تضع أزمة الجفاف غير المسبوقة التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي حياة نحو 20 مليون شخص على المحك، حيث أفضت هذه الأزمة وهي الأسوأ منذ العام 1981 إلى تدمير المحاصيل ونفوق أعداد كبيرة من الماشية، ما دفع عدة منظمات إنسانية إلى مضاعفة دعواتها إلى تقديم مساعدات عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
نيروبي – تواجه منطقة القرن الأفريقي جفافا هو الأسوأ منذ العام 1981، ما أدى إلى تدمير المحاصيل ونفوق أعداد كبيرة من الماشية بشكل غير طبيعي، ما يهدد حياة الملايين.
ومن جنوب إثيوبيا إلى شمال كينيا، مرورا بالصومال، تشهد المنطقة جفافا بات يؤرق المنظمات الإنسانية التي تقدر بأن من نتائج هذا الجفاف وجود نحو 20 مليون شخص مهددين بالمجاعة.
واضطرت العائلات إلى الرحيل عن ديارها بسبب نقص المياه والمراعي، ما أدى إلى زيادة الصراعات بين المجتمعات.
وتهدد التوقعات الإضافية بسقوط أمطار أقل من المتوسط، بتفاقم الظروف القاسية وزيادة تعقيدها في الأشهر المقبلة.
انعدام الأمن الغذائي
كاثرين راسل: أكثر من 1.7 مليون طفل يعانون من سوء تغذية حاد في المنطقة
في دول منطقة القرن الأفريقي حيث يعتاش السكّان من تربية المواشي والزراعة بشكل أساسي، لم تشهد مواسم الشتاء الثلاثة الأخيرة منذ نهاية العام 2020 إلّا معدلات منخفضة من الأمطار، في وقت تسبب غزو الجراد بين 2019 و2021 في تدمير المحاصيل.
وأشار برنامج الأغذية العالمي في أبريل إلى أنه بعد شهر على بداية موسم المطر، “من المرجّح أن يرتفع عدد الجياع بسبب الجفاف، من التقدير الحالي أي 14 مليون شخص إلى 20 مليونا في العام 2022”.
ويواجه نحو 40 في المئة من سكّان الصومال، أي قرابة ستة ملايين شخص، مستويات شديدة من انعدام الأمن الغذائي، ومن المحتمل أن تعاني بعض المناطق من المجاعة، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”.
وفي إثيوبيا يواجه 6.5 مليون شخص “انعداما حادّا في الأمن الغذائي”. وكذلك بالنسبة إلى 3.5 مليون شخص في كينيا، بحسب “أوتشا”.
ونزح نحو مليون شخص من منازلهم في المنطقة بسبب نقص المياه والمراعي، ونفق ما لا يقل عن ثلاثة ملايين رأس من الماشية، بحسب “أوتشا”.
وقال ممثل برنامج الأغذية العالمي لدى الاتحاد الأفريقي شيميمبا ديفيد فيري خلال مؤتمر صحافي في جنيف، “علينا التحرّك الآن (…) إذا أردنا تجنّب كارثة إنسانية”.
وازداد الوضع سوءا جرّاء الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي ساهم في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والنفط وتعطيل سلاسل التوريد، بحسب الأمم المتحدة.
ويحتاج عشرة ملايين طفل في جيبوتي وإثيوبيا والصومال وكينيا إلى مساعدة أساسية، بحسب المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” كاثرين راسل.
اقرأ أيضاً: الجفاف يدمر حياة سكان المنطقة الصومالية في إثيوبيا
وقالت في بيان نُشر بعد زيارة من أربعة أيام إلى إثيوبيا الأسبوع الماضي، “أكثر من 1.7 مليون طفل يعانون من سوء تغذية حاد في المنطقة”.
وبحسب راسل، يزيد نقص مياه الشرب خطر الإصابة بأمراض لدى الأطفال، فيما ترك مئات الآلاف منهم المدرسة، كونهم أصبحوا مجبرين على المشي طيلة ساعات طويلة لإيجاد المياه والطعام.
وفي 2017، سمحت تعبئة إنسانية مبكرة بتجنّب حدوث مجاعة في الصومال، بعدما توفّي في العام 2011، 260 ألف شخص، نصفهم من الأطفال البالغين أقلّ من ستة أعوام، من الجوع أو من أمراض سببها الجوع.
ويتسبب أيضا نقص المياه وندرة المراعي في نزاعات، خصوصا بين الرعاة.
وفي كينيا المعروفة بمحمياتها الطبيعية ومتنزّهاتها، أصبحت الحيوانات البرية مهددة أيضا.
وسُجّلت العديد من حالات الوفيات لحيوانات برية من زرافات وظباء، بسبب نقص الماء والغذاء.
ويحدث أيضا أن تغادر الحيوانات موطنها المعتاد بحثا عن الماء أو الطعام.
في وسط البلاد، هاجمت قطط كبيرة قطعان ماشية وأفيال وجواميس ترعى في المزارع، ما أثار غضب السكان.
في مواجهة هذا الوضع المأساوي الذي تشهده منطقة القرن الأفريقي، تتصاعد الدعوات إلى تقديم مساعدات عاجلة لإنقاذ حياة الملايين.
وفي وقت سابق أطلق برنامج الأغذية العالمي نداء عاجلا لجمع 327 مليون دولار تصرف في شكل مساعدات، وذلك بهدف تلبية الاحتياجات الملحة لـ4.5 مليون شخص خلال الأشهر الستة المقبلة، وأيضا لمساعدة المجتمعات على أن تصبح أكثر قدرة على الصمود أمام الصدمات المناخية الشديدة.
ويبقى الصومال الفقير من أكثر البلدان ضعفا أمام تغير المناخ، لكنه يتلقى القليل من التمويل للتكيف مع هذه الظاهرة، وهو ما أكّده الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر.
ولا تزال المجاعة تحصد الأرواح في منطقة القرن الأفريقي الذي تضربه موجة جفاف تهدد بحدوث كارثة إنسانية، في وقت يبدو فيه أن التحرك الدولي يراوح مكانه بسبب العجز عن إيجاد التمويل.
وأتت المجاعة على عشرات الآلاف حتى الآن، واضطرت 1.5 مليون صومالي إلى النزوح. كما اضطرت 800 ألف شخص إلى الهجرة نحو بلدان مجاورة بعض مناطقها مهددة بالجوع بسبب الجفاف.
وغالبا ما تعاني الدولة التي يبلغ عدد سكانها 15 مليون نسمة من الجفاف ثم السيول، مما يهدد مصادر عيش السّكان ويفاقم الجوع وسط الصراع المستمر بين الحكومة المدعومة من الغرب وجماعة الشباب الإسلامية المتشددة.
واعتبر البنك الأفريقي للتنمية أن المجاعة في القرن الأفريقي تعود في جزء منها إلى “الفشل الجماعي في إنهاء الحرب في الصومال”.
وأبرز أن هذه المأساة ظهرت “بسبب أسوأ موجة جفاف منذ 60 عاما، إلا أن مردها أيضا يعود إلى فشلنا الجماعي في وضع حد للحرب الأهلية في الصومال”.
العرب