حوارات فيينا والتهدئة الدولية والإقليمية

حوارات فيينا والتهدئة الدولية والإقليمية

  تتجه الأنظار هذه الأيام نحو القرار السياسي الذي من الممكن أن تتخذه واشنطن وطهران لإنهاء جولة من المباحثات امتدت لأكثر من اثني عشر شهرا في العاصمة النمساوية فيينا تخللها الكثير من الصعاب والأزمات والنقاشات للوصول إلى صيغة لاتفاق جديد مشترك يرضي جميع الأطراف ويحقق الغاية المرجوه فيه من إحاطة البرنامج النووي الإيراني والحد من التطلعات الإيرانية نحو إنتاج القنبلة النووية التي يستخدمها النظام الإيراني ذريعة لاستمرار مشروعه السياسي والأمني في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، ومن هنا فإن جميع أطراف الحوار تسعى إلى تعزيز حالة الوفاق بين الإدارة الأمريكية وإيران والاتفاق على صيغة تتمكن فيها الدول الاوربية ضمن مجموعة (4+1) أن تساهم في تذليل الصعاب وإنهاء المشاكل الجانبية بعد التصريح الذي أدلى به جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بقوله ( ان مفاوضات الاتفاق النووي وصلت إلى مرحلة حاسمة وام النص النهائي أصبح جاهزا ) وبهذا الوضوح الميداني يمكن أن نستدل على أن إقرار الاتفاق الجديد بحاجة إلى قرارات سياسية حاسمة لتسوية القضايا العالقة والتي تتمثل في موافقة إيران على الامتثال بالتزاماتها النووية ومراقبة برنامجها النووي من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبشكل دائم وكذلك عودة واشنطن لاتفاقية العمل المشترك ورفع جميع العقوبات الاقتصادية الأمريكية المتعلقة بسياسة النظام الإيراني وتوجهاته وخروجه عن اتفاقية 2015 .
ومعلوم لدينا أن المباحثات النووية توقفت في شهر آذار 2022 بسبب إصرار ومطالبة طهران للإدارة الأمريكية بضرورة رفع الحظر عن الحرس الثوري الإيراني واعتباره خارج منظومة المنظمات الإرهابية، وهذا ما يتعارض والرأي السائد في الأوساط السياسية والعسكرية ولدى أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الذين قيدوا صلاحية الرئيس جوبايدن بعدم رفع الحظر عن الحرس الثوري إلا بموافقتهم التي لم تتم وانهم لا يزالون يرون أن هذا التشكيل الأمني العسكري يمثل الصورة الميدانية لأهداف ونوايا المشروع الإيراني في المنطقة وان رفع القيود عنه سيزيد من حركة وتوجهات المؤسسات الأمنية والاستخبارية ويعيد فاعلية النظام الإيراني خاصة وأن قيادات الحرس الثوري تتحكم بالمنظمومة الاقتصادية وتشرف على جميع المشاريع الإستراتيجية والموارد المالية والاستثمارات التجارية في جميع قطاعات الصناعة والتجارة والزراعة وبهذا فإنها تشكل موردا اقتصاديا كبيرا للنظام حال رفع العقوبات عن الحرس الثوري وإطلاق يده للعمل والعودة مرة ثانية الميدان.
لهذه الأسباب الموجبة فإن منسق الاتحاد الأوروبي( انريكي مورا) قام بعدة جولات إلى طهران وواشنطن وموسكو لحلحلة القضايا المهمة والتوصل إلى قواسم مشتركة لرؤية ميدانية تحقق أهداف وغابات ومصالح الجميع، وأن التطور في علاقة روسيا بالاتفاق النووي الإيراني وبعد أن اشترطت موسكو أن لا تكون العقوبات المفروضة عليها بسبب حربها مع أوكرانيا تشمل الاتفاقيات والمعاهدات بينها وبين إيران فقد أعلن وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية أنتوني بليكن في 10ايار 2022 أن إدارته(لن تمنع صفقة نووية بقيمة 10مليار دولار بين روسيا وإيران وسيتم استثناؤها من أي عقوبات على خلفية العمليات العسكرية بأوكرانيا ) وهذا يعطي دلالة واضحة على مسعى واشنطن الجاد للإسراع بإيجاد صيغة نهائية لتنفيذ الاتفاق النووي وفسح المجال للدور الروسي للضغط على إيران واقناعها بالقبول وتهدئة الأوضاع والابتعاد عن سياسية التعنت وإظهار القوة والإعداد لقرار سياسي للتوقيع على اتفاق مشترك جديد ومراعاة المعادلات السياسية والمصالح الدولية التي ترغب بها القوى العظمى بعيدة عن خلاقاتها في أماكن وجهات أخرى، وستكون عملية تنفيذ الصفقة النووية الروسية الإيرانية بداية لتنفيذ الاتفاق الخاص بمفاعل بوشهر الذي أبرم بين الطرفين قبيل بداية المواجهات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا.
رغم هذا التطور الحاصل إلا أننا علينا أن نقف بصورة جدية إلى طبيعة علاقة النظام الإيراني بالوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد أن اقرت تشكيل تحقيق ميداني حول العثور على جزيئات اليورانيوم في ثلاث مواقع جديدة تم العثور عليها في اذار 2022 وهذا ما ترفضه إيران وتطالب بالغائه ويشكل عقبة واضحة في إقرار أي اتفاق قادم ، ولكن الحاصل في الأمر أن مدير الوكالة الذرية رافاييل غروسي اعلن في 28نيسان 2022 (ان الورشة الإيرانية الجديدة في نطنز لتصنيع قطع غيار الطرد المركزي اللازمة لتخصيب اليورانيوم أنشئت في إحدى قاعات محطة لنخصيب الوقود تحت الأرض ) وهذا ما أثار حفيظة مفتشي الوكالة بنوايا إيران وتطلعها لإخفاء العديد من اعمالها وتجاربها النووية بعيدا عن أعين الوكالة ومفتشيها ويعتبر خرقا للإتفاق الموقع بين الطرفين .
قراءة الأحداث القادمة وطبيعة التطورات في الشرق الاوسط والمنطقة العربية تتطلب قرارات سياسية وتوجهات إستراتيجية للمضي نحو تحقيق السياقات السياسية المعتمدة الآن في التهدئة وبناء نظام إقليمي جديد.

وحدة الدراسات الدولية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية