يثير المشروع الذي أعلنت عنه أنقرة أخيراً لإعادة مليون لاجئ سوري من تركيا إلى الشمال السوري، مخاوف بعض القوى السياسية في شمال وشرق سورية، خصوصاً الكردية منها، لما قد يحمله هذا المشروع من مخاطر تغيير ديمغرافي في المنطقة.
احتجاجات كردية على مشروع تركيا لإعادة لاجئين سوريين
واعتبرت “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية” في بيان لها، الأربعاء الماضي، أن مشروع إعادة مليون لاجئ سوري “قسراً” وتوطينهم في مناطق تسيطر عليها فصائل سورية معارضة بمساعدة القوات التركية، هو “تغيير ديمغرافي متكامل الأركان”.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن في الثالث من مايو/ أيار الحالي، عن تحضير أنقرة “مشروعاً جديداً يتيح العودة الطوعية لمليون شخص من أشقائنا السوريين الذين نستضيفهم في بلادنا”، وقال إن المشروع سيكون شاملاً بصورة كبيرة، وسينفذ في 13 منطقة، على رأسها أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق.
وحسب بيان الإدارة الذي صدر الأربعاء الماضي، فإن المشروع التركي المتمثل في إعادة اللاجئين السوريين إلى غير المناطق السورية التي خرجوا منها، يعكس رغبة تركيا في “تشكيل حزام في مناطق معينة وتهجير أهلها السوريين منها، وذلك في إطار سياساتها لخلق صراع وتناحر بين السوريين من جهة، وكذلك تغيير بشري وسكاني واللعب على الهندسة البشرية نحو الوصول لما يضمن مصالح تركيا وسياساتها المناهضة لسورية وشعبها”.
قوى ومنظمات بشرق سورية: الخطوة التركية تنسف الهندسة الديمغرافية في الشمال السوري
كما أصدرت مجموعة من القوى والمنظمات في شرق سورية بياناً مشتركاً حذرت فيه من عواقب المشروع التركي، وقالت في البيان الذي صدر أول من أمس الخميس، إن ما سمته “مشروع إنشاء المستوطنات التركية في بعض المناطق” يعتبر “احتلالاً بصيغة جديدة” في المنطقة.
وأضافت “في الوقت الذي نؤكد فيه على الحق الطبيعي لجميع السوريين في العودة إلى ديارهم، فإننا نود التوضيح أن الخطر الذي يمثله هذا المشروع يتمثل في إعلانه من جانب واحد، وبمعزل عن المساعي الدولية المشتركة الرامية للتوصل إلى حل سياسي عادل للأزمة السورية، وتهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية، وفقاً للقرار الدولي 2254 (المتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سورية) والقرارات الدولية ذات الصلة”.
واعتبرت هذه القوى والمنظمات أن الخطوة التركية “تنسف الهندسة الديمغرافية في الشمال السوري، وتشكل تهديداً مستداماً لمستقبل الوحدة الوطنية والاستقرار المجتمعي في سورية”.
ولفتت إلى أن المناطق المزمع إعادة اللاجئين إليها “ليست آمنة فعلياً، ولا تعطي أي اعتبارٍ لالتجاء العناصر الخطرة من تنظيم داعش الإرهابي إلى مناطق النفوذ التركي ونشاطها بعد هزيمتها عسكرياً في إبريل/ نيسان 2019”
ودعا البيان الأكراد في سورية للعمل على توحيد موقفهم حيال “القضايا الرئيسية التي تمس وجودهم الجغرافي”. وحمل البيان توقيع كل من “آمارجي” – اللجان الديمقراطية السورية، مجلس أيزيديي سورية، تيار اليسار الثوري في سورية، حركة الإصلاح، إضافة إلى منظمات مثل جمعية جيان لمناهضة العنف، وجمعية أصوات نسوية كوردية.
وفي هذا الإطار، قال عضو حزب “اللجان الديمقراطية السورية” (آمارجي) كومان حسين، في حديث مع “العربي الجديد”، إن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا يواصل محاولاته لـ”توظيف محنة اللاجئين السوريين واستخدامهم لصالح أجنداته الحزبية والانتخابية في تركيا، إضافة إلى تمزيق النسيج الوطني السوري وبث الأحقاد بين مكوناته المجتمعية”.
كومان حسين: المشروع التركي يندرج ضمن عملية تأهيل النظام السوري
وحذر حسين من أن المشروع إذا تم، فسيكون “وبالاً (سيئ العواقب) على مستقبل سورية”، معتبراً أنه يأتي في إطار “استعادة الماضي الغابر وتقسيم الشعوب على أسس طائفية بين المشروعين العثماني والإيراني، وهو يندرج ضمن عملية تأهيل النظام السوري الذي دمر الحجر وقتل البشر”.
وعبر حسين عن أمله بأن “يلتف السوريون حول مشروع وطني جامع يحقق مطالبهم ويستعيد قرارهم الوطني من منظار مصلحة الشعب السوري”.
اتهامات لتركيا بفرض مشروع “استيطاني” في شمال سورية
أما محمد سعيد الوادي، عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني في سورية، وهو أكبر أحزاب المجلس الوطني الكردي (المنضوي ضمن الائتلاف الوطني السوري)، فقد وصف في حديث مع “العربي الجديد”، المشروع التركي بـ”الاستيطاني”، مشيراً إلى أنه “سيقوم في 12 موقعاً في سورية بعضها مناطق كردية”.
وأضاف: “نحن كأكراد نرفض هذا المشروع للتغيير الديمغرافي في المنطقة، ونعتبره أخطر من مشروع الحزام العربي الذي قام به سابقاً حزب البعث في المنطقة، خصوصاً أنه يأتي بعد تهجير عدد كبير من المواطنين الأكراد من مناطقهم عبر العمليات العسكرية التركية، والذين لم يعد بإمكانهم العودة إلى مناطقهم نهائياً”.
وحول موقف الائتلاف السوري المعارض، والذي يعتبر المجلس الوطني الكردي أحد مكوناته، وصف الوادي موقف الائتلاف بأنه “أسير للموقف التركي”، مضيفاً أن حزبه يرفض المشروع التركي، حتى لو كان يحظى بموافقة لائتلاف.
وأشار إلى أن المجلس الوطني الكردي يرفض أيضاً المشروع التركي، داعياً إلى عودة اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا إلى مناطقهم الأصلية، سواء في غوطة دمشق أو حمص وحماة، وليس إلى مناطق أخرى.
واعتبر الوادي أن تركيا “تطرح مشروعها بالتنسيق مع النظام السوري”، واتهم الإدارة الذاتية الكردية بـ”الضلوع أيضاً في المشروع أو الرضا الضمني به”، مشيراً إلى “وجود صلات أمنية بين الإدارة الذاتية وتركيا”.
عراقيل أمام مشروع تركيا لإعادة اللاجئين السوريين
من جهته، قال الأكاديمي الكردي فريد سعدون إن “المشروع التركي بإسكان حوالي مليون شخص على الشريط الحدودي الممتد من أقصى الشمال الشرقي حتى عفرين، ليس بالسهل، وهناك عراقيل عدة قد تعيق تنفيذه، وسيحتاج إلى سنوات وليس لأشهر”.
وأضاف في حديث مع “العربي الجديد”، أن “تنفيذ المشروع يحتاج إلى توافقات إقليمية ودولية، وهذا غير متوفر حتى الآن، خصوصاً أن منطقة شرق سورية هي تحت النفوذ الأميركي، ومثل هذا المشروع لا بد أن يحظى بمباركة أميركية لضمان عدم عرقلة قوات سورية الديمقراطية (قسد) تنفيذه”.
فريد سعدون: تنفيذ المشروع يحتاج إلى توافقات إقليمية ودولية وهذا غير متوفر
ولفت سعدون إلى “وجود العديد من العراقيل الأخرى أمام المشروع، ومنها موقف اللاجئين أنفسهم الذين قد لا يقبل بعضهم الانتقال إلى هذه المناطق، إضافة لموقف السكان الأصليين لتلك المناطق، والذين سيعارضون غالباً أن يتم توطين سكان آخرين في مناطقهم، وقد يصل الأمر إلى حد التصادم بين الوافدين والسكان الأصليين”.
وتساءل سعدون عن مدى كفاية الموارد الاقتصادية في منطقة الشريط الحدودي الممتدة فقط بعمق 30 كيلومتراً وفق الاتفاق السابق بين تركيا وروسيا و”قسد”، لتوطين مليون شخص، خصوصاً أن هذه المناطق تعاني أصلاً من أزمات معيشية خانقة، ما يهدد مجمل السكان بالمجاعة، وفق تعبيره.
ورأى “أننا اليوم أمام وضع جديد يمكن أن يخلق مشكلات جديدة، وبدل أن يكون المشروع جزءاً من الحل بإعادة اللاجئين إلى ديارهم، سيساهم في تعقيد المشكلة”.
إلى ذلك، أقيمت فاعليات في بعض مناطق شرق سورية احتجاجاً على المشروع التركي. واعتبرت جورجيت برصومو، مسؤولة الاتحاد النسائي السّرياني، خلال اعتصام أول من أمس الخميس لأحزاب سريانية في مدينة القامشلي، أن تركيا تعمل على “خطة استيطان جديدة، تعتبر أخطر من الاحتلال وتهدف لتتريك المنطقة”.
ورأت أن تركيا تريد من خلال هذا المشروع “ضرب السلم والمشروع الديمقراطي في المنطقة”، والتي قالت إنها تتميز “بحضارات الشعوب التي قطنتها منذ آلاف السنين، لكن الآن تحاول تركيا تغيير هويتها”.
العربي الجديد