الرياض – عكست تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس وهو في طريقه إلى السعودية وضعا جديدا بدا فيه الرئيس التركي مجردا من كل أوهامه القديمة التي قامت على رغبته في منافسة المملكة على زعامتها الإسلامية، وعلى استهداف وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان في حملة سياسية وإعلامية مركزة.
وقالت أوساط سياسية خليجية إن أردوغان جاء إلى السعودية مستنجدا بها لإخراج اقتصاد بلاده من أزمات معقدة كانت نتيجة مباشرة لسياساته ومسعاه إلى الزعامة، مشيرة إلى أن أردوغان تصالح أخيرا مع زعامة السعودية وقيادتها للعالم الإسلامي وامتلاكها مقوّمات هذه الزعامة، كما تصالح مع وجود الأمير محمد بن سلمان في قيادة المملكة بالرغم من أنه سعى في السابق إلى تحميله مسؤولية قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
وأشارت الأوساط السياسية الخليجية إلى أن الرئيس التركي سيفتقد حليفه رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان عندما يجد أن رئيس الوزراء الجديد شهباز شريف قد سبقه إلى السعودية ليبحث بدوره عن دعم مالي واستثماري سعودي لتصويب أخطاء سلفه الذي كان استساغ شعبوية أردوغان.
أردوغان جاء إلى السعودية مستنجدا بها لإخراج اقتصاد بلاده من أزمات معقدة كانت نتيجة مباشرة لسياساته
وعقد أردوغان مؤتمرا صحافيا في مطار أتاتورك بإسطنبول، قبيل توجهه إلى السعودية في زيارة تستغرق يومين، تلبية لدعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز.
وقال الرئيس التركي “زيارتي إلى السعودية مؤشر على إرادتنا المشتركة لبدء مرحلة جديدة من التعاون بوصفنا دولتين شقيقتين”، وإن البلدين سيستعرضان خلال زيارته “العلاقات التركية – السعودية بكافة أبعادها”.
وأضاف أردوغان أن السعودية لها “مكانة خاصة” لدى تركيا بسبب العلاقات التجارية والاستثمارات والمشاريع التي نفذها مقاولون أتراك على مرّ السنين.
وتابع “الهيكل التكميلي لاقتصادياتنا من بين العوامل الرئيسية التي تجذب المستثمرين السعوديين إلى مناخ الاستثمار النشط في تركيا”، مشيرا إلى الطاقة المتجددة كمجال يعتقد أن لدى البلدين إمكانات فيه.
ولاحظ متابعون للشأن الخليجي أن مصدر أخبار هذه الزيارة كان دائما هو الرئيس التركي الذي دأب منذ أشهر على الإعلان عن موعدها ثم إعلان التأجيل، من فبراير ثم مارس وأخيرا أبريل، وهو ما قد يظهر برودا سعوديا تجاه الزيارة خاصة أن وسائل الإعلام السعودية لم تولها أيّ أهمية.
المساعي الدبلوماسية الحثيثة مطلوبة لمساعدة تركيا على تخفيف الضغوط الاقتصادية والسياسية بعد أن تسببت سياساتها في عزلها بشكل متزايد
ويعتقد المتابعون أن الرئيس التركي سيعمل ما في وسعه لإذابة الجليد مع ولي العهد السعودي الذي كان هدفا للحملات التركية في قضية خاشقجي، وهي حملات قادها أردوغان بنفسه وبلغت سقفا غير مبرر خاصة أن الرياض قابلت الإساءات التركية بصمت تام ولم تعلق عليها، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان على الرئيس التركي تبديد الغضب السعودي وخاصة لدى الأمير محمد بن سلمان الذي يمسك بصفة خاصة بملف الاستثمارات والمشاريع الكبرى التي جاء أردوغان لأجلها إلى الرياض.
ويقلل هؤلاء من فرص أردوغان في استرضاء وليّ العهد السعودي بالرغم من إعلان أنقرة إغلاق ملف خاشقجي في تركيا وإحالة القضية إلى القضاء السعودي.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” ذكرت أنّ وليّ العهد السعودي يُريد من الرئيس التركي أن يتعهد بأنه لن يذكر مقتل جمال خاشقجي مرة أخرى، وهو الملف الذي لطالما استخدمته أنقرة للضغط على السعودية من أجل تحصيل استثمارات كبرى لإخراج الاقتصاد التركي من أزمته الحادة، لكنّ السعوديين خيّروا تحمّل الهجمات المجانية والإساءات إلى قيادتهم على أن يخضعوا للابتزاز التركي.
ويقول محللون ومسؤولون إن التمويل السعودي قد يساعد تركيا في التخفيف من مشكلاتها الاقتصادية التي تشمل ارتفاعا حادا في التضخم قبل انتخابات صعبة يخوضها أردوغان العام المقبل.
وتضررت العلاقات بين البلدين بشدة بعد مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول في 2018. واتهم أردوغان “أعلى المستويات” في الحكومة السعودية بإصدار الأوامر بقتله، لكن أنقرة خففت حدة تصريحاتها كثيرا منذ ذلك الحين.
وتأمل أنقرة في أن تنهي الزيارة بشكل كامل مقاطعة غير رسمية فرضتها السعودية على الواردات التركية في 2020 وسط حرب كلامية بسبب قضية خاشقجي. وخفضت المقاطعة الواردات التركية للمملكة بنسبة 98 في المئة.
وقال مسؤول تركي بارز إن هناك أجواء “إيجابية للغاية” قبل الزيارة، وأضاف “الأرض ممهدة وجاهزة ليتسنى لنا مرة أخرى العمل في تناسق فيما يتعلق بالتجارة والاستثمار والقضايا الإقليمية”.
ويعاني الاقتصاد التركي منذ سنوات وتعرضت الليرة لأزمة في أواخر 2021 بسبب اتباع سياسة نقدية غير تقليدية يدعمها أردوغان مما دفع التضخم للارتفاع إلى أكثر من 60 في المئة.
وقد تسعى أنقرة إلى اتفاق مع الرياض على غرار اتفاقات قائمة لمبادلة العملة مع الصين وقطر وكوريا الجنوبية والإمارات تبلغ قيمتها 28 مليار دولار إجمالا. وقال مسؤولون إن تركيا مهتمة أيضا باستثمارات وعقود مماثلة لتلك التي وقعتها مع أبوظبي.
وزيارة أردوغان إلى السعودية خطوة في إطار جهود أنقرة لإصلاح علاقاتها المتوترة مع قوى إقليمية منها الإمارات وإسرائيل ومصر.
ويقول دبلوماسيون ومحللون إن تلك المساعي الدبلوماسية الحثيثة مطلوبة لمساعدة تركيا على تخفيف الضغوط الاقتصادية والسياسية بعد أن تسببت سياساتها في سوريا وليبيا وملفات أخرى خلال السنوات القليلة الماضية في عزلها بشكل متزايد.
وقال دبلوماسي غربي “أردوغان عمليّ وتحرّكه الدوافع السياسية، واستطلاعات الرأي قد لا تصمد لصالحه لعام ما لم يتمكن من دعم الوظائف”.
وأضاف “وبالتالي هو يسعى جزئيا لصفقات وتمويل في السعودية، وخط تبادل (عملة) ربما من عشرة إلى 20 مليار دولار قد يكون أمرا يستحق العناء”.
وضم الوفد المرافق لأردوغان وزراء الداخلية سليمان صويلو، والدفاع خلوصي أكار، والعدل بكر بوزداغ، والصحة فخرالدين قوجة، والخزانة والمالية نورالدين نباتي.
كما ضم الوفد أيضا وزير الثقافة والسياحة محمد نوري أرصوي، ووزير التجارة محمد موش، إلى جانب نائب رئيس حزب العدالة والتنمية بن علي يلدريم، ورئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان، ورئيس دائرة الاتصال بالرئاسة فخرالدين ألطون.
العرب