قدم مشرعون أميركيون عرضا مغريا لتركيا يقوم على تمكينها من طلبية مقاتلات أف – 16 مقابل لعب دور أكبر في دعم أوكرانيا في الحرب ضد روسيا، في خطوة قال مراقبون إنها تضع أنقرة في موقف صعب لأنها ستجعلها في مواجهة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما أنها قد لا تحقق مصالحة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
واعتبر المراقبون أن العرض، الذي قدمه أعضاء من الكونغرس لعبوا دورا فعّالا في إخراج تركيا من برنامج مقاتلات أف – 35، مفخخ لأنه سيخرج أنقرة من وضع الوسيط الذي يقبل طرفا الصراع بتجاوزاته إلى خصم لروسيا. وهو أمر لا يقدر عليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي لا يزال يتذكر كيف دفعه التوتر الحاصل بين بلاده وروسيا في نهاية 2015 وما تبعه من عقوبات صارمة إلى تقديم رسالة اعتذار إلى بوتين على خلفية إسقاط مقاتلة سوخوي روسية على الحدود مع سوريا.
وسبق أن باعت تركيا خمسين طائرة من مسيّرات البيرقدار لأوكرانيا، ويتباهى الأوكرانيون بنجاحات هذه المسيرات، لكن روسيا مازالت تعتبر أردوغان حليفا لها، وقبلت بوساطته وتحملت بعض التصريحات التي يفهم منها “الحياد” التركي.
في مقابل ذلك يحاول الأميركيون أن يجلبوا الأتراك إلى صفهم في الحرب ضد أوكرانيا بالرغم من الخلافات القديمة بين الطرفين، وذلك ضمن خطة أشمل لعزل روسيا، وهو ما يفسر تقديم هذا العرض في هذا التوقيت حيث يبدو من الصعب أن تقبل به تركيا، خاصة أنه تزامن مع تعهد بالتخلي عن منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية أس – 400.
العرض الأميركي أقرب إلى إقامة الحجة على أنقرة منه إلى انتظار موافقتها على التصعيد ضد موسكو
ويرى المراقبون أن العرض الأميركي أقرب إلى إقامة الحجة على أنقرة منه إلى انتظار موافقة، ويجعل تركيا محتارة بين خيارين متناقضين؛ فإما توسّع الهوة بينها وبين شركائها في حلف الناتو أو تقرر الاقتراب ولو بحذر.
وذكرت صحيفة “ديفينس نيوز” أن المشرعين الأميركيين، الذين لعبوا دورًا فعالًا في طرد تركيا من برنامج لشراء طائرات مقاتلة من طراز أف – 35 بعد أن تسلمت منظومة أس – 400، قد يوافقون على طلب أنقرة شراء طائرات أف – 16.
ولدى تركيا أسطول من مقاتلات أف – 16 القديمة التي حصلت عليها في الثمانينات، وتسعى أنقرة لتحديثه.
وأشار المشرعون بحذر إلى أنهم قد يميلون إلى السماح لتركيا بشراء هذا النوع من الطائرات بعد أن قالت وزارة الخارجية إن مثل هذا البيع قد يخدم المصالح الأمنية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. وقالوا إن تسليم الطائرات يجب أن يكون متوقفا على دعم تركيا لأوكرانيا في مواجهة روسيا.
وكان الكونغرس قد أقر رفض صفقة بيع 40 مقاتلة من طراز أف – 16 بلوك 70 بقيمة 6 مليارات دولار، بالإضافة إلى معدات لتحديث المقاتلات في أسطولها.
وأشار الكثير من المشرعين الرئيسيين، الذين شاركوا في قرار طرد تركيا من برنامج أف – 35، لموقع “ديفينس نيوز” إلى أنهم قد يميلون إلى السماح لأنقرة بشراء طائرات أف – 16 بعد أن اقترحت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن مثل هذه الصفقة يمكن أن تخدم أمن حلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة.
وقال غريغوري ميكس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، “نحتاج إلى التحدث والعمل مع تركيا وغيرها من الذين يعملون معنا ضد روسيا”، مضيفا “لقد أظهروا بعض الحركات في الاتجاه الصحيح. هناك أشياء أخرى تفرض علينا العمل مع تركيا، أشياء معينة لا تزال تزعجنا في بعض الأحيان”.
وقال السناتور جيمس ريش، العضو البارز في لجنة الشؤون الخارجية، للموقع ذاته إن “تركيا قدمت حجة ذات مصداقية لطلبها شراء طائرات أف – 16”. وأضاف “أنا مستعد بشكل إيجابي في هذا الاتجاه، لكنني لم أصل بعد إلى هناك بالكامل”.
وقال مكتب مايك ماكول، وهو عضو بارز آخر في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، “نتوقع من تركيا أن تواصل الوقوف إلى جانب حلفائها في الناتو الذين هم على قدم وساق في دعم أوكرانيا وهي تدافع عن وطنها”.
أما آدم سميث، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، فقال “نحن بحاجة إلى علاقة مع تركيا”، وتابع “نحن بحاجة إلى إيجاد طريقة ما لإعادة بناء ذلك”.
وانتقدت تركيا الغزو الروسي لأوكرانيا باعتباره انتهاكًا لوحدة أراضي الأخيرة، وزودت أوكرانيا بطائرات دون طيار مسلحة تستخدم لمهاجمة أهداف روسية. لكنها رفضت فرض أي عقوبات على موسكو.
وكانت واشنطن قد طلبت من تركيا تسليم أوكرانيا صواريخ أس – 400 لمساعدتها على محاربة القوات الروسية، ونوقش هذا الاقتراح بشكل مقتضب خلال الزيارة التي قامت بها ويندي شيرمان، نائبة وزير الخارجية الأميركي، إلى تركيا.
وطلبت إدارة بايدن من الحلفاء الذين يستخدمون معدات وأنظمة روسية الصنع، بما في ذلك أس – 300 وأس – 400، التفكير في نقلها إلى أوكرانيا التي تحاول صد الغزو الروسي.
ولم تعلق السلطات التركية على أي اقتراح أميركي يتعلق بنقل أنظمة أس – 400 المملوكة لأنقرة إلى أوكرانيا. وقالت مصادر ومحللون أتراك إن أي اقتراح من هذا القبيل لن يكون مجديا لأنقرة، مشيرين إلى وجود مشكلات تتراوح بين العقبات الفنية المتعلقة بتركيب وتشغيل صواريخ أس – 400 في أوكرانيا، ومخاوف سياسية مثل رد الفعل الروسي الذي من المرجح أن تواجهه تركيا.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد تحدثت في وقت سابق عن هذا العرض الأميركي، ونقلت عن مسؤول أميركي كبير قوله إن بلاده “تعلم أن الاقتراح سيثير غضب الرئيس الروسي”، موضحا أن “أوكرانيا تستخدم بالفعل طائرات مسيّرة تركية الصنع، لكن أنقرة تتخوف من إمكانية أن يُغضب توفيرُ أنظمة مضادة للطائرات موسكو”، خصوصا أن العلاقات بين البلدين جيدة، لاسيّما أن القطاع السياحي التركي يعتمد بشكل كبير على السياح القادمين من روسيا، وكذلك على إمدادات القمح والطاقة الآتية من هناك.
وأوضحت الصحيفة الأميركية أن تنفيذ تركيا لهذه الخطوة قد يعيد أنقرة إلى برنامج صناعة مقاتلات أف – 35 الأميركية الذي خرجت منه قبل ثلاث سنوات، بسبب شرائها نظام الدفاع الجوي الروسي أس – 400.
وطلبت واشنطن مرارا من أنقرة التخلص من بطاريات صواريخ أرض – جو الروسية الصنع، منذ وصول الشحنة الأولى في يوليو 2019.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على صناعة الدفاع التركية، ونتيجة لذلك استبعدت تركيا من برنامج الطائرة أف – 35 المقاتلة. وقالت أنقرة إنها اضطرت إلى اختيار أنظمة أس – 400 لأن الحلفاء لم يقدموا إليها أسلحة بشروط مُرضية.
صحيفة العرب