إسطنبول – يزور الرئيس التركي السعودية الخميس في تتويج لجهود أنقرة المستمرة منذ شهور لإصلاح العلاقات مع الرياض، والتي شملت إغلاق تركيا لقضية قتل الصحافي جمال خاشقجي في إسطنبول.
وقال مكتب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن الزيارة تستغرق يومين، وسيبحث خلالها علاقات أنقرة مع المملكة وكذلك سبل زيادة التعاون.
ويقول محللون ومسؤولون إن التمويل السعودي قد يساعد في تعزيز الاقتصاد التركي المنهك.
وتوترت العلاقات بين البلدين بعد مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في 2018. واتهم أردوغان “أعلى مستويات” الحكومة السعودية بإصدار الأوامر بقتله، لكن أنقرة خففت حدة تصريحاتها كثيرا منذ ذلك الحين.
وفيما مهّد السبيل لتلك الزيارة، أوقفت محكمة تركية هذا الشهر محاكمة مشتبه بهم سعوديين في قضية قتل خاشقجي وأحالتها إلى السعودية، في قرار دعمته الحكومة.
ويشكل ذلك تغيرا جذريا في السياسة بين البلدين، وربما يعتبر أكبر خطوة في جهود أنقرة منذ عام 2020 لإصلاح علاقاتها المتوترة بقوى إقليمية، منها الإمارات وإسرائيل ومصر والسعودية.
وبعد حرب كلامية بسبب خاشقجي، فرضت السعودية في 2020 مقاطعة غير رسمية للواردات التركية.
ويعاني الاقتصاد التركي منذ سنوات، وتعرضت الليرة لأزمة في أواخر 2021 بسبب اتباع سياسة نقدية غير تقليدية يدعمها أردوغان، مما دفع التضخم إلى الارتفاع إلى أكثر من 60 في المئة.
وتسعى أنقرة لتخفيف الضغوط الاقتصادية عبر التقارب الدولي، مع مواجهة أردوغان انتخابات صعبة من المقرر أن تجرى بحلول منتصف العام المقبل.
وقد تسعى أنقرة إلى اتفاق مع الرياض على غرار اتفاقات قائمة لمبادلة العملة مع الصين وقطر وكوريا الجنوبية والإمارات، تبلغ قيمتها 28 مليار دولار إجمالا. وقال مسؤولون إن تركيا مهتمة أيضا باستثمارات وعقود مماثلة لتلك التي وقعتها مع أبوظبي.
وقال دبلوماسي غربي “أردوغان عملي وتحركه الدوافع السياسية، واستطلاعات الرأي قد لا تصمد لصالحه لعام ما لم يتمكن من دعم الوظائف”.
وأضاف “وبالتالي هو يسعى جزئيا لصفقات وتمويل في السعودية، وخط تبادل (عملة) ربما بعشرة إلى 20 مليار دولار قد يكون أمرا يستحق العناء”.
وقال بيرول باسكان، الباحث غير المقيم في تركيا في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، “لا يمكن لتركيا أن تواصل لعبة مجال النفوذ هذه التي كانت تمارسها منذ بداية الربيع العربي”.
وأنشأت تركيا في السنوات الأخيرة قواعد عسكرية في قطر والصومال، على الرغم من معارضة أطراف إقليمية. كما تسببت مواقف أنقرة بشأن النزاعات في سوريا وليبيا وناغورني قرة باغ وأماكن أخرى، فضلا عن شرائها أنظمة دفاع روسية، في خلافات مع جيرانها وشركائها في حلف شمال الأطلسي.
وقال باسكان “السياسة الخارجية لتركيا القائمة على المواجهة، وتصورها الذي ينطوي على تعظيم للذات، تركتها معزولة”، مضيفا أن الظروف الاقتصادية اقتضت تغيير النهج.
وتصف أنقرة سياستها الخارجية بأنها “ريادية وإنسانية”، ووصف وزير الخارجية عام 2022 بأنه “عام التطبيع” لتركيا.
وقالت الحكومة إن قرار محاكمة خاشقجي لم يكن سياسيا. وقبل هذه الخطوة، قال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو إن شروط “التعاون القضائي” مع الرياض لم تتحقق من قبل، لكن الجانبين يطبقان ذلك الآن. ولم يقل ما الذي تغير.
ويعاني الاقتصاد التركي منذ سنوات، وواجهت الليرة أزمة في أواخر عام 2021 بسبب السياسة النقدية غير التقليدية التي يدعمها أردوغان. ومنذ ذلك الحين تبحث أنقرة عن طرق لتخفيف الضغط من خلال التقارب الدولي.
وقال وزير المالية التركي نورالدين نباتي الأربعاء إنه ناقش التعاون وتبادل وجهات النظر بشأن الاقتصاد والتجارة والاستثمارات مع نظيره السعودي.
وبعد أن تركتها سياستها الخارجية معزولة في منطقتها وخارجها، أطلقت تركيا حملة في عام 2020 لإصلاح العلاقات مع الخصوم، حيث قدمت مبادرات لمصر والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية.
ولم تسفر الجهود مع القاهرة حتى الآن عن تقدم يذكر، لكن التطبيع مع الإمارات وإسرائيل حسّن العلاقات التجارية والدبلوماسية. وظلت العلاقات مع الرياض فاترة، بينما سعت المملكة إلى حل نزاع خاشقجي.
ومع عودة قضية خاشقجي إلى الرياض ومراجعة تركيا لسياساتها الإقليمية، يعتقد محللون ومسؤولون أن العقبات السياسية التي تحول دون تطبيع العلاقات مع السعودية وإنهاء المقاطعة التجارية قد أزيلت.
ويعتقد المصدرون الأتراك أن المقاطعة، التي قلصت صادراتهم إلى السعودية بنسبة 98 في المئة، ستنتهي الآن. ولم يؤكد أي من الجانبين حتى الآن استئناف التجارة.
وقال حسن جوموس، رئيس مجلس إدارة شركة يايلا أجرو للأعمال الزراعية، “تجري محادثات بين الشركات الآن، كما اتصلنا بعملائنا القدامى”، مضيفا أن التجارة ستعود إلى المستويات القديمة سريعا عند استئنافها.
وقال باسكان “أزمة تركيا مع السعودية انتهت الآن”. وأضاف “أردوغان قد يضمن الحصول على بعض رأس المال وعقود حكومية. هذا تحول كبير في السياسة الخارجية، لكنه سيكون مفيدا لتركيا”.
العرب