هؤلاء ليسوا دبلوماسيين

هؤلاء ليسوا دبلوماسيين

إنهم يخسرون. العالم لم يعد يخشى التهم التي يتاجر بها الصهاينة من معاداة السامية إلى دعم الإرهاب إلى التهديد بفقد المنصب أو الموقع أو الانتخابات. ولأن التيار بدأ يتغير وينقلب ضد الظلم والقهر والعربدة، التي تتمثل جميعها في هذا الكيان بدأت عملية الصحوة في الدول الغربية ومنها الولايات المتحدة، صحيح متأخرة، لكنها انطلقت ولن تعود إلى الجحور كما كانت.
التغير هنا في الولايات المتحدة أصبح واسعا وملموسا وشجاعا، صحيح أن الانتصار لن يأتي غدا، لكن قطار الحق والحقيقة انطلق ولن يوقف زحفه لا جماعة الأنجليكيين ولا الصهاينة المسيحيون ولا عربان التطبيع. لهذا ترى ممثلي هذا الكيان في الأوساط الدبلوماسية كلما ووجهوا بالحقيقة الدامغة فقدوا أعصابهم وراحوا يتصرفون على سجيتهم دون فرامل وبطريقة أقرب إلى مسلكية أعضاء العصابات وقطعان المستوطنين، وفي لحظات الهزيمة يخرج منهم كل تصرف أرعن ويعود الدبلوماسي إلى مستوطن منفلت من كل عقال، جاء يطلق سمومه على كل من يعترض على هراء الحق التاريخي والإرهاب الفلسطيني، وأسلوبهم إكذب ثم إكذب حتى تجبر المستمعين أن يسكتوا على الكذب. وسأروي هنا بعض هذه الحوادث وهي كثيرة تملأ صفحات كتاب.

التغير في الولايات المتحدة أصبح ملموسا وشجاعا، وقطار الحق والحقيقة انطلق ولن يوقف زحفه لا جماعة الأنجليكيين ولا الصهاينة المسيحيون ولا عربان التطبيع

المواجهة مع السفراء في مقر الأمم المتحدة

يختبئ سفراء الكيان عن مواجهة الصحافة هنا.. فلا أذكر أبدا أن سفيرا أو وزيرا إسرائيليا عقد مؤتمرا صحافيا متكاملا في قاعة المؤتمرات الصحافية، أسوة ببقية ممثلي الدول الدائمين أو وزراء الخارجية. في العادة ينتظر السفير الإسرائيلي المناقشة الدورية للقضية الفلسطينية في نهايات كل شهر، ثم يأتي قبل بدء الجلسة بربع ساعة فقط، ويقف ليدلي ببيان مكتوب ومعه صور ورسومات وأحيانا فيديوهات، ثم يأخذ سؤالا أو اثنين من صحافيين تم الاتفاق معهم سلفا من المؤيدين للكيان، ثم يهرع إلى قاعة المجلس بحجة اقتراب موعد بدء الجلسة. وقد اعتدنا على نصب الكمائن لهم فننتظرهم بعد أخذ السؤال الأول أو الثاني ونسأل بصوت عالٍ لكن بأدب، هل لك أن تأخذ سؤالا من صحيفة عربية أو صحافي فلسطيني؟ وقد حدث أن استجاب للسؤال بعد أن همّ بالمغادرة. وأود أن أروي للقراء بعض هذه المواجهات، التي أعتبرها مهمة، لأن الفلسطيني/العربي يعيش حالة اشتباك دائم في كل زمان ومكان مع باطل هؤلاء ولا يترك فرصة إلا واستغلها لفضح زيف الروايات الخزعبلاتية التي تتحدث عن الحق الإلهي وأرض الأجداد من مستوطن برتبة سفير جاء هو، أو أبوه على أبعد تقدير، من المجر أو بولندا أو أوكرانيا أو بروكلين. يوم الاثنين الماضي وقف سفير الكيان جلعاد إردان، وراح يؤكد أن الذي بدأ الاضطرابات في المسجد الأقصى هم « الإرهابيون من حماس والجهاد والجبهة الشعبية» وعرض فيديو على جهاز «الآي باد» ولا تكاد ترى شيئا من السرد الذي أكد عليه مرارا ووضع اللوم كاملا على الفلسطينيين. عندما وجهت له سؤالا حول الاحتلال والممارسات الإسرائيلية وقلت له بإمكاني أن أعرض مئات الأشرطة التي توثق استهداف إسرائيل للمدنيين في كل الأرض الفلسطينية المحتلة. العالم كله رأى جنودك تغتال بدم بارد غادة سباتين من مسافة قصيرة في حوسان، لكن هذا ليس موضوعنا. وسألته بشكل مباشر: هل تعترف أن هذه الأراضي محتلة من قبل إسرائيل؟هل تريد للفلسطينيين أن يحتضنوا الاحتلال أن يقعوا في حب الاحتلال أن يرشوه بالورد والحلوى، أن يتغنوا بالاحتلال؟ أليس من حقهم أن يقاوموا الاحتلال؟ هل تعترف بوجود احتلال أم لا؟» هنا احتد السفير المستوطن وخرج عن حدود الأدب واللياقة والدبلوماسية ورد بشكل حاد وعصبية: «لا أريد أن أتجادل معك. هذه جوديا وسماريا هذه أرض أجدادنا، هذه ليست أراضي محتلة. القدس على وجه الخصوص ليست محتلة. هذه أرض إسرائيل نحن لسنا محتلين لا في القدس ولا في أي مكان وتحت سيادة إسرائيل حرية العبادة ظلت مضمونة متواصلة، وهذا ما يحدث الآن في جبل الهيكل. وفي كل يوم جمعة يأتي عشرات الألوف من المصلين». «لكن كل من هو تحت سن الخمسين لا يستطيع وصول الحرم الشريف» رددت عليه مقاطعا. ازداد غضبا وانتفخت أوداجه وقال وهو يغادر الميكرفون: «نحن نريد أن نضمن الأمن من منظماتك الإرهابية». وهذه إهانة تفضح قائلها أكثر مما تفضح الشخص المخاطب، كما قال لي موظف رفيع في قسم الإعلام في الأمم المتحدة شاهد الحادثة مباشرة على تلفزيون الأمم المتحدة الداخلي وقدمت ضده شكوى رسمية لنقابة الصحافيين.

حجر في مجلس الأمن

لأول مرة في تاريخ الدبلوماسية يقوم هذا المستوطن برتبة سفير جلعاد إردان نفسه، في 20 يناير من هذا العام عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا على مستوى الوزراء بدعوة من النرويج رئيسة المجلس لذاك الشهر، وراح يشرق ويغرب في كيل التهم للفلسطينيين بممارسة الإرهاب ضد «الكيان المسكين المسالم الحضاري الديمقراطي» واتهم الفلسطينيين بممارسة الإرهاب لأنهم قاموا بـ143 هجمة بإلقاء الحجارة في شهر واحد فقط، والتي تعرّض حياة الإسرائيليين للخطر وتودي بحياتهم. وأدخل معه «صخرة» كبيرة عرضها أمام مجلس الأمن، وقال: «هذه صخرة وليست حجرا صغيرا، هذه صخرة.. يتم إلقاء مثل هذه الصخرة باتجاه مركبات الإسرائيليين وعلى الحافلات. وشبهها بالسلاح القاتل. ويومها وجهت سؤالا للمتحدث الرسمي باسم الأمين العام ستيفان دوجريك، حول هذه السابقة، إذا كان من حق السفير الإسرائيلي إحضار صخرة إلى قاعة مجلس الأمن مدعيا أنها سلاح إرهابي «فهل يحق للفلسطينيين أن يحضروا جرافة أو مدفعا رشاشا أو طائرة؟».

تمزيق القرارات ورميها في وجوه الحاضرين

يوم 29 أكتوبر 2012 وقف هذا المستوطن برتبة سفير نفسه في قاعة الجمعية العامة أمام 193 دولة إضافة إلى الدولتين المراقبتين فلسطين والفاتيكان، وهو يمسك تقرير حقوق الإنسان الصادر عن فريق التحقيق في انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة التابع لمجلس حقوق الإنسان، واتهم التقرير بمعاداة السامية، وأنه مشوه، وأحادي الجانب وقام بتمزيقه ورميه في وجوه الحاضرين قائلا: «يجب ألا يكون للانحياز المهووس لمجلس حقوق الإنسان ضد إسرائيل، والذي يجسده هذا التقرير، مرة أخرى، مكان في أي هيئة معنية بحقوق الإنسان إلا سلة المهملات وسأتعامل معه بالطريقة نفسها». وقام بتقطيع التقرير ورماه بعد أن أهانهم جميعا حيث قال: «عار عليكم عار عليك عار عليكم». هل يمكن أن يصدر تصرف كهذا من إنسان سويّ لديه حد أدنى من الاستقامة والاحترام؟ هذا التصرف امتداد لتصرف سفير مستوطن قبله أصبح رئيسا للكيان، هو حاييم هرتزوغ، عند اعتماد قرار «الصهيونية حركة عنصرية وشكل من أشكال التمييز العنصري» الصادر يوم 10 نوفمبر 1975 وقال يومها للذين صوتوا لصالح القرار: «إن 72 دولة صوتت لصالح القرار عبارة عن ثلة من الكذابين والأنظمة الديكتاتورية. بالنسبة لنا، الشعب اليهودي، هذه ليست أكثر من قطعة من الورق وسنعاملها على هذا النحو». وراح يقطع القرار بعصبية ونثر القطع باتجاه الحاضرين.
تزوير التاريخ والجغرافبا
السفير المستوطن السابق داني دانون، الذي شغل فعلا منصب وزير للاستيطان في الكيان، ليس أقل رعونة من السفير المستوطن الحالي. وقد قام مرة بتزوير التاريخ أمام عيون العالم وعمل معرضا عن القدس في 8 مارس 2018 ووضع تحت قبة الصخرة المشرفة عنوان المعرض: «القدس 3000 سنة من الوجود اليهودي». وقد افتتح المعرض رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو الذي قال في كلمة قصيرة أمام جمهور صغير جدا معظمهم من الصحافيين ورجال الأمن «إن المعرض يبرز الحقيقة بشأن القدس التي يريد البعض محوها». فهل هناك صلف أكثر من هذا. يومها لم يأخذ أسئلة من الصحافيين إلا سؤالا وحيدا من أحد مريديه. فصرخت بسؤالي وأنا أعرف أنه لن يجرؤ على الإجابة: هل كان صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس من الصليبيين يهوديا ولا أحد يعرف ذلك؟
وزير الاستيطان نفسه وفي 23 ديسمبر 2016، أصيب بالإحباط والقهر إثر اعتماد مجلس الأمن الدولي القرار 2334 (2016) الذي يطالب بوقف كل أشكال الاستيطان لأنه انتهاك واضح للقانون الدولي. فما كان منه إلا أن طلب الكلمة ورفع نسخة من التوراة قائلا: لدينا طابو من الرب يمنح ملكية حصرية لليهود في أرض إسرائيل»..
هذا غيض من فيض البلطجة الدبلوماسية والاستهتار بالمجتمع الدولي ومشاعر الحاضرين، دون أي اعتبار لبروتوكولات التعامل الدبلوماسي والتصرف الحضاري المقبول. لأن الكيان، على عكس 194 دولة، يعتبر نفسه فوق القانون ومعفيا من المساءلة..

القدس العربي