كان انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان نقطة تحول جيوسياسية كبرى لا زالت مخلّفاتها تتواصل وتتفاقم بفعل الحروب المندلعة في أوكرانيا واليمن.
وساهم كل من الانسحاب الأميركي من أفغانستان والغزو الروسي لأوكرانيا في إزالة عقبة رئيسية أمام الانتظارات الإيرانية في آسيا الوسطى وخلق فرصة لطهران لتعزيز نفوذها وزيادة التجارة وتوسيع التعاون الأمني في المنطقة.
ويقول المحلل السياسي والخبير في قضايا الشرقين الأوسط والأدنى جيمس دورسي إن الانسحاب كان لصالح إيران حين وضع مسمارا آخر في نعش تحالف عمره 80 عاما تقريبا بين الولايات المتحدة وخصم إيران اللدود، المملكة العربية السعودية.
جيمس دورسي: دول الخليج لن تتمتع بالموارد إذا تعرضت لهجوم
وكانت السعودية غاضبة بالفعل من رفض الرئيس الأميركي جو بايدن التعامل مباشرة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بسبب مقتل الصحافي جمال خاشقجي في 2018. ثم شهدت المملكة الانسحاب الفوضوي، إلى جانب فشل الولايات المتحدة في الرد بقوة على الهجمات التي طالت بنيتها التحتية واتُّهمت إيران والمتمردين الحوثيين الذين تدعمهم بالتورط فيها.
ويرى دورسي في تقرير نشر في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، أن كل هذا مثّل دليلا إضافيا على عدم موثوقية الولايات المتحدة المتزايدة كضامن للأمن.
وسلّط إحياء المحادثات الأمنية بين إيران والسعودية الشهر الماضي الضوء على كل ما يربط الحربين الأوكرانية واليمنية بالانسحاب، حيث تسعى المملكة العربية السعودية للخروج من حرب لا تزال مستمرة منذ ثماني سنوات في اليمن كلّفت سمعتها أضرارا كبيرة وأثارت تساؤلات حول قدراتها العسكرية. كما توقفت المحادثات مع إيران بعد وقت قصير من الانسحاب الأميركي. ومع ذلك، فقد أعيد إحياؤها بينما كافحت روسيا لتحقيق بعض مظاهر النصر في أوكرانيا.
وأبرز هذا التوقيت أن خيارات إيران قد تكون أوسع بسبب حروب أفغانستان وأوكرانيا واليمن مقارنة بخيارات اللاعبين الإقليميين الآخرين. وأخرجت أوكرانيا روسيا من المعادلة كضامن محتمل للأمن أو كبديل للولايات المتحدة ومصدّر للأسلحة للسعودية ودول الخليج الأخرى.
ويقول دورسي إن ذلك يترك المملكة العربية السعودية قلقة بشأن قدرتها على حماية نفسها على الرغم من القدرات العسكرية المتزايدة ومستودع الأسلحة المليء بعدد من الأسلحة الأكثر تطورا في العالم، مع عدم وجود خيارات جيدة. لذلك قد تتطلع المملكة إلى الصين، لكنها يمكن أن تكتشف أنها تتطلع إلى قوة لا تزال تفتقر إلى القدرة والإرادة لتعويض الولايات المتحدة ومن المرجح أن تطلب مقابلا أعلى لعرض ضمان الأمن الإقليمي.
خيارات إيران قد تكون أوسع بسبب حروب أفغانستان وأوكرانيا واليمن مقارنة بخيارات اللاعبين الإقليميين الآخرين
قليلون هم من قد يجادلون بأن صور عشرات الآلاف في مطار كابول وهم يحاولون الفرار من أفغانستان مع انسحاب الولايات المتحدة قد ألهمت الثقة في الحماية الأميركية. ومن المحتمل أن تكون قدرة الولايات المتحدة وأوروبا على تعزيز المقاومة الأوكرانية قد خفّفت إلى حد ما من تأثير الصور الدرامية القادمة من كابول.
لكن المحلل السياسي يرى أنه إذا تعرضت دول الخليج إلى هجوم، فقد لا تتمتع بالوصول إلى الموارد التي وجدها الأوكرانيون. وهذا سيناريو يدعمه تاريخ الغزو العراقي للكويت في 1990. وهو ما يقود إلى اعتماد دول الخليج على طرف ثالث ضامن للأمن في غياب ترتيبات إقليمية متعددة الأطراف تلهم الثقة.
وقد فرّ عدد كبير من الكويتيين من بلادهم آنذاك بينما أجبر التحالف بقيادة الولايات المتحدة العراق على الانسحاب. ومع ما يجري في أوكرانيا، أصبحت روسيا منشغلة بالتزامات عسكرية رئيسية أخرى، ولن تفكّر الصين في هذا الخيار. ويترك هذا الولايات المتحدة البديل الوحيد لدول الخليج في المستقبل المنظور.
ومن وجهة نظر طهران، فإن عالم ما بعد الانسحاب الأميركي مختلف، فقد أصبح موقع الولايات المتحدة أضعف كما أصبحت أبعدها عن أحد حدودها. وهو عالم تشكل فيه أفغانستان التي تحكمها طالبان مشكلة أكثر إلحاحا بالنسبة إلى إيران من دول الخليج.
وفي الأيام الأخيرة، عُلِم أن إيران نقلت قوات عسكرية إضافية، بما في ذلك الفرقة المدرعة 88 التابعة للجيش، إلى حدودها مع أفغانستان وسط تصاعد التوترات مع طالبان. ويقول مسؤولون إيرانيون إن حرس الحدود تصرفوا “بضبط النفس” في مواجهة أعمال قوات طالبان الاستفزازية المزعومة.
وصدرت أوامر للقوات بالنزول إلى الحدود بعد أن صعد مسلحون باكستانيون متمركزون في شرق أفغانستان هجماتهم داخل باكستان. ففي الشهر الماضي، قتلت غارتان جويتان باكستانيتان في شرق أفغانستان ما لا يقل عن 40 شخصا، بينهم بعض المدنيين.
وقالت الأمم المتحدة إن عشرين طفلا كانوا من بين القتلى. ووقعت الضربات ضد مناطق يعتقد أنها كانت تؤوي مسلحين قتلوا سبعة جنود في باكستان.
ولم تؤكد باكستان الغارات الجوية وامتنعت عن التعليق على مقتل المدنيين لكنها قالت في وقت سابق إن “الإرهابيين يستخدمون الأراضي الأفغانية مع الإفلات من العقاب لتنفيذ أنشطة داخل باكستان”.
كما أدت الاحتجاجات المناهضة لإيران في هرات وكابول وطعن مواطن أفغاني لثلاثة رجال دين في إيران إلى تأجيج التوترات بين البلدين. وألقت الأحداث بظلالها على الجهود الإيرانية للاستفادة من تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا في آسيا الوسطى.
ومن المتوقع أن يزور القائم بأعمال وزير شؤون اللاجئين في طالبان خليل الرحمن حقاني طهران في الأيام المقبلة في محاولة لتخفيف التوترات.
وقال دبلوماسي عربي إن “اليمن وأوكرانيا ليسا مصدر قلق كبير لإيران”. واعتبر أن أفغانستان أيضا لا تمثل مصدر قلق لطهران.
صحيفة العرب