تركيا وإسرائيل: تقارب الضرورة

تركيا وإسرائيل: تقارب الضرورة

د. معمر فيصل خولي*

بعد 12 عامًا من التوتر، حطَّت في آذار/ مارس الفائت، طائرة الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، في أنقرة تلبية لدعوة نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، الذي تتجه بلاده نحو إعادة ترميم العلاقات مع تل أبيب، وإحياء التعاون المشترك في عدد من القضايا في البيئة الإقليمية، خاصة قضية الطاقة شرق البحر الأبيض المتوسط. وبعد 15 عاما من ذلك التوتر أيضًا، زار – قبل بومين- وزير الخارجية التركي داوود تشاووش أوغلو إلى إسرائيل. وهنا نتساءل عن دوافع هذا التقارب في هذا التوقيت؟

على مستوى العلاقات الثنائية بينهما، تكمن دوافع التقارب بالنسبة إلى إسرائيل في أن تحدّ أنقرة من دعمها لحركة حماس التي لديها مكاتب في تركيا. أما بالنسبة إلى تركيا، فهي تدرك أن خصوماتها الإقليمية أصبحت تفوق قدرتها على التحمّل، إذ يواجه اقتصادها إحدى أسوأ الأزمات التي شهدها خلال السنوات العشرين الأخيرة، خسرت خلالها الليرة التركية أكثر من نصف قيمتها تجاوزت نسبة التضخم في شهر أيار /مايو الحالي حدود 70%،في أعلى مستوى منذ 20 عاما.

وتزيد الحرب الروسية ضد أوكرانيا الأمور تعقيدًا بالنسبة إلى تركيا، التي تعتمد على روسيا من حيث العائدات السياحية وموارد الطاقة. فكانت أنقرة تتوقع أن يوفّر الموسم السياحي موارد مهمة تسهم في تحسين مالية الدولة، لكن تم تقويض هذا الأمر. كذلك، يؤدي النزاع الدائر إلى ارتفاع أسعار سلع أساسية تستوردها تركيا، مثل الغاز الطبيعي والقمح، ما سيغرق البلاد بشكل أعمق في أزمة تضخمية.

في ظل هذا الواقع، قد يوفّر التعاون مع إسرائيل حبل نجاة غير متوقع لتركيا. فلديهما تاريخ مثمر من التبادل التجاري والسياحة، ناهيك عن أن إسرائيل أصبحت في السنوات الأخيرة من الدول المصدّرة للغاز الطبيعي، ويمكنها بالتالي تزويد تركيا بمورد أساسي للطاقة. ويتماشى ذلك مع هدف أنقرة الرامي منذ فترة طويلة إلى تخفيف اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي. ولهذا السبب، أشار أردوغان أكثر من مرة على أن التعاون على مستوى الغاز والطاقة هو دافع أساسي وراء تحسين علاقات بلاده مع إسرائيل.

إذ ينصبُّ على الآمال بأن تساعدها الأخيرة في كسر عزلتها شرق المتوسط، وذلك عبر تفعيل نقاش خط أنابيب إسرائيل/تركيا، الذي تراه أنقرة مسعفًا لاقتصادها واحتياجاتها المتنامية للطاقة، وفرصة لتعظيم قوتها الإقليمية بالتحول لمركز عبور للغاز، وورقة قوة في النزاع البحري مع اليونان وفي جزيرة قبرص.

كما تنتظر تركيا انتخابات رئاسية ونيابية قد تكون مصيرية بالنسبة للرئيس أردوغان بعد عام، وترى أنقرة أن من شأن التقارب مع تل أبيب، والإعلان عن تقوية موقفها بخصوص غاز المتوسط إرسال إشارات إيجابية تسعف الاقتصاد من جهة، وتقوِّي موقف الحزب الحاكم من جهة أخرى. وتقليديًّا، تنظر أنقرة إلى العلاقة مع إسرائيل كمدخل “معقول” للتقرب من الإدارة الأميركية لاسيما في ظل التراجع النسبي في العلاقة مع إدارة جو بايدن.

وهناك من يضيف عامل آخر لعوامل التقارب التركي الإسرائيلي بشكل خاص والتقارب التركي الخليجي بشكل عام، هي الرغبة المتعلقة بحسابات الطموح الشخصي للرئيس رجب طيب أردوغان في الاستمرار في رئاسة جمهورية تركيا، وهذا يعني أنه غلّب العامل الشخصي على حساب الاعتبارات الاستراتيجية في انعطافاته واستدارته الاسرائيلية والخليجية ولربما السورية في المستقبل.

أما عن عوامل التقارب على المستوى الإقليمي، يأتي التقارب في سياق مراجعة للسياسة الخارجية التركية، أسفرت خلال العام الأخير عن حوارات وزيارات متبادلة مع كلٍّ من الإمارات ومصر والسعودية. وكان لافتًا أن أنقرة حاولت أكثر من مرة استمالة الجانب المصري للتنسيق معها في شرق المتوسط عبر طرح رؤى لترسيم حدود بين البلدين. وعلى الرغم من أن تركيا طرحت على القاهرة صفقة على غرار ما وقَّعته الأخيرة مع أثينا، عام 2020م، إلا أن القاهرة لم تُبْدِ حتى الآن أية رغبة بالتوافق.

 كما أن التقارب التركي الإسرائيلي من شأنه أن يفرز تأثيرات إقليمية كبرى تصب في صالح البلدَين. فهما متّفقان على عدد من المسائل الأساسية، ويدعمان كييف في سياق الغزو الروسي لأوكرانيا لكنهما يحاولان في الوقت نفسه ألّا يثيرا حفيظة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فتركيا وإسرائيل تستفيدان من الحفاظ على علاقات جيدة بالكرملين تتيح لهما مثلًا شنّ هجمات على أعدائهما في سورية، إي تباعًا وحدات حماية الشعب الكردية، وحزب الله وسائر وكلاء إيران. وينظر الجانبان إلى إيران على أنها تهديد لهما، سواء في سورية أو في خارجها.

ينبغي الانتظار لرؤية ما إذا ستنجح تركيا وإسرائيل في الحفاظ على تقاربهما. فبعد تدهور العلاقات الدبلوماسية بينهما على خلفية الاعتداء الإسرائيلي على الاسطول التركي في أيار/ مايو 2010م توترت العلاقات التي وصلت إلى مستوى العداء. وفيما يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ملتزمًا بانفتاحه، وإسرائيل متفائلة بحذر، ستشكّل التحديات المُقبلة اختبارًا أصعب لتقدم مسار العلاقات بينهما.

وحدة الدراسات التركية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية