتها.
ويقول المنظمون والمستوردون الخاصون إن الشركات الدولية شعرت بالخوف من التعامل مباشرة مع الحكومة العراقية بسبب الفساد وعدم الاستقرار.
وتستورد الحكومة الأدوية والمعدات الطبية من خلال الشركة العامة لتسويق الأدوية والأجهزة الطبية، المعروفة باسم KIMADIA، وأصر رئيسها على أن العلاقة مع شركات الأدوية جيدة، لكنه أقر أيضًا بأنه عفا عليها الزمن ونقص التمويل وغالبًا ما تفشل في تلبية الطلب.
ادوية مهربة ومنتهية الصلاحية :
الصيدليات العراقية غارقة في الأدوية المهربة التي يمكن أن تتجاوز تاريخ انتهاء الصلاحية أو غير آمنة. ولا يمكن للعراق الاعتماد على صناعته المحلية لإنتاج الأدوية.
إنه بعيد كل البعد عن الستينيات والسبعينيات عندما كانت الرعاية الصحية العراقية موضع حسد الشرق الأوسط. كان العراق ثاني دولة، بعد مصر، في صناعة الأدوية. يقف الآن اثنان من المصانع الكبيرة المملوكة للدولة كنصب تذكاري لتراجع البلاد. الأول، في الموصل، دمرته داعش، والثاني في سامراء، شمالي بغداد، يعمل باستخدام معدات عمرها عقود.
حيث تأسست الشركة قبل 50 عامًا، وتمتلك الشركة العامة للصناعات الدوائية (SDI) المصانع، وقال ليث عبد الرحمن رئيس مجلس ادارة الشركة في مكتبه في سامراء “كانت الشركة تنتج أكثر من 300 دواء والآن لديها فقط حوالي 140 في السوق وجميعها عناصر أساسية، فيما لا توجد أدوية منقذة للحياة، وفي عام 2019، كانت الشركة تنتج أدوية أقل بنسبة 80 ٪ مما كانت عليه في عام 2002، قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة”.
يقول خبراء طبيون إن الفساد، والضرائب المرتفعة، وشبكة الكهرباء غير الموثوق بها، وسوء سلسلة التوريد، والظروف الأمنية القاسية، قد أعاقت هذه الصناعة لعقود من الزمن.
وأن ارتفاع نسب الوفيات بين المواطنين في المستشفيات هو نتيجة رداءة العلاج، والبيئة غير الصحية وغير المعقمة بالمستشفيات، وهجرة الكوادر الطبية والكفاءات منها، ما نزع آخر خيوط الثقة التي كانت بين الوزارة والمواطن ودفعه ذلك إلى البحث عن العلاج بالمستشفيات الخاصة أو خارج البلاد.
بقي فقط المواطن الفقير المعدوم الذي لا يمتلك المال و لا القدرة على الذهاب للمستشفيات الخاصة أو العلاج خارج العراق يزور المستشفيات الحكومية ، وتؤكد البيانات أن ما لا يقل عن 4 آلاف عراقي يغادرون البلاد شهرياً للعلاج.
وأن العراق سجل فشلاً كبيراً بمجال محاربة السرطان وكذلك علاج أمراض الكلى والتشوهات الولادية والأمراض العصبية وهو ما زاد من معدل الإنفاق العلاجي خارج العراق، مشيراً إلى أن هذه الأرقام غير التي ترسلها الدولة على نفقتها الخاصة للعلاج كجرحى قوات الجيش والشرطة والحشد الشعبي.
فساد مالي وادراري واخلاقي
إن الإنفاق العراقي الخاص على العلاج خارج البلاد أكثر من هذا الرقم بكثير، لكن لا يوجد إحصاء أو طريقة لدى السلطات المعنية لمعرفة كم يتسرب من العملة الصعبة من العراق إلى الخارج لقاء علاج المواطنين.
وخلال عام 2017 أنفق العراق نحو 200 مليون دولار على علاج أفراد الجيش والشرطة والحشد الشعبي الذين أصيبوا خلال المعارك، في دول خارج العراق، وأنفق مبلغاً أكبر عام 2016.
أما المواطنون الجرحى ضحايا العمليات الإرهابية والأخطاء العسكرية فتم علاجهم على نفقتهم الخاصة. ورأى أن “هذه المبالغ كانت كفيلة بأن تنهض بقطاع الصحة الذي ينخره الفساد المالي بشكل كبير في بغداد والمحافظات”.
قال رئيس منظمة الشفافية العراقية، فراس ناصر، في تصريحات صحافية، إن “الفساد ينخر القطاع الصحي العراقي بكل وضوح”، وان “هناك عمليات فساد كبيرة تبدأ من سرقة الأدوية أو استبدالها بأخرى منتهية الصلاحية، مروراً بسوء الخدمات المقدمة في المستشفيات الحكومية وتفكك المنظومة الأخلاقية للتعامل مع المرضى، وانتهاءً باستشراء المحسوبية والحزبية في مفاصل الوزارة”.
ويقول احد المسؤولين في الدولة ، للعراقيين الحق بإخراج 10 آلاف دولار من المطار والمنافذ، وله حق أن يحول 30 ألف دولار أخرى من مكاتب التحويل والبنوك وأعتقد أن هذه طريقة جيدة للبدء بقياس كم تخرج من أموال لقاء العلاج”. واتهم الوزيرة السابقة عديلة حمود بالتسبب في إيصال قطاع الصحة في العراق إلى مرحلة الانهيار التام.
ورغم أن مسؤولين عراقيين آخرين يتحدثون عن أرقام إنفاق أعلى من ذلك بكثير إلا أن مكتب المفتش العام بوزارة الصحة أكد أن “ما بين 5 و6 ملايين دولار ينفقها العراقيون من أموالهم الخاصة للعلاج بالخارج وهو مبلغ كاف لبناء مستشفى كل ثلاثة أشهر، وبناء ثلاثة مراكز صحية للرعاية الأولية كل شهر بالعراق”.
عضو منظمة أمل لمحاربة السرطان محمد هاشم العقابي، قال إن “عدد الذين يذهبون للعلاج خارج البلاد زاد إلى ثلاثة اضعاف في السنوات الأربع الماضية، ومعدل الإنفاق لكل مريض لا يقل عن 10 آلاف دولار”، مبينا أن كثيرا من المرضى وذويهم اضطروا لبيع ممتلكاتهم لقاء الذهاب إلى العلاج في الخارج.
والأغرب أن العراقيين يسافرون إلى خارج العراق لكي يتعالجوا على يد أطباء عراقيين أيضًا، وهذا ليس غريبا فقط بل محزن كثيرا.
ختاما لو كان لدينا نظاما صحيا متكاملا ومحل ثقة لكان المليار صرف داخل العراق بمستشفياته وبطعامه وبعلاجه وبتنقله، اذا ما اضيف ما تم صرفه في ايران ولبنان والاردن على المستشفيات لبلغ مجمل مصروفات المواطن العراقي الباحث عن العلاج خارج العراق اكثر من 2-3 مليار دولار كلها اموال خرجت من المنظومة المالية العراقية واستفادت منها دول اخرى لفشل أداء الدولة في متابعة عمل الوزارات وبالأخص الصحة وتنظيفها من الفساد المالي والإداري والأخلاقي لجميع الدورات المتعاقبة منذ 2003 في توفير نظام صحي عالي الكفاءة وموثوق به .
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية