تستمر إيران في استهداف إقليم كردستان العراق بهجمات مباشرة للمرة الثانية خلال أسابيع قليلة، في خطوة قال مراقبون إنها تظهر انزعاج طهران من زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني الذي بات يغرد خارج سربها من خلال عقد اتفاقيات مع دول مختلفة، خاصة في مجال الغاز ما قد يجعل إيران تخسر أحد أهم مبررات تدخلها المباشر في العراق عبر وضع يدها على قطاع المحروقات.
وقال مراقبون إن إيران لم تعد تخفي خطتها في التصعيد مع التركيبة الحكومية والحزبية في إقليم كردستان التي يقودها بارزاني، تارة بحجة وجود أنشطة إسرائيلية وتارة أخرى بحجة أنشطة منظمة إرهابية في الإقليم، لكن هذه الاتهامات تخفي موقفا سياسيا واضحا من الإقليم الذي يراهن على الوضع السياسي الصعب الذي يعيشه حلفاء إيران في بغداد لفرض خياراته، خاصة ما تعلق منها بالتعامل مع الخارج، ورفض الاستجابة لقرار المحكمة الاتحادية بشأن إمساك الحكومة المركزية بملف النفط والغاز.
ويعتبر المراقبون أن إيران لم تسع إلى الحوار مع بارزاني أو التواصل مع حكومة الإقليم، وأن الهدف كان المبادرة بالقصف؛ ما يعني أن الأمر معد سلفا ووفق خطة تهدف إلى تخويف بارزاني والطبقة السياسية الكردية المناوئة لطهران، ومحاولة جرهما بالقوة إلى القبول بسيطرة الأحزاب الشيعية في بغداد على الملف السياسي الداخلي، وخاصة موضوع النفط والغاز.
إيران لم تسع للحوار مع الإقليم، والأمر معدّ سلفا وفق خطة تهدف إلى تخويف بارزاني والطبقة الكردية المناوئة لطهران
ويعتقد هؤلاء أن إيران ستعطي ميليشيات الحشد الشعبي الضوء الأخضر لاستهداف منشآت نفطية وأمنية في كردستان العراق بهدف جر الأكراد إلى مربع ردة الفعل التي ستسمح لطهران وحلفائها بتوسيع دائرة التصعيد بطرق مختلفة، الأمر الذي يُدخل الإقليم في حالة فوضى ومن ثمة يتم منعه من التصرف بشكل منفرد وثني قيادته عن المناورة ببناء علاقات خارجية بعيدا عن مصالح إيران وحلفائها.
وقصف الحرس الثوري الإيراني الأربعاء منطقة شمالي أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، مستهدفا ما اعتبره التلفزيون الإيراني قواعد إرهابية. وأوردت وسائل إعلام كردية – عراقية أن قذيفة مدفعية سقطت في قرية بمنطقة سيدكان قرب الحدود الإيرانية، على بعد حوالي 100 كيلومتر شمال شرقي أربيل.
وأدانت وزارة الخارجية العراقية القصف الإيراني الذي قالت إنه استهدف بعض المواقع في سيدكان. وقالت الوزارة في بيان “تدين حكومة العراق القصف الإيراني الذي طال عددا من المواقع في منطقة سيدكان في أربيل بإقليم كردستان العراق”.
وأضاف البيان “وإذ نجدد التأكيد على المضمون الدستوري، أن لا تستخدم الأراضي العراقية مقرا أو ممرا لتهديد أمن دول الجوار، فإننا في الوقت ذاته نشدد على أهمية الارتكان للحوار واستدامته لمواجهة التحديات لاسيما الأمنية منها، وبما يحفظ سيادة العراق ويعزز أمن واستقرار المنطقة”.
لكن أوساطا سياسية عراقية وصفت البيان الحكومي بأنه مجرد مناورة لا تقدم ولا تؤخر، وهو أمر دأبت عليه الحكومة المركزية إثر كل قصف يستهدف القوات الأميركية، ما يظهر أن هذا الرد جزء من اتفاق مسبق مع طهران.
وقالت الأوساط السياسية العراقية إن الخطوة تأتي في وقت حساس سياسيا بالنسبة إلى إيران والمنطقة؛ إذ أن خطة تصدير الغاز قد تهدد مكانة إيران كمصدّر رئيسي للغاز إلى العراق وتركيا في حين أن اقتصادها مازال يرزح تحت وطأة العقوبات الدولية.
وأضافت الأوساط ذاتها أن الغاية من استهداف الأكراد هي توجيه رسائل إلى مختلف الكتل البرلمانية التي رفضت الإذعان لمطالبة إيران بتشريك الإطار التنسيقي وإعادة توسيع الكتلة الشيعية لتكون هي الكتلة الأكبر ومنحها وحدها أحقية اقتراح رئيس الحكومة الجديد، وأن الرسالة موجهة كذلك إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والمجموعات السنية المنضوية تحت تكتل السيادة، التي تريد أن تدفع الصدر إلى الابتعاد ولو جزئيا عن إيران.
وقالت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء إن الحرس الثوري استهدف في السابق مسلحين أكرادا إيرانيين متمركزين في شمال العراق. ونقل موقع رووداو الإخباري ومقره أربيل عن مسؤول محلي قوله إن “قذائف كانت تسقط في المنطقة من حين إلى آخر في السابق”.
وكان الحرس الثوري الإيراني شن في مارس الماضي هجوما على ما اعتبرته وسائل إعلام رسمية إيرانية “مراكز استراتيجية إسرائيلية” في أربيل، واصفا ذلك بأنه رد على الضربات الجوية الإسرائيلية التي قتلت عسكريين إيرانيين في سوريا. وقالت حكومة إقليم كردستان العراق إن “هجوم مارس لم يستهدف إلا مناطق سكنية مدنية، وليس مواقع تابعة لدول أجنبية”، ودعت المجتمع الدولي إلى إجراء تحقيق.
وشكّل الهجوم الذي وقع في الثالث عشر من مارس على أربيل واستهدف مواقع مدنية صدمة للمسؤولين في المنطقة من شدة شراسته، وكان هجوما نادرا من قبل الحرس الثوري الإيراني داخل العراق.
وذكر الحرس الثوري الإيراني حينها أن الهجوم أصاب “مراكز استراتيجية” إسرائيلية في أربيل وكان ردا على غارة جوية شنتها إسرائيل وقتلت اثنين من أعضائه في سوريا. لكن اختيار الهدف أثار آنذاك حيرة العديد من المسؤولين والمحللين. وأصابت معظم الصواريخ الإثنى عشر منزل رجل أعمال كردي يعمل في قطاع الطاقة في إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي.
وقال رئيس وزراء كردستان العراق مسرور بارزاني الاثنين إن الإقليم “سيصبح قريبا مصدرا مهما للطاقة وسيساهم في تلبية الطلب العالمي وسيصدّر إلى تركيا في المستقبل القريب”. وأضاف بارزاني في كلمة له أمام منتدى للطاقة في دبي “سنصبح مصدرا صافيا للغاز إلى بقية العراق، وإلى تركيا، وإلى أوروبا في المستقبل القريب”.
صحيفة العرب