القاهرة – بدأت في القاهرة الأحد جولة ثانية من المفاوضات لوضع قاعدة دستورية توافقية بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، تجرى على أساسها الانتخابات الليبية وسط فرضية شبه منعدمة بشأن حصول توافق.
ويقول متابعون إن حوارات الليبيين في العواصم المختلفة تحولت إلى عملية سياسية ممتدة ومطلوبة في حد ذاتها لمنع حدوث تصعيد عسكري جديد، والحفاظ على الحد الأدنى من الهدوء الذي يمكن أن ينقلب إلى صدام ساخن في أيّ لحظة.
وتجرى اللقاءات بإشراف الأمم المتحدة ورعاية مصرية على أمل أن تحرز هذه الجولة تقدما حول الأطر الدستورية وتجسير الهوة بين فريقي التفاوض بعدما انتهت الجولة الأولى في القاهرة أيضا في أبريل الماضي دون أيّ نتيجة.
ودعت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني ويليامز عشية عقد اجتماعات القاهرة إلى ضرورة تقديم اللجنة المشتركة المعنية بالمسار الدستوري نتائج ملموسة هذه المرة.
وتبدو التحركات التي تقوم بها ستيفاني محاولة لبقاء العملية السياسية حية، خوفا من أن تحل خيارات عنيفة محلها، وللإيحاء بأنها تمسك بزمام الأمور في ليبيا لإجهاض خطوات تقوم بها روسيا من أجل إنهاء مهمتها، إلى جانب تصاعد اعتراضات بعض الأعضاء في البرلمان وعزمهم على إرسال مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة للمطالبة بتغييرها.
ووسط المشكلات التي تحيط بحكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة وعدم اعتماد حكومة فتحي باشاغا المختارة من البرلمان وصعوبة إيجاد حلول منتجة تنهي الازدواجية لجأت ستيفاني إلى حيلة ضخ الدماء في مجلسي النواب والأعلى للدولة بحجة هندسة الخارطة الدستورية كنوع من القفز على الأشواك الأمنية والسياسية الحقيقية.
وتعمدت المسؤولة الأممية توسيع نطاق حركتها السياسية في الداخل والخارج الفترة الماضية لتأكيد قدرتها على تهيئة الأجواء أمام انتخابات أخفقت ستيفاني في إتمامها قبل نهاية ديسمبر الماضي، وتدرك أن هناك صعوبات تحول دونها حاليا، لكن لا تريد ترك القضية للصدفة وتتقاذفها أطراف لا تثق الإدارة الأميركية في نواياها.
الجولة الثانية من اجتماعات اللجنة في القاهرة غير متوقع أن تحرز تقدما جديدا وستظل بين أخذ وردّ دون حسم الموقف
ويدفع هذا التقدير إلى محاولة تليين الأوضاع عبر إجراء لقاءات بين لجنة مشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة لوضع قاعدة دستورية مشكوك في تطبيقها على الأرض.
ودعّم المجلس الأعلى للدولة في الجولة الأولى صياغة قاعدة دستورية تفضي إلى انتخابات، بينما أراد وفد البرلمان تعديل نصوص خلافية في الدستور ثم طرحه للاستفتاء كوثيقة قانونية ملزمة تنظم الحياة السياسية والانتخابات.
وحذرت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في بيان لها أصدرته الجمعة من المساس بالمشروع الذي أعدته منذ عام 2017، مطالبة بعرضه على الليبيين في استفتاء لتحديد مصيره، ردًا على اجتماعات ممثلي مجلسي النواب والأعلى للدولة بالقاهرة.
وقالت الهيئة إن توجه المجلسين لتعديل مشروع الدستور “لا يعد عملًا مشروعًا بل مسخًا سياسيًا الغرض منه الزج بالمشروع في مماحكات سياسية، وانتهاكًا لحرمة الأحكام القضائية التي أوجبت التشريعات تجريم عدم الامتثال لما انتهت إليه”.
وبحثت ويليامز مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في القاهرة مساء السبت تطورات المسار الدستوري ومساعي الوصول إلى تعديل النقاط الخلافية بمسودة الدستور، فضلا عن ملف السلطة التنفيذية والميزانية العامة للدولة للعام الجاري.
وقالت إنها اتفقت معه على أهمية التوصل إلى توافق في الآراء في هذه الجولة لتيسير إجراء انتخابات وطنية شاملة في أقرب وقت وفقا لإطار دستوري سليم، مع أنها تدرك حجم المطبات التي تعتري هذه المسألة والعراقيل التي تقف في طريقها.
وكشف الناطق باسم مجلس النواب عبدالله بليحق أن لقاء عقيلة مع ويليامز بحث المسار الدستوري ومساعي الوصول إلى تعديل النقاط الخلافية بمسوَّدة الدستور، وتطرّق إلى مستجدات الأوضاع في ليبيا، وملف السلطة التنفيذية والميزانية العامة للدولة للعام الجاري المقدمة من الحكومة المكلفة برئاسة فتحي باشاغا.
وفي خضم تحركاتها المستمرة، أطلعت ويليامز رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي الخميس على استعدادات الجولة الثانية من لقاءات المجلسين والنتائج المنتظرة حول القاعدة الدستورية، والتزام البعثة بمواصلة الجهود لإيجاد حل للأزمة السياسية الراهنة.
وأجرت لقاء مع عبدالحميد الدبيبة الأربعاء أكدت فيه على أهمية الحفاظ على الهدوء ميدانيًا، وإجراء الانتخابات وفق إطار دستوري سليم.
وذكر المكتب الإعلامي للدبيبة أن اللقاء “خُصِّص لمتابعة المستجدات السياسية، والعمل بشكل جاد لإجراء الانتخابات باعتبارها الحل الجذري للأزمة الليبية”.
وتؤكد هذه المعطيات التي تمنح القاعدة الدستورية أهمية أن هناك ما يشبه الالتفاف على بعض المشكلات لتصبح العملية السياسية حية من دون أن تصل إلى نتيجة محددة تضفي قدرا من الجاذبية لحل أزمة لم تعد تحتل أولوية في أجندات الكثير من القوى الإقليمية والدولية، وكل ما يتمناه البعض منهم منع انفجار الأوضاع وفرض تدخلات غير مرغوبة حاليا أو التباحث حول خيارات صعبة.
وتقول مصادر ليبية لـ”العرب” إن الجولة الثانية من اجتماعات اللجنة في القاهرة غير متوقع أن تحرز تقدما جديدا ومن المرجح أن تدور في فلك الحلقات ذاتها التي دارت فيها الجولة الأولى، وتتمثل في الأخذ والرد وزيادة استهلاك الوقت، حيث يشعر المشاركون بجدوى العملية السياسية التي تقودها ستيفاني.
وتضيف المصادر أن الانقسامات هيكلية على الساحة الليبية وما لم تكن هناك إرادة قوية وكبيرة من جانب المجتمع الدولي لن تتحرك لجنة الدستور خطوة إلى الأمام للتوصل إلى قواسم مشتركة، فهناك أطراف رافضة لهذه اللقاءات وأخرى يمكنها أن تعوق تطبيق مخرجاتها، وثالثة تجد في بقاء الأوضاع الراهنة فرصة جيدة لها.
العرب